jara--11 عضو مشارك
الجنس : عدد المساهمات : 99 نقاط : 5254 تاريخ التسجيل : 23/12/2010
| موضوع: سجدة الحياة الثلاثاء 24 أبريل - 17:21:56 | |
| سجدة الحياة الدنيا كلها قيمتها في تحقيق لحظة أمن وسكينة في النفس , وقد جبل الناس على الخلطة بمجتمعاتهم ونتيجة هذه الاحتكاك المباشر ينقدح في النفس مشاعر متباينة بين الراحة والضيق والشدة وحب العزلة وغيرها , فحينما يضيق الإنسان بنفسه وتصبح الدنيا كلها حوله عدوا بارزه بالعداء , ويجد في العزلة الخل الوحيد الذي يرتجي منه شفاء العليل ورواء الغليل فلن يجد سوى سجدة بها معاني التدفق الروحي , تنسي الإنسان أنه أصلا على وجه الأرض وتصعد به نحو الكون الفسيح , متأملا إبداع الملكوت وخالقه الذي يحدث لديه الإمتاع العقلي في أرقى صوره والذي دائما وأبدا ما يفتقده الإنسان من كثرة الأشياء التي تحيط به .
سجدة ترفع مؤشر القلب الملتاع , تزيد من قدرته على الشعور , ترتقي بوجدانه , وتشعره بسعادة الأنس والقرب بمالكه ومليكه , فما أروعها من لحظات يشعر فيها المرء بالفارق الفسيح بين قرب الرب وقرب العبد من العبد بأي صورة كانت أبوية أو أمومة أو خليلا أو حبيبا ..... الخ . لن تشعر بروعة تلك المشاعر إلا بسجدة الحياة .
سجدة تطمئن الروح التي تفتقد للغذاء المسبب لسعادتها وبهجتها , فإشراقات السماء أبدا ما تتخلى عن طالبها , فكل متع الدنيا وملذاتها وشهواتها لا تساوي ولا تداني لحظة إشراق واحدة في القلب ممتزجة بحب الرب .
سجدة يكشف الإنسان فيها نفسه على مولاه , فيخرج أحاسيسه ومكنوناته وخلجات نفسه وخاطراته , وهذا أبدا ما يحدث مع أي أحد مهما كان قربه من المرء , دائما ما يوجد بداخل النفس ما يمكن أن تخفيه , إما لخصوصيته الشديدة , أو للخجل من إعلانه لأهلنا وذوينا وأهل المكانة في قلوبنا, وإنما لا يجد الإنسان أفضل من تلك اللحظة التي يقترب فيها من مولاه , فيشتكي همه ويظهر ضراعته المخلصة في اطمئنان وسكن دون خجل أو خوف فتسري الراحة في صدره كأنه قد ركن إلى أحضان أمه في أوقات الشوق والاشتياق, وأحس بالدفء المعنوي الذي دائما ما يبحث عنه .
سجدة تشعر العبد بالضعف أمام الكمال الإلهي , يشعر أنه كلما أذل نفسه لذي الكبرياء كلما عز وارتفع عنده , وكلما ظهر في موقف الضعيف كان بحق أقوى الناس وارفعهم عنده وهذا من تمام العبودية الحقة التي يحبها الله ويحب أن يرى عباده جميعا ينسجون معه تلك العلاقة الراقية , وبقدر عمق هذا الشعور في نفس العبد بقدر ما ترتفع معاني القرب والمعية من الرحيم المنان.
حين تفقد أحلام الدنيا , وترى أهدافك تنهار في تلك الفانية , فلن تجد العوض سوى في سجدة تحيي في نفسك الأمل وتنير بصيرتك للحلم الوحيد والهدف السامي في كنف الكبير المتعال , في رضاه وجنته ورفقه أوليائه .
عمر الإنسان كله لا يساوي شعور العبد بلذة العبادة لحظة سجوده سجودا يليق بجلال الله وعظمته , والنفس قد سئمت آلام الحياة وسقمها , فإما أن نترك أنفسنا لسراب الدنيا الفاني حيث لا توجد نتائج يمكن أن نجعلها غاية تستحق التضحية في سبيلها , أما في تلك السجدة المباركة , المقدمات والمعاني والنتائج والغايات والأهداف والقيم والمثل العليا متجسدة بينة في أبهى معالمها , فما على الإنسان سوى أن يقذف نفسه في طريق اللجوء إلى الله ويتخذ من تلك السجدة واحة فياضة مشرقة تبني صرح الثقة في العلاقة الفاضلة بين العبد ومولاه قال تعالى :{ ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم } آل عمران : 101 إنه نعم المولى ونعم النصير . |
|