بسم الله الرحمن الرحيم
****
المؤمن الصادق دائما وأبداً يتقلب قلبه بين الرجاء في رحمة الله والخوف من غضبه وعذابه .. والكد من أجل نيل رضاه .. والطمع في دخول جنته .. وهو تارة يطمئن قلبه لعلمه بمقدار رحمة الله .. وعفوه ورضاه .. وتارة يعيش في لحظات خوف ووجل إذا تذكر مواقف الحساب والعقاب .. وخاصة إذا تيقن أن الأعمال بالخواتم .. وأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء .. ما شاء منها أقام وما شاء منها أزاغ .
حدثنا يزيد قال أخبرنا همام بن يحيى عن علي بن زيد عن أم محمد عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول : يا مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك ، قلت : يا رسول الله إنك تدعو بهذا الدعاء قال : يا عائشة ، أو ما علمت أن قلب ابن آدم بين أصابع الله ، إذا شاء أن يقلبه إلى الهدى قلبه ، وإن شاء أن يقلبه إلى الضلالة قلبه .
والخطوات محسوبة بمعيار مثال ذرة خيراً ومثال ذرة شراَ .. فكيف ينام قلب المؤمن ويطمئن .. ثم يقول أنا غير وجل من آخرة مجهولة العواقب !! .. وهناك لحظات ودرجات في رغبات المؤمن .. فهو أولاً يطمع في مغفرة الله .. ثم يطمع أن لا يدخله النار .. وفي رغبة تالية يتمنى أن يدخله الله جناته .. وتلك أمنية غالية يطلبها من في السموات والأرض .. ثم يعلم المؤمن أن الجنة درجات ومقامات .. وتلك درجات محسوبة لمن أراد الله لهم بذلك .. وأنها مبذولة لمن زادوا في الإخلاص لله والطاعة .. وعندها يدرك المؤمن أن تلك المقامات لا ينالها إلا من أصدق العبادة وأخلص لله في الطاعات .. فيطمع الإنسان في المزيد من عطاء الله .. فيجد في العبادات والطاعات حتى يكون أولاً في زمرة أصحاب اليمين .. ثم يجد ليكون من المقربين .. ثم يكون في أصحاب الفردوس الأعلى .. وفي المقابل هناك أصحاب النار هم فيها كالحون .. والنار درجات .. ( ونستعيذ بالله من النار ) .. وهناك في جهنم دركات أسفل ثم دركات ودركات في مقدار العذاب .. وأهل الدركات السفلى يكونون أشد عذاباً ويتمنون فيها لو أنهم كانوا في دركات أقل عذاباً .. وفي كل الدركات يتمنون أن يخفف الله عليهم يوماً من العذاب .. وآخرون فيها يعاقبون ثم يخرجهم الله من النار .. وتلك صورة قليلة عن جهنم لا تعطي الحقيقة إلا للإشارة فقط .. ولكن مع قلة الإشارة إلا أنها تجعل من قلب المؤمن الحق أن لا يطمئن لمآل في الآخرة ثم ينام قرير العين غير وجل وغير آبه من مصير مجهول .. وعليه فإن قلب المؤمن الصادق المخلص لا يغفل عن مراقبة الله في السر والعلن .. فهو دائماً إما خائف وجل من عقاب الله .. أو طامع مبادر مجتهد لنيل رضا الله .. وهو بين ذاك وذاك قلبه يتردد ويتقلب .. فلا اطمئنان لقلبه إلا بعد ساعات الحساب .. عندما يمسك كتابه بيمينه ويقول في سعادة هاؤم أقرؤوا كتابية :
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)
( الحاقة : من الآية 19 إلى الآية 24 )
وذلك هو الفوز الكبير .. فله في الجنة من النعم ما يريد .. ومن الله المزيد .. فندعوا الله ضارعين أن يجعلنا ممن نالوا الجنة دون حساب أو عقاب
....الكاتب /عمر عيسى محمد