فوائد العسل
قال تعالى : ( يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
(سورة النحل آية 69)
إن أفضل علاج في الطب الطبيعي هو العسل، ولا تقييم في الطب الإلهي للغذاء إلاّ العسل، ولا امتياز لحشرة في القرآن الكريم والسنة والطب عبر العصور إلاّ للنحل، فما هي الفوائد التي يجنيها الإنسان من العسل كغذاء ودواء؟ وما هو أسلوب العمل في مجتمع النحل الذي يعتبر مجتمعاً مثالياً؟ وما هو دور العسل في إطالة العمر؟ وما هي المنزلة التي احتلها عسل النحل عند أشهر الأطباء والعلماء؟
أحاول في هذا المقال الإجابة عن هذه التساؤلات:
اعتمد الإنسان لقرون عديدة على العسل كغذاء أساسي قبل أن يعرف الخبز واللبن والحبوب، وكان يجمع العسل من أقراص النحل المنتشرة في الغابات، فاحتفظ بصحته وقوته، إلى أن أقبلت المدنية الحديثة فغيرت كل شيء.
حتى العسل لم يسلم من التغيير والتبديل والتحوير، فحلت محله السكريات الصناعية التي أدت إلى انتشار أمراض الجهاز الهضمي وأمراض الدم وغيرها.
ظل العسل قروناً طويلة سر الصحة والعافية، حتى نسجت حوله القصص والحكايات واعتبره القدماء رمز للصفاء والنقاء وسراً من أسرار الحياة، وكان المصريون القدماء يقدمون العسل للمولود يوم ولادته، إذ كان يعني ذلك السعاده الدنيوية، وكان الرجل يقدم لزوجته العسل بين الحين والآخر تعبيراً عن السعادة الزوجية، وكان المعمرون يعتمدون العسل غذاءهم الرئيسي.
يروى أن العسل يطيل العمر، حتى أن عالم الرياضيات الإغريقي الشهير (فيثاغورس) الذي عاش أكثر من تسعين عاماً كان يعيش على طعام نباتي ممزوج بالعسل، وعاش تلميذة ( أبولونيس) مئة وثلاثة عشر عاماً لأنه كان يركز على العسل في غذائه، وأوصى ( أبو قراط) الطبيب الشهير بتناول العسل لمن يريد حياة أطول وصحة أقوى.
وكان الطبيب الرئيس الشيخ ابن سينا، الذي لا تزال جامعات الغرب تتولى تدريس علومه الطبية، يوصي بتناول العسل للمحافظة على الشباب والحيوية ويدعو الذين تجاوزوا الخامسة والأربعين إلى تناول العسل بانتظام وخصوصاً مع الجوز المسحوق لأنه غني بالزيت.
وللعسل في القرآن والسنة حضور مشرق، وله سورة خاصة في القرآن الكريم هي سورة ( النحل) التي جاء فيها " وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون"، (الآية 68/69).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصف العسل للشفاء من كل داء، وكان يشربه بالماء كل صباح، ومن أقواله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالعسل فهو خير الدواء"، ولما سئل ذات يوم: " ليس عندك غير العسل"؟ قال: " إنه الشفاء".
أما مجتمع النحل فهو من أنشط المجتمعات إن لم يكن أنشطها على الإطلاق. يتقاسم أفراده العمل ويؤدي كل واجبه بإتقان وإخلاص، ولا يسمح أفراد هذا المجتمع أن يعيش بينهم كسول، فإذا تكاسل أحد وصار عبئاً على سائر أفراد الخلية كان مصيره الطرد والتشرد، لذلك كان أحد الحكماء ينصح تلاميذه" كونوا كالنحل في الخلايا، إنها لا تترك بطالاً إلا نفته وأبعدته عن الخلية لأنه يضيق المكان ويفنى العسل ويعلم النشيط الكسل".
كل خلية تتكون من ملكة واحدة وآلاف من الشغالات وبضع مئات من الذكور، ويعيش مجتمع النحل في مسكن واحد يحتوي على كثير من الأقراص الشمعية، وتضم كل خلية ملكة واحدة فقط، وظيفتها الأساسية وضع البيض، ويشيع وجودها في الخلية جواً من الأمن والاستقرار بين باقي أفرادها، فيؤدي كل فرد عمله بهمة ونشاط.
وفي عام 1962 اكتشف العالم ( تبلر) أن الملكة تحمل مادة على جسمها تسمى ( مادة الملكة) ثبت من تحليلها أنها عبارة عن حامض دهني، حيث تقوم بعض الشغالات بلعقها لتنظيف جسد الملكة وتتبادل هذه المادة مع بقية شغالات الخلية، بحيث يشعر الجميع بوجود الملكة فيستتب الأمن ويشيع النشاط.
يتكون العسل من البروتين وأنواع مختلفة من السكر، وكثير من الأملاح المعدنية كالحديد والنحاس والمنغنيز والكالسيوم والصوديوم والكبريت والبوتاسيوم والفوسفور، والعسل بأملاحه المعدنية أفضل كثيراً من أي شراب صناعي يباع في الصيدليات على أنه مقو ومنشط وفاتح للشهية بينما هو مضر للصحة ولا تتقبله المعدة بسهولة، كما يحتوي العسل على جميع الأحماض الأمينية التي يحتاج إليها الجسم البشري تقريباً، ويتضمن معظم ( الفيتامينات) اللازمة لنمو الجسم وحفظه ومقاومته للسموم، ويساعد على تكوين مادة الكولاجين في العظام والأوعية الدموية، كما يساعد الجسم على امتصاص الحديد وتكوين كريات الدم الحمراء ويحافظ على خلايا الكبد من التلف، ويريح الكليتين.
ويصف الطبيب الأمريكي ( اولدفيلد) في كل حالات الإنهاك والإعياء وفقر الدم وسوء الهضم، ما يسميه ( شراب الهناء) المركب من كاس من الحليب الطازج المسخن مع ملعقة كبيرة من العسل حتى الذوبان، على أن يشرب مرتين يومياً مع قطعتي خبز جاف مدهونتين بالزبدة، كما يداوي (اولدفيلد) الأرق عند الأشخاص المسنين ممن انخفضت لديهم الحيوية بكأس من الماء الفاتر تذاب فيه ملعقة كبيرة من العسل، وهو في مستشفاه يستعمل العسل كدواء وكغذاء وكمقو عصبي.
ويؤكد العالمان الروسيان ( بتلروف ولبال) عضوا الأكاديمية الروسية للعلوم، أن كل عسل لا تقوم النحلة بتجهيزه يعتبر عسلاً صناعياً يخالف عسل النحل الطبيعي وليس له فوائده وميزاته ويستعمل العسل في علاج الجروح لأنه يحتوي على مواد قاتلة للجراثيم، وكان ( أبو قراط) أول من استعمله لهذه الغاية.
وكان العالم الروماني (بليني) ينصح باستعمال العسل لعلاج الخراريج الموجودة في الفم، كما كان الرئيس ابن سينا ينصح باستعمال العسل في الجروح السطحية بشكل لبخة مصنوعة من العسل والدقيق بدون ماء، وتمكن الجراح الروسي (كرينتيسكي) من الحصول على نتائج ممتازة باستخدام العسل وزيت كبد الحوت في علاج الجروح المتقيحة خلال 48 ساعة، وبعد الحرب العالمية الثانية استخدم الأطباء العسل في علاج الجروح المتسببة عن الرصاص إذ لاحظوا أن العسل ينشط الأنسجة مما يؤدي إلى سرعة التئام الجروح.
ويقول الدكتور ( جارفيس) في كتابه ( الطب الشعبي) أن العسل دواء ممتاز لعلاج بعض أمراض المسالك التنفسية، أو مادته الشمعية بعد تجريدها من العسل كله، فمضغ قطعة من شمع اقراص النحل، يحسن كثيراً الجهاز الداخلي للمسالك التنفسية، ولكن من المتممات لذلك استعمال العسل في الوقت نفسه، وإذا تعذر وجود العسل بشهده ( أي مع شمعه) فضع في فمك ملعقة كبيرة من العسل السائل بعد كل وجبة طعام. وبناء على اختبارات الطب الشعبي لا يصاب الذين يأكلون عسل النحل بشهده، ( أي مع شمعه) إلا نادراً بالزكام أو الانفلونزا أو الحساسية ويفيد العسل في علاج جفاف الأنف، ومن الإسهال المعدي والدوزنتاريا، ويستعمل العسل في تحسين الذاكرة والفكر وجمال البشره، ويمنع تشقق الشفاه والجلد، وحتى سم النحل يعتبر في بعض الحالات علاجاً، ويذكر التاريخ أن شارل الكبير وايفان شفيا من مرض النقرس بلدغ النحل، الذي يفيد في علاج الحمى الروماتيزمية والتهاب الأعصاب وآلامها وضغط الدم.
وفي تشرين الأول من عام 1985 جرت في المركز الدولي الطبي في طوكيو أبحاث حول استعمال سم النحل في علاج مرض الايدز، وكانت الأبحاث مشجعة، ويقول الدكتور علي محمد علي، أستاذ الطب في جامعة عين شمس في القاهرة: إن فكرة استعمال سم النحل في علاج الايدز تعتمد أساساً على رفع المناعة الطبيعية في الجسم عن طريق الوخز بسم النحل، ويتم اللدغ بالنحل باستخدام نحلة واحدة في اليوم الأول ونحلتين في اليوم الثاني، ويزداد العدد بهذا المعدل حتى يتم اللدغ بعشر نحلات في اليوم العاشر، وفي المرحلة الأولى من العلاج يحصل المريض على 55 لدغه، وبعد فترة راحة لمدة 5 أيام يبدأ اللدغ مرة ثانية بمعدل 3 لدغات، ويستمر لمدة 6 أسابيع يتلقى المريض خلالها 150 لدغه.
وفي اليابان ازداد الاهتمام بهذا الفرع بحيث تخصصت إحدى الكليات في منح الدكتوراه للعلاج بالنحل، كما نشر العديد من الكتب عن استخدام النحل في علاج العديد من الأمراض.
إن فوائد العسل الغذائية والعلاجية لا تحصى، والمهم أن يكون طبيعياً لا صناعياً، وأن يتناوله المرء مع جرعة من الإيمان بالله، الذي أبدع النحل مخلوقاً صغيراً عجيباً معجزاً مثالياً، كما يحتاج إنسان هذا العصر إلى الإقتداء بصفاته ومزاياه.
الموقع