أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر البصري، المعروف ﺑسيبَوَيه (140 هـ/760 م-180 هـ/796 م) إمام العربية وشيخ النحاة" الذي إليه ينتهون، وله كتاب في النحو يسمى "الكتاب" وهو أول كتاب منهجي ينسق ويدون قواعد اللغة العربية، «لم يكتب الناس في النحو كتاباً مثله».
ولد في مدينة البيضاء قرب شيراز في بلاد فارس، كان مولى بني الحارث بن كعب، ثم مولى آل الربيع بن زياد الحراثي. وقدم إلى البصرة غلاماً، وقدا اختلف في موعد قدومه تحديدا، ونشأ فيها وأخذ عن علمائها، وعلى رأسهم الخليل بن أحمد الفراهيدي. له وصف لمخارج حروف اللغة العربية هو الأدق حتى الآن. توفي في شيراز عام 796 م
حدثت بينه وبين الكسائي المشهور مناظرة في حضرة هارون الرشيد ، وبدءها أن سيبويه حضر عند يحي بن خالد البرمكي فسأله يحي عن خبره فقال سيبويه : جئتُ لتجمع بيني وبين الكسائي ، فقال : لا تفعل فإنه شيخ مدينة السلام وقارئها ، ومؤدب ولد أمير المؤمنين ، وكل من في المصر له ومعه ، فأبى إلا أن يجمع بينهما ، فعرّف الرشيد خبره ، فأمره بالجمع بينهما فوعده بيوم ، فلما كان ذلك اليوم غدا سيبويه وحده ! إلى دار الرشيد ، فوجد الفرّاء والأحمر وهشام بن معاوية ومحمد بن سعدان قد سبقوه ، وهؤلاء كلهم من أصحاب الكسائي ويقولون بقوله في مسائل النحْو ، فسأله الأحمر عن مائة مسألة فما أجابه عنه بجوابٍ إلا قال له الأحمر أخطأت يا بصري ، فوَجَم سيبويه وقال : هذا سوء أدب .
ثم حضر الكسائي ومعه خلقٌ كثيرٌ من العرب ، وكان سيبويه قد شقّ أمره عليه بما فعله معه خلف الأحمر ، فسأله الكسائي عدداً من المسائل ومنها مسألة العقرب والزنبور ، قال له الكسائي كيف تقول "قد كنتُ أظن أن العقرب أشدُّ لسعةً من الزنبور فإذا هو هي ، أو فإذا هو إياها ؟ فقال سيبويه : فإذا هو هي ، ولا يجوز النصب ، فقال الكسائي : لحنْتَ ، وخطّأه الجميع ، وقال الكسائي : العرب ترفع ذلك كله وتنصبه .
ودفع سيبويه قوله فقال يحي بن خالد : قد اخلتفتما وأنتما رئيسا بلديكما ، فمن يحكم بينكما وهذا موضعٌ مشكل ؟ فقال الكسائي : هذه العرب ببابك ، قد جمعْتَهم من كل أوب ، ووفدت عليك من كل صقع وهم فصحاء الناس وقد قنِع بهم أهل المصرين ، وسمع أهل الكوفة والبصرة منهم فيُحضرون ويُسألون ، فقال يحي وجعفر : قد أنصفتَ ، وأمر بإحضارهم فدخلوا وفيهم أبو فقعس ، وأبو دثار ، وأبو ثروان فسُئلوا عن المسائل التي جرت بينهما فتابعوا الكسائي ، فأقبل يحي على سيبويه فقال : قد تسمع أيها الرجل ؟ فانصرف المجلس على سيبويه وأعطاه يحي عشرة آلاف درهم وصرفه ، فخرج سيبويه وصرف وجهه تلقاء فارس ، وأقام هناك حتى مات غمّاً بالذّرَب ، ولم يلبث إلا يسيراً ولم يعد إلى البصرة ..
ولما مرض سيبويه مرضه الذي مات فيه ، جعل يجود بنفسه ويقول :
قالوا : ولما اعتلّ سيبويه وضع رأسه في حِجر أخيه فبكى أخوه لمّا رآه لِما به ، فقَطرتْ من عينه قطرةٌ على وجه سيبويه ، ففتح عينه فرآه يبكي فقال :
مات سيبويه رحمه الله غيضاً وكمداً مما جرى له مع الكسائي ، يقول الأصمعي : قرأتُ على قبر سيبويه بشيرازَ هذه الأبيات وهي لسليمان بن يزيد العدويّ :
مات سيبويه رحمه ولكن قصته مع الكسائي وأصحابه لم تنتهِ ، فقد غضب صاحبه الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة مما حدث لسيبويه فمضى ليأخذ بثأره ، يقول الأخفش ـ وكان من أصحاب سيبويه وكان أكبر منه سِنّاً : " لما ناظر سيبويه الكسائيَّ ورجع وجّه إلي فعرّفني خبره معه ومضى إلى الأهواز ، فوردتُ بغداد فرأيتُ مسجد الكسائي فصليتُ خلفه الغداة ، فلما انفتل من صلاته وقعد وبين يديه الفرّاء والأحمر وابن سعدان ، سلمتُ وسألته عن مائة مسألة فأجاب بجواباتٍ خطأتُه في جميعها ، فأراد أصحابه الوثوب عليّ فمنعهم ولم يقطعني ما رأيتهم عليه عما كنتُ فيه ، فلما فرغتُ قال لي : بالله أما أنت أبو الحسن سعيدُ بن مسعدة ، قلت نعم فقام إليّ وعانقني وأجلسني إلى جنبه ... "
أخذ الأخفش بثأر صاحبه الذي مات كمداً وغيضاً ، ولكن هل انتهت القصة إلى هنا ، لم تنتهِ بعد ، فماذا بعدُ ؟!
العجيب أن بعض أولئك الذين قتلوه كمداً وعلى رأسهم الكسائي ، أدركوا فضل سيبويه ، ولكن بعد ماذا ؟
فقد قرأ الكسائيُ كتاب سيبويه على الأخفش سرّاً ووهب له سبعين ديناراً
وأما صاحبه الفرّاء ! فيقول الإمام ثعلب : " مات الفراء وتحت رأسه كتاب سيبويه "
ومن العجائب أن القصة لم تنته ، حدّث هارون الزيات قال : " دخل الجاحظ على أبي وقد افتُصد فقال له : أدام الله صحتك ووصل غبطتك و لا سلبك نعمك ، قال : ما أهديت لي يا أبا عثمان ؟ قال الجاحظ : أطرفَ شيء ، كتابَ سيبويه بخطِّ الكسائي وعرْض الفرّاء ! "
يا لها من قصة امتدت أحداثها ، ولم تنته بموت صاحبها