http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQMjV5tgIN5KkCfBTllGsik44A8mimB1f_RHnFv6t قبل أن نخوض في مفهوم الحداثة الاصطلاحي ، نرى من المفيد أن نعرج على
مضمونها اللغوي ، فهي مصدر من الفعل " حَدَثَ " ، وتعني نقيض القديم ، والحداثة أول الأمر
وابتداؤه ، وهي الشباب وأول العمر .
وبهذا المفهوم اللغوي سطعت شمس الحداثة في عالمنا العربي المعاصر ، وتوافقت مع ما يحمل
عصرنا من عقد نفسية ، وقلق ذاتي من القديم الموروث ، ومحاولة الثورة عليه ، والتخلص منه ،
والبحث عن كل ما هو جديد يتوافق وروح عصر التطور العلمي والمادي ، ويواكب الايدولوجيات الوافد
على عالمنا العربي .
أما ما تعنيه الحداثة اصطلاحا فهي : " اتجاه فكري أشد خطورة من اللبرالية
والعلمانية والماركسية ، وكل ما عرفته البشرية من مذاهب واتجاهات هدامة ، ذلك أنها تضمن كل
هذه المذاهب الفكرية ، وهي لا تخص مجالات الإبداع الفني ، والنقد الأدبي ، ولكنها تخص الحياة
الإنسانية في كل مجالاتها المادية والفكرية على حد سواء " ، وهي بهذا المفهوم الاصطلاحي
" اتجاه جديد يشكل ثورة كاملة على كل ما كان وما هو كائن في المجتمع " . الحداثة في الأدب
المعاصر ـ هل انفض سامرها ، د . محمد مصطفى هدارة ، مجلة الحرس الوطني ربيع الآخر 1410
هـ .
ويقول أحد الباحثين في معرض حديثه عن الحداثة كمنهج فكري يسعى لتغيير
الحياة " إن من دعاوى أهل الحداثة أن الأدب يجب أن ينظر إليه من الناحية الشكلية والفنية فقط
بغض النظر عما يدعوا إليه ذلك الأدب من أفكار ، وينادي به من مبادئ وعقائد وأخلاق ، فما دام
النص الأدبي عندهم جميلا من الناحية الفنية ، فلا يضير أن يدعو للإلحاد أو الزنا أو اللواط أو
الخمريات أو غير ذلك " عوض القرني ، الحداثة في ميزان الإسلام ص 47 .
ويقول د . عدنان النحوي في كتابه الحداثة من منظور إسلامي ص 13 : " لم تعد لفظة الحداثة
في واقعنا اليوم تدل على المعنى اللغوي لها ن ولم تعد تحمل في حقيقتها طلاوة التجديد ، ولا
سلامة الرغبة ، إنها أصبحت رمزا لفكر جديد ، نجد تعريفة في كتابات دعاتها وكتبهم ن فالحداثة تدل
اليوم على مذهب فكري جديد يحمل جذوره وأصوله من الغرب ، بعيدا عن حياة المسلمين ن بعيدا
عن حقيقة دينهم ، ونهج حياتهم ، وظلال الإيمان والخشوع للخالق الرحمن " .
فالحداثة إذن من منظور إسلامي عند كثير من الدعاة تتنافى مع ديننا وأخلاقنا
الإسلامية ، وهي معول هدم جاءت لتقضي على كل ما هو إسلامي دينا ولغة وأدبا وتراثا ، وتروج
لأفكار ومذاهب هدامة ، بل هي أخطر تلك المذاهب الفكرية ، وأشدها فتكا بقيم المجتمع العربي
الإسلامية ومحاولة القضاء عليه والتخلص منه ، وإحلال مجتمع فكري عربي محله يعكس ما في
هذه المجتمعات الغربية من حقد وحنق على العالم الإسلامي ، ويروجون بكل اهتمام وجديه من
خلال دعاتها ممن يدعون العروبة لهذه المعتقدات والقيم الخبيثة بغرض قتل روح الإسلام ولغته
وتراثه .
وتقول الكاتبة سهيلة زين العابدين في مقالة نشرت لها في جريدة الندوة السعودية الغدد 8424
في 14 / 3 / 1407 هـ ص 7 : " الحداثة من أخطر قضايا الشعر العربي المعاصر لأنها أعلنت الثورة
والتمرد على كل ما هو ديني وإسلامي وأخلاقي ، فهي ثورة على الدين على التاريخ على
الماضي على التراث على اللغة على الأخلاق ، واتخذت من الثورة على الشكل التقليدي للقصيدة
الشعرية العربية بروازا تبروز به هذه الصورة الثورية الملحدة " .
ويذكر د . محمد خضر عريف في معرض حديثه عن الحداثة وتعليقه على بعض الدراسات التي
صدرت حولها من غير مفكريها وروادها في الوطن العربي في كتابه الحداثة مناقشة هادئة لقضية
ساخنة ص 11 و 12 قائلا : " إننا بصدد فكر هدام يتهدد أمتنا وتراثنا وعقيدتنا وعلمنا وعلومنا وقيمنا
، وكل شيء في حاضرنا وماضينا ومستقبلنا " ، ويفرق الدكتور / خضر عريف في كتابة الحداثة
مناقشة هادئة لقضية ساخنة بين مصطلح الحداثة والتجديد والمعاصر فيقول : " والذي يدفع إلى
ذلك الظن الخاطئ هو الخلط بين مصطلح الحداثة ( modernism ) ، والمعاصرة ( modernity ) ،
والتحديث ( modernization ) وجميع تلك المصطلحات كثيرا ما تترجم إلى " الحداثة " على ارعم
من اختلافها شكلا ومضمونا وفلسفة وممارسة . والواقع أن الاتجاه الفكري السليم يتفق مع
التحديث ، ولكنه لا يتفق مع الحداثة . وإن يكن مصطلحا modernity و modernization يمكن الجمع
بينهما ليعنيا المعاصرة أو التجديد ، فإن مصطلح modernism يختلف عنهما تماما . إذ ينبغي أن
نفرق بين مصطلحين أجنبيين ، من المؤسف أن كليهما يترجم ترجمة واحدة وهي ( الحداثة ) أما
المصطلح الأول فهو : modernity الذي يعني إحداث تجديد وتغيير في المفاهيم السائدة المتراكمة
عبر الأجيال نتيجة وجود تغيير اجتماعي أو فكري أحدثه اختلاف الزمن .
أما الاصطلاح الثاني فهو modernism ويعني مذهبا أدبيا ، بل نظريه فكرية لا تستهدف الحركة
الإبداعية وحدها ، بل تدعو إلى التمرد على الواقع بكل جوانبه السياسية والاجتماعية
والاقتصادية . . . وهو المصطلح الذي انتقل إلى أدبنا العربي الحديث ، وليس مصطلح modernity
الذي يحسن أن نسميه المعاصرة ، لأنه يعني التجديد بوجه عام دون الارتباط بنظرية ترتبط
بمفاهيم وفلسفات متداخلة متشابكة .
ونحن في تعريفنا لمفهوم الحداثة لا نريد أن نتوقف عند ما قال به خصومها ،
ولكن لا بد أن نتعرف عليه مما قال به أصحابها ومفكروها وسدنتها أيضا . يقول على أحمد سعيد
الملقب بأودنيس وهو من رواد الحداثة العربية ومفكريها رابطا بينها وبين الحرية الماسونية : " إن
الإنسان حين يحرق المحرم يتساوى بالله " . ثم يتنامى المفهوم الماسوني لكلمة الحرية إلى
صيغته التطبيقية الكاملة في قوله " : إن التساوي بالله يقود إلى نفيه وقتله ، فهذا التساوي
يتضمن رفض العالم كما هو ، أو كما نظمه الله ن والرفض هنا يقف عند حدود هدمه ، ولا يتجاوزها
إلى إعادة بنائه ، ومن هنا كان بناء عالم جديد يقتضي قتل الله نفسه مبدأ العالم القديم ، وبتعبير
آخر لا يمكن الارتفاع إلى مستوى الله إلا بأن يهدم صورة العالم الراهن وقتل الله نفسه " محاضرة
الحداثة والتراث د . محمد هدارة .
وقد عرف رولان بارت الحداثة بأنها انفجار معرفي لم يتوصل الإنسان المعاصر
إلى السيطرة عليه فيقول : " في الحداثة تنفجر الطاقات الكامنة ، وتتحرر شهوات الإبداع في الثورة
المعرفية مولدة في سرعة مذهلة ، وكثافة مدهشة أفكارا جديدة ، وأشكالا غير مألوفة ، وتكوينات
غريبة ، وأقنعة عجيبة ، فيق بعض الناس منبهرا بها ، ويقف بعضهم الآخر خائفا منها ، هذا الطوفان
المعرفي يولد خصوبة لا مثيل لها ، ولكنه يغرق أيضا " محاضرة الحداثة والتراث د . محمد هدارة .
ويتابع الدكتور هدارة قائلا : كما يصفها بعض الباحثين الغربيين " بأنها زلزلة حضارية عنيفة ،
وانقلاب ثقافي شامل ، وأنها جعلت الإنسان الغربي يشك في حضارته بأكملها ، ويرفض حتى
أرسخ معتقداته الموروثة " .
RI158hKLIeTfj8sigF