علال الفاسي أحد أعلام الحركة الإسلامية الحديثة التي ظهرت في القرن العشرين، التي دعت إلى نوع من السلفية التجديدية لذلك يترافق اسمه مع أسماء مثل محمد عبده ومحمد رشيد رضا، محمد الطاهر بن عاشور.
ولد علال في مدينة فاس في كانون الثاني سنة 1910م من أسرة عربية مسلمة هاجرت من الأندلس إلى المغرب، واستقرت في مدينة فاس لذلك يقال لعائلته: الفاسي، وأحياناً: الفهري، نسبة إلى بني فهر، فأبوه عبد الواحد كان من كبار علماء المغرب، وكان مدرساً في جامعة القرويين، وكان قاضياً، ومفتياً، وكذلك كان أجداده من العلماء والقضاة والمجاهدين. من أهم ما يؤاخد حاليا على علال الفاسي موقفه من المسألة الأمازيغية بالمغرب.
حياته وأعماله
هو مؤسس حزب الاستقلال، وبطل النضال الزعيم السياسي والمقاوم الصامد الأستاذ الخطيب الأديب محمد علال ابن العلامة الخطيب المدرس الكاتب المفتي عبد الواحد ابن عبد السلام بن علال الفهري نسبا، القصري ثم الفاسي مولدا ودارا ومنشأ.
ينحدر من عائلة عربية عريقة نزحت من موطنها بديار الأندلس إلى المغرب الأقصى فرارا بدينها وعقيدتها من محاكم التفتيش الإسبانية واستوطنت مدينة القصر الكبير زمانا وبعدها مدينة فاس تحت اسم بني الجد واشتهرت بآل الفاسي الفهري. يحسب لهذه العائلة دورها التاريخي الكبير في إعلاء راية الإسلام إبان معركة وادي المخازن تحت راية الدولة السعدية, حيث كانت استعانة السلطان أحمد المنصور الذهبي بالشيخ أبي المحاسن يوسف الفاسي الفهري النازل حينها ببلاد القصر الكبير ودعوة هذا الأخير أتباعه المريدين للجهاد إلى جانب السعديين ضد التحالف الإسباني البرتغالي آنذاك, حيث كانت النصرة في الأخير لأهل المغرب في ملحمة عظيمة دوى صيتها مشارق الأرض ومغاربها سميت بعدها بمعركة الملوك الثلاث، هذه المعركة التي أمدت المغرب بشكل من الهيبة والوقار وجعلت من مؤسسته العسكرية جهازا يصعب النيل منه ومكنت الجيش المغربي آنذاك من بلوغ درجة مرتبة الجيوش التي لا تقهر, وقد استمر ذلك حتى بعد سقوط السعديين إلى أن شاءت الأقدار أن تنكسر شوكة أهل المغرب على يد المستعمر الفرنسي الذي استطاع أن يفرض نوعا من الحماية والاستعمار ولأول مرة على أهل المغرب الأقصى.
لقد عرفت هذه العائلة الشهيرة بعلاقتها مع الدولة السعدية وبحكم هذه العلاقة الوطيدة كانت هجرة أفرادها إلى فاس عاصمة الملك, حيث استمروا في تأذية رسالتهم العلمية بها بعد تأسيس زاويتهم المعروفة بهم بحي المخفية على يد الشيخ أبي المحاسن يوسف الفاسي, وكذا زاويتهم الثانية بحي القلقليين على يد الشيخ عبد القادر الفاسي. بعد انتهاء حكم السعديين بالمغرب ومروره بعدة أزمات سياسية واقتصادية كان منها إفلاس بيت المال وعدة مشاكل أدت إلى تدهور كبير على الصعيد الاجتماعي والفكري والعلمي لأهله مما جعل أعلام هذه العائلة يتدخلون لإعادة إحياء دور العلم والعلماء في إصلاح المجتمع وتوحيد صفوف المسلمين في وقت عرف فيه المغرب نوعا من الفوضى المتمثلة في ظهور عدة تيارات متناحرة عن الحكم أدت به إلى الدخول في مرحلة من الضعف وعدم الاستقرار السياسي. سعت الأسرة الفاسية الفهرية نظرا إلى صعوبة الظرفية التي يمر بها المغرب إلى البحث عن حليف آخر من دون الحكام لإتمام المشاريع العلمية والعمل على نشر العلم وتكوين العلماء ففكرت في إنشاء تحالفات عائلية مع النخبة الأرستقراطية المتمثلة في التجار والأغنياء من أهل فاس واستدراجهم للتطوع في نشر رسالة العلم كتلك العلاقة التي أسسها أبو المحاسن يوسف الفاسي الفهري مع أعيان عائلة العبدلاوي معن الأندلسي وشخصيا مع الشيخ سيدي محمد بن عبد الله معن الأندلسي الذي كان له الدور الكبير في تمويل المشاريع العلمية لهذه العائلة كما جاء مفصلا في كتاب المقصد الأحمدي لمولاي عبد السلام بن الطيب القادري الحسني وكتاب مرآة المحاسن وغيره من المصادر التاريخية لتلك الحقبة من تاريخ المغرب فقد كان سيدي محمد بن عبد الله معن الأندلسي يعمل على تمويل آل الفاسي الفهري بماله ونفسه والوقوف عند كل ما تؤول إليه الحاجة من مأكل ومسكن وتجهيز للطلبة والوقوف عند حاجاتهم بل وتعداه إلى أمور أخرى حيث تكفل العبدلاويون بإحداث روضة لآل الفاسي الفهري بأعلى خارج باب الفتوح تكريما لقدرهم وتشييد ضريح سيدي يوسف الفاسي بها وبناء قبة على قبره كما جاء في مصادر كثيرة.
لقد استطاعت هذه العائلية أن تنجب العديد من العلماء الجهابذة والأساتذة الأفاضل والقضاة البارزين والعدول المبرزين والمؤلفين البارعين الذين ساهموا في جميع المجالات العرفانية وتركوا بصماتهم خالدة في سجل تاريخ المغرب الفكري والأدبي.
ولد علال الفاسي بفاس في 8 محرم عام 1328 هـ ولما وصل إلى سن التمييز أدخله والده إلى الكتاب لتلقي مبادئ الكتابة والقراءة، وحفظ القرآن الكريم على الفقيه محمد الخمسي الذي حباه الله تعالى بالخط الجميل البارع وعلى الفقيه محمد العلمي، إلى أن حفظه في سن مبكرة، وبعد ذلك نقله والده إلى المدرسة العربية الحرة الواقعة بحي القلقليين بفاس القديم ليتعلم مبادئ الدين وقواعد اللغة العربية، حيث كان محل عناية فائقة خاصة عنده لكونه الولد الوحيد الذي وهبه الله له، وكان أمله الكبير أن يتخرج عالما من علماء المغرب الأفذاذ، وقد حقق الله تعالى رجاءه فكان مبرزا على أقرانه، مفخرة أسرته، بل مفخرة القرويين والمغرب، علما ونبوغا وذكاء وعبقرية ووطنية صادقة ومقاومة مستميتة، وكان من جملة القائمين بالتدريس في تلك المؤسسة التعليمية ابن عمه الأستاذ الخطيب عبد السلام بن عبد الله الفاسي.
في عام 1338 هـ التحق بجامع القرويين العامر للارتواء من ينابيعه المتدفقة وجداوله الفياضة الزاخرة، فقرأ على الشريف الفقيه محمد بن العربي العلوي المختصر بشرح الدردير، والتحفة بشرح الشيخ التاودي بن سودة، وجمع الجوامع بشرح المحلي، والكامل في الأدب للمبرد، ومقامات الحريري، وعيون الأخبار لابن قتيبة.
قرأ على الشريف المفتي الحسين العراقي الألفية بشرح المكودي، والتفسير، وعلى القاضي أحمد بن المامون البلغيثي أحكام القرآن لأبي بكر ابن العربي، وعلى محمد بن عبد المجيد أقصبي كتاب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، وعلى القاضي عبد الله الفضيلي جمع الجوامع بشرح المحلي، والمختصر بشرح الزرقاني، والخرشي والرهوني وبناني، وعلى الفقيه الرباني أحمد العمراني والفقيه الشيخ أبي شعيب الدكالي صحيح الإمام البخاري، وعلى الفقيه محمد بن عبد الرحمن العراقي ألفية ابن مالك والاستعارة، وعلى الفقيه المعقولي القاضي العباس بناني منظومة السلم بشرح الشيخ بناني، وعلى الفقيه المحدث محمد بن الحاج السلمي التفسير، وعلى الفقيه محمد بن حعفر الكتاني دروسا من مسند الإمام أحمد بن حنبل، وسرد الكتب الستة على أبيه وعمه القاضي عبد الله الفاسي. وعلى الشريف السلفي علي الدرقاوي زاد المعاد في هدي خير العباد، وأدب الدنيا والدين، والشمائل المحمدية، وتابع دراسته إلى أن انتهى الموسم الدراسي فظفر بالفوز مكللا بأكاليل النجاح حاصلا على الشهادة العالمية، وبعد التخرج صار يقوم بدروس تطوعية في مختلف العلوم بجامع القرويين. أجيز من قبل والده وعمه الفقيه عبد الله الفاسي وشيخيه العلامتين أبي شعيب الدكالي محمد بن جعفر الكتاني، إجازة رواية كتابية.
في عام 1380 هـ عين وزيرا للدولة مكلفا بالشؤون الإسلامية ثم انسحب من الحكومة صحبة رفاقه في حزب الاستقلال وذلك في عام 1382 هـ وعين أستاذا بكلية الشريعة التابعة لجامعة القرويين بظهر المهراز وكليتي الحقوق والآداب لجامعة محمد الخامس بالرباط، وبدار الحديث الحسنية بنفس المدينة، وكان عضوا مقررا عاما في لجنة مدونة الفقه الإسلامي التي شكلت في فجر الاستقلال.