المحدث العلامة عبدالله بن محمد الغماري
هو العلامة المحدث السيد عبد الله بن محمد الصِّدِّيق بن أحمد بن محمد بن قاسم ابن محمد بن عبد المؤمن أبو الفضل الحسني الإدريسي الغماري.
ولد رحمه الله تعالى بثغر طنجة بالمغرب الأقصى غرة رجب سنة 1328.
نشأ في رعاية والده فحفظ القرآن الكريم برواية ورش وأتقن رسمه، ثم شرع في حفظ بعض المتون فحفظ الأجرومية، والألفية، ومختصر خليل في الفقه والأربعين النووية، وبلوغ المرام، والجوهر المكنون وغير ذلك.
حضر على والده، وعلى ابن عمته الفقيه السيد محمد بن عبد الصمد وعلى شقيقه السيد أحمد.
ثم سافر إلى فاس لقراءة العلم بالقرويين فحضر على أكابر علماء القرويين في النحو والصرف والبلاغة والمنطق والتفسير والحديث والفقه.
وكانت قراءته عليهم قراءة بحث وتحقيق, ووممن تلقى عنهم رحمه الله، المحدِّث محمد بن جعفر الكتاني الذي كان يحضر دروسه بفاس وكان يقربه إليه، وأجازه جماعةٌ من أهل فاس.
ثم رجع إلى طنجة ودرَس بالزاوية الصِّدِّيقية الآجرومية، ورسالة ابن أبي زيد القيرواني مع بعض شروحهما وأثناء ذلك كان يسهر ليله في المطالعة والمراجعة، ويحضر دروس والده في رسالة ابن أبي زيد القيرواني، وصحيح البخاري، والأشباه والنظائر النحوية للسيوطي، ومغني اللبيب مع مراجعة شرح الدماميني وحواشي الأمير، والدسوقي، وعبد الهادي نجا الأبياري.
وأثناء ذلك كتب أول مصنفاته وهو شرح موسع على الآجرومية سماه شقيقه الحافظ أبو الفيض "تشييد المباني لتوضيح ما حوته المقدمة الأجرومية من الحقائق والمعاني" وقام باختصار إرشاد الفحول للشوكاني.
وفي سنة 1349 ذهب إلى مصر والتحق بالأزهر المعمور. فقرأ في علم الكلام والأصول، والمنطق، والبلاغة، وآداب البحث والمناظرة، وحضر الفقه المالكي على بعض علماء الأزهر، وكان والده قد أمره بالحضور في الفقه الشافعي، فحضر شرح المنهج، وشرح التحرير في الفقه الشافعي.
وحضر دروس العلامة الكبير شيخ علماء مصر الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي في التفسير والهداية في الفقه الحنفي وفي حاشيته على شرح الأسنوي على منهاج الأصول وأجازه عامة.
كما أجازه جماعة من علماء مصر ذكرهم في خاتمة كتابه "بدع التفاسير" ثم في ترجمته "سبيل التوفيق".
وفي سنة 1350 تقدَّم لامتحان العالمية (عالمية الغرباء) ويكون الامتحان في اثني عشر فناً فنجح وحصل على عالمية الغرباء ثم حصل على عالمية الأزهر.
وبعد حصوله على الشهادة العالمية بأيام التقى بالشيخ محمود شلتوت في منزله فهنأه بعض العلماء بالشهادة فقال له الشيخ شلتوت: "نحن نهنئ الأزهر والشهادة الأزهرية بحصول الشيخ عبد الله عليها، فإنه عالم من بلده".
اشتغل بالتدريس في الأزهر المعمور عقب حصوله على عالمية الغرباء
وبقي بمصر إلى سنة 1391 حيث رجع إلى المغرب فسكن الزاوية الصِّدِّيقية، وكان يدرس بها تفسير النسفي، وشرح جمع الجوامع في الأصول، ونيل الأوطار في الفقه المقارن، مع التصدي للفتوى، وكتابة بحوث علمية.
واستمر على حاله في النفع والإفادة إلى أن توفي في شعبان 1413 ودُفن بالزاوية الصِّدِّيقية، وكان له جنازة مشهودة مشهورة، ولم يعقب رحمه الله تعالى.
السيد عبد الله بن الصِّدِّيق رحمه الله تعالى كان علامةً في المعقول والمنقول فكانت له مصنفات في التفسير، والحديث، والفقه، والأصول، والتصوف، والقراءات، والنحو، والمنطق، وكان يشتغل بالحديث ليس في الصناعة الحديثية، أو الرواية فقط، ولكن في الشرح، والبيان، والاستنباط أيضاً.
وآثاره و مواقفه و مصنفاته :
تقدَّم أن السيد عبد الله رحمه الله تعالى دَرَسَ العلوم الشرعية وآلاتها بالقرويين ثم بالأزهر، بالإضافة إلى ما كان درسه بالزاوية الصِّدِّيقية بطنجة, وقد فتح الله عليه فقال عن نفسه: "وقد رزقني الله والمنة له التحقيق في علوم النحو والأصول والمنطق والحديث بفنونه الثلاثة مع المشاركة التامة في علوم الفقه والبلاغة وغيرها".
ودَرَّس للطلبة بالأزهر في الأصول والمنطق والنحو والصرف والبلاغـة، وكـان رحمه الله مالكياً ثم صار شافعياً ثم ترك التقليد وعمل بالسنة وما صح لديه من الدليل وفي هذا قال: "كنت مالكياً ثم صرت شافعياً، ثم تركت التقليد، لا إزراء على الأئمة رضي الله عنهم، ولكن لأن التقليد إنما هو للعوام الذين لا يعرفون قواعد الاستنباط والاستدلال، ومن عرفها وتمكن من معرفتها، لا حاجة به إلى التقليد على أني لا أفتي إلا على مذهب مالك، أو الشافعي، لأني لا أحب أن أحمل أحداً على اجتهادي ورأيي، إلا في مسألة وضح دليلها، وعرف طريقها".
وكان يدعو إلى ترك كل ما خالف السنة المطهرة فقال عند تفسير قوله تعالى: ﴿يَاأَيهَا الذِينَ آمنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ قال: "نهى عن التقدم بين يدي النبي صلـى الله عليه وسلم بقول أو فعل, واعتبار التقدم بين يديه تقدماً بين يدي الله سبحانه وتعالى. وعلى هذا لا يجوز لشخص أن يقدم رأياً من الآراء على حديث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد وقع كثير من المقلدين في هذا المحظور، حيث قدموا آراء أئمتهم على ما صح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مخالفة صريحة لكلام الله سبحانه وتعالى".
وبسبب هذه المعارف والاتجاهات العلمية المتنوعة كانت له اهتمامات متعددة للعناية بالحديث دراية ورواية تدل عليها مصنفاته المتعددة في العلوم الشرعية وآلاتها.
وهو ليس في تصانيفه ملخصا لأقوال السابقين. كلا إنه يحسن النظر استقلالا ويمشي مع القواعد ويحرر ويضبط, ويناقش فيأخذ ويدع, ويوافق ويخالف, ولا يقتصر على فن دون آخر, فهو البارع في التفسير والفقه والحديث, وهذه طريقة المتقدمين من الأئمة المجتهدين, ولذلك كان من تصانيفه الحديثية ما يعتبر انفرادا تاما لم يسبق إليه أو سبق إليه واندثر, من ذلك:
- الفوائد المقصودة ببيان الأحاديث الشاذة المردودة
- حسن التفهم والدرك لمسألة الترك
ومن أعماله الحديثية التي لم يسبق إليها "أحاديث التفسير" أراد أن يذكر فيه الأحاديث التي تصلح للتفسير, وصل فيه – رحمه الله تعالى – إلى سورة الحج, وهو لا يورد الحاديث ويسكت, بل يتكلم عليها صحة وضعفا, ويذكر تعلق الحديث بالتفسير.