قصة حياة بادن باول (مؤسس الحركة الكشفية)
مهمته في جنوب أفريقيا
كانت الصعوبات العسكرية التى يواجهها الجنود البريطانيون من قبائل البويرالافريقية سببا في نقل فرقة
( الهوسارد13) التى انتمى إليها بادن باول، وهكذا نقل روبرت إلى جنوب أفريقيا الجنوبية .
كان عدو الجنود البريطانيون هم قبائل البوير الذين كانوا يريدون التحرر وكان دور روبرت هو مهمة سرية استكشافية لجمع المعلومات ومعرفة إمكانية الهجرة بصفة مدنية لأهداف عسكرية بحتة وخلال تجواله فارسا قطع فيها ألف كم ؛ لم يطلق خلالها أي رصاصة مع أنه أنجز عملا نال به تقدير رؤسائه .
وهكذا أمضى روبرت مدة ثلاث سنوات ضمن حاميته فأصبحت له خبرة كبيرة في مجال الاستطلاع والاستكشاف في العمق وارتفع عنده فن الملاحظة ، ولقد كانت الحياة في المستعمرات حياة رغده يتوفر فيها كل سبل الحياة اللاهية. ولكن روبرت حافظ على الاستقامة شاغلا نفسه بأمور عديدة مثل الرسم ودراسة اللغة والعادات المحلية وتأليف الكتب .
وبعد أن تمكن بادن باول من الانتصار على قبائل البوير تمت ترقيته إلى رتبة لواء وكان الأصغر في الجيش البريطاني من بين من يحملون هذه الرتبة حيث كان عمره أنذاك ( 43 ) سنة.
ويقول روبرت عن حصار ( مافكنج ) :-
" ولقد تمكنت من إختبار فائدة الفتيان الصغار أثناء الدفاع عن مافكنج ، ولم يكن هناك من يفكر بأن مافكنج ستكون يوما من الأيام هدفا للعدو.. عندما تأكدنا من حقيقة غزونا في مافكنج سارعنا إلى توزيع حاميتنا على المراكز التى كانت بحاجة إلى الحماية وكانت مؤلفة من سبعمائة رجل , ثم اضطررنا إلى تجنيد رجال المدينة وعددهم ثلاثمائة للدفاع عن مكان يبلغ محيطة ثمانية كيلو مترات وكلما قتل عدد من المدينة ازدادت الأعباء على البقية , ولقد استطاع رئيس أركان الحرب أن يجمع فتيان المدينة الصغار وينظم منهم وحدة صالحة ونافعة مثل تبليغ الأوامر وحمل التعليمات والقيام بأعباء الحفر والخدمة العادية مما كان له أكبر الأثر في فك الحصار عن الحصن الذي أستمر سبعة أشهر .
كما استطاع بادن باول أن يقنع هيئة الأركان البريطانية بأهمية فن الاستكشاف الأمر الذي جعل اللواء (( سميث )) يختاره مساعدا له على الرغم من أن رتبته كانت أقل مما يتطلبه هذا المنصب ثم أرسله في بعثة خاصة لأداء مهمة عسكرية وكانت مهمة البعثة التى تتكون من ستمائة جندي من البريطانيين والسود هي لاستتاب الأمور على الحدود مع قبائل الزولو والقبض على الزعيم (( دينزيلو )) ثم مساعدة المفوض الإنجليزي الذي كان محاصرا في داره من قبل قبائل الزولو. وهكذا نجح روبرت في هذه المهمة بفضل معلوماته وخبرته . والاستفادة من كشافته البيض والسود . وكان ذلك في عام ( 1887 ) وأستفاد بادن باول من هذه التجربة أمرين هما :-
• الهدية التي قدمها له الزعيم (( دينزيلو )) وهى عقد كبير علقت فيه بعض القطع الصغيرة من الخشب المنحوت والتي أصبحت تقدم فيما بعد إلى المفضلين والقادة من كشافته كبادرة مازالت قائمة حتى الآن .
• تجربته بأن لا يكتفي بمواجهة العدو فقط ولكن أن يستفيد من طريقته في الحياة والعيش والثقافة ، مهما كان هذا الخصم ، فالأفراد جميعا عل مستوى واحد في هذه القيم ، ونجد هذا واضحا في تعلمه بعض العادات الغريبة التى كانت قبائل الزولو تتبعها في تربية أبنائها . حيث انهم كانوا إذا بلغ الفتى منهم الخامسة عشر . جردوه من ثيابه وقاموا بطلاء جسمه بطلاء خاص حتى لا يزول إلا بعد ثلاثين يوما ، ثم يقلد ترسا ورمحا ، ويؤمر بمغادرة القرية إلى داخل الغابة ، ولا يعود منها إلا بعد مضى الشهر ( أي بعد زوال الطلاء الأبيض عن جسمه ).
فإن عاد قبل نهايته قتل ،كان الفتى يلجأ إلى الغابة ، فكان عليه لأن يعيش في أدغالها وأحراشها بين الفهود والنمور ، السباع والضباع ، الفيلة والذئاب ، والثعابين والحيات وغيرها مما تزخر به من مختلف أنواع الحيوانات المفترسة ، والوحوش الضارية ، والطيور الكاسرة , والزواحف السامة .
فكان عليه أن يختالها ويروض نفسه على الحياة بينها . كما أنه لكي يكمل مهمته يجب عليه أن يدرس أنواع نباتها ليميز الصالح منها لغذائه ومسالك الغابة ودروبها حتى يعرف طريقه فيها وأماكن المياه الصالحة للشرب .. حتى يجد حاجته منها مهيأة ميسورة .
وهكذا يقضى الفتى هذا الشهر في الغابة ، فإن استطاع مغالبة الصعاب ومصارعة الأهوال والمشاق ومصابرة الحياة بين هذه الوحوش والهوام
وعاد إلى قبيلته بعد وفاء مدته ، فإنهم حينئذ يستقبلونه إستقبال البواسل ويرحبون به ترحيب الفارس المقدام ويقيمون له حفلا يقلدونه فيه سيف الجندية ويطلقون عليه لقب (( فارس القبيلة )) .....
بعد ذلك شارك روبرت في حروب قبائل الاشانتى والمتابيل تلك القبائل الباسلة التى يسميها المستعمرون بالقبائل المتوحشة .. وكان المواطنون هناك يخشون بأس وبطش بادن باول حتى أنهم أطلقوا عليه لقب " أمبيزا " أي الذئب الذي لا يغفل وذلك لما لمسوه من شجاعة وعبقرية وتوالت ترقيات بادن باول ووصل إلى رتبة عميد في سن التاسعة والثلاثين وأصبح قائد للفرقة الخامسة للخيالة ونقل إلى الهند مرة أخرى ، ثم أنشأ فرقة كشافة في سريته لإقتناعه بأنه واجب واهتم بتدريبهم واتخذ لهم شعارا خاصا بهم يشبه زهرة الزنبق وكانت مهمتها المساعدة في الانشطة العسكرية. وبعد عودة بادن باول إلى إنجلترا في إحدى أجازاته أتيح له أن يزور أحد أصدقائه وهو ( سير توماس ستون ) وكان يعمل مديرا لإحدى شركات قطع الأخشاب في كندا ، وكان سير (( توماس ستون )) قد لاحظ خلال إقامته فيها وجود فروق واضحة بين أولاد الهنود الحمر وهم السكان الاصليون، وبين أولاد الجاليات الأجنبية فقد كان الهنود الحمر يدربون أولادهم على إختراق الفيافي ، وتلمس الطرق في الغابات الكثيفة والأحراش المقفرة المخيفة والاهتداء إلى السبل في الليالي المظلمة ، وتتبع آثار الإنسان والحيوانات بغاية الدقة .. بالإضافة إلى طرق التفنن والابتكار في التخاطب ، والحيل في التستر والاختفاء ، بينما كان أولاد الجاليات الأجنبية يتناقصون عاما بعد عام بسبب أن عددا كبيرا منهم كان يضل طريقه في الغابة فلا
يستطيع العودة بالإضافة إلى كثرة ما كان يتفشى بينهم من أمراض لما كان يبدو عليهم من ضعف عام وعجز عن إحتمال المشاق .
فكر ( سير توماس ) أن يكون من أولاد هؤلاء الجاليات فرقا ، وسن لهم بعض القوانين ، فحرم عليهم التدخين وشرب الخمور على إختلاف أنواعها وأخذ يعودهم على إختراق الفيافي ، ويدربهم على إقتفاء الأثر ، ويعلمهم بعض الحرف النافعة .
وأعجب بادن باول بهذا النظام وهذه الفكرة ولكنه ما لبث أن أنشغل بعمله وذاب في مهامه العسكرية .
كان بادن باول كشاف حرب من الدرجة الأولى ذا خبرة في إنشاء الطرق وإقامة الكباري وتكوين فرق الكشافة – كشافة الحرب , وهذه المواهب أهلته لأن يكون الرائد الأكبر للعلوم الكشفية فقد تولى بنفسه تدريب الكشافين في الجيش موجها إياه للرجال الراغبين في إعداد أنفسهم للحرب والمستعمرات , من ثم رأى بادن باول أن يوجه نشاطه للصغار من أبناء بلاده فها هي فرصة عظيمة واتته في نشوة هذا النصر العظيم يجب أن يستغلها وأفئدة شعبه متعلقة به في إعداد النشء ليكونوا مواطنين صالحين وأستغل بادن باول خبرته التى أكتسبها في الهند وبين قبائل الزولو وغيرها من القبائل المتوحشة وأنكب على دراسة كتب التربية في سني نمو الفتى المختلفة وفى العصور والشعوب المختلفة