ابن عبد البر
الإمام العلامة ، حافظ المغرب ، شيخ الإسلام أبو عمر ، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري الأندلسي ، القرطبي ، المالكي ، صاحب التصانيف الفائقة.
مولده في سنة ثمان وستين وثلاث مائة في شهر ربيع الآخر . وقيل : في جمادى الأولى . فاختلفت الروايات في الشهر عنه .
وطلب العلم بعد التسعين وثلاث مائة ، وأدرك الكبار ، وطال عمره ، وعلا سنده ، وتكاثر عليه الطلبة ، وجمع وصنف ، ووثق وضعف ، وسارت بتصانيفه الركبان ، وخضع لعلمه علماء الزمان ، وفاته السماع من أبيه الإمام أبي محمد فإنه مات قديما في سنة ثمانين وثلاث مائة فكان فقيها عابدا متهجدا ، عاش خمسين سنة ، وكان قد تفقه على التجيبي وسمع من أحمد بن مطرف ، وأبي عمر بن حزم المؤرخ .
قال الحميدي أبو عمر فقيه حافظ مكثر ، عالم بالقراءات وبالخلاف ، وبعلوم الحديث والرجال ، قديم السماع ، يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي .
وقال أبو علي الغساني : لم يكن أحد ببلدنا في الحديث مثل قاسم بن محمد ، وأحمد بن خالد الجباب . ثم قال أبو علي : ولم يكن ابن عبد البر بدونهما ، ولا متخلفا عنهما ، وكان من النمر بن قاسط ، طلب وتقدم ، ولزم أبا عمر أحمد بن عبد الملك الفقيه ، ولزم أبا الوليد بن الفرضي ، ودأب في طلب الحديث ، وافتن به ، وبرع براعة فاق بها من تقدمه من رجال الأندلس ، وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصره بالفقه والمعاني له بسطة كبيرة في علم النسب والأخبار ، جلا عن وطنه ، فكان في الغرب مدة ، ثم تحول إلى شرق الأندلس ، فسكن دانية ، وبلنسية ، وشاطبة وبها توفي .
وذكر غير واحد أن أبا عمر ولي قضاء أشبونة مدة .
قلت : كان إماما دينا ، ثقة ، متقنا ، علامة ، متبحرا ، صاحب سنة واتباع ، وكان أولا أثريا ظاهريا فيما قيل ، ثم تحول مالكيا مع ميل بين إلى فقه الشافعي في مسائل ، ولا ينكر له ذلك ، فإنه ممن بلغ رتبة الأئمة المجتهدين ، ومن نظر في مصنفاته ، بان له منزلته من سعة العلم ، وقوة الفهم ، وسيلان الذهن ، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن إذا أخطأ إمام في اجتهاده ، لا ينبغي لنا أن ننسى محاسنه ، ونغطي معارفه ، بل نستغفر له ، ونعتذر عنه .
قال أبو علي بن سكرة : سمعت أبا الوليد الباجي يقول : لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن عبد البر في الحديث ، وهو أحفظ أهل المغرب .
قال ابن حزم : لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله فكيف أحسن منه ؟ .
ثم صنع كتاب "الاستذكار لمذهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار" شرح فيه "الموطأ" على وجهه ، وجمع كتابا جليلا مفيدا وهو "الاستيعاب في أسماء الصحابة" وله كتاب "جامع بيان العلم وفضله ، وما ينبغي في روايته وحمله" وغير ذلك من تواليفه .
وكان موفقا في التأليف ، معانا عليه ، ونفع الله بتواليفه ، وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصره بالفقه ومعاني الحديث له بسطة كبيرة في علم النسب والخبر .
وذكر جماعة أن أبا عمر ولي قضاء الأشبونة وشنترين في مدة المظفر بن الأفطس .
ولأبي عمر كتاب "الكافي في مذهب مالك" . خمسة عشر مجلدا ، وكتاب "الاكتفاء في قراءة نافع وأبي عمرو" ، وكتاب "التقصي في اختصار الموطأ" ، وكتاب "الإنباه عن قبائل الرواة" ، وكتاب "الانتقاء لمذاهب الثلاثة العلماء مالك وأبي حنيفة والشافعي" ، وكتاب "البيان في تلاوة القرآن" ، وكتاب "الأجوبة الموعبة" ، وكتاب "الكنى" ، وكتاب "المغازي" ، وكتاب "القصد والأمم في نسب العرب والعجم" ، وكتاب "الشواهد في إثبات خبر الواحد" ، وكتاب "الإنصاف في أسماء الله" ، وكتاب "الفرائض" ، وكتاب "أشعار أبي العتاهية" وعاش خمسة وتسعين عاما .
قال أبو داود المقرئ : مات أبو عمر ليلة الجمعة سلخ ربيع الآخر ، سنة ثلاث وستين وأربع مائة واستكمل خمسا وتسعين سنة وخمسة أيام، رحمه الله .