بيت الحكمة تعبير يطلق على دار علمية ظهرت في عصر هارون الرشيد (170-193هـ) وازدهرت في عصر المأمون لتتعهد بالرعاية والترجمة إلى العربية مجموعات من الكتب اليونانية في العلم والفلسفة .ففي زمان الخليفة المنصور (135-158هـ)، الذي كان كلفاً بعلوم الحكمة، كالفلك والهندسة والطب، استقدم كتباً علمية وأدبية من بلاد الروم والهند وفارس، فترجمت مؤلفات لأرسطو و فورفوريوس و بطلميوس وإقليدس وغيرهم. ولما احتل الرشيد عمورية وأنقرة أمر بالمحافظة على ما فيهما من مكتبات، وانتدب بعض العلماء والتراجمة من بغداد لاختيار الكتب القيمة منها. وولى الرشيد أمر هذه المؤلفات إلى يوحنا بن ماسويه (ت243هـ)، وانتدب لمن يساعده في الترجمة.
عرف عن أبي جعفر المنصور عنايته بنشر العلوم المختلفة، ورعايته للعلماء من المسلمين وغيرهم، وقيامه بإنشاء "بيت الحكمة" في قصر الخلافة ببغداد، وإشرافه عليه بنفسه، ليكون مركزا للترجمة إلى اللغة العربية. وقد أرسل أبو جعفر إلى إمبراطور الروم يطلب منه بعض الكتب اليونان فبعث إليه بكتب في الطب والهندسة والحساب والفلك، فقام نفر من المترجمين بنقلها إلى اللغة العربية.
وفي عهد هارون الرشيد أتت إليها دفعة كبيرة من الكتب بعد فتح هرقلة وأقليم بيزنطة، وقد أوكل إلى يوحنا بن ماسويه مهمة ترجمة الكتب، فلم تعد تقتصر على حفظ الكتب بل وضم بيت الحكمة إلى جانب المترجمين النسّاخين والخازنين الذين يتولون تخزين الكتب، والمجلدين وغيرهم من العاملين.
وقد بلغ نشاط بيت الحكمة ذروته في عهد الخليفة المأمون الذي أولاه عناية فائقة، ووهبهُ كثيراً من مالهِ ووقته، وكان يشرف على بيت الحكمة، ويـختار من بين العلماء المتمكنين من اللغات. وقد أستقدم المامون من قبرص
خزانة كتب الروم.
إن الفضل في ازدهار هذه المؤسسة يعود من دون شك إلى الخليفة المأمون، الذي
سعى لزيادة عدد المخطوطات المستوردة والمترجمة، كما زاد عدد العاملين في
بيت الحكمة، فصارت المركز العلمي الأول في العالم الإسلامي بعد اختفاء
مدرسة الاسكندرية وبيمارستان جند يسابور.