تزخر الذاكرة الشعبية بأشكال متنوعة من الثقافات التي ورثها المغاربة أبا عن جد، منها تقاليد وحكايات وأساطير، ومنها أزجال وأشعار ومنظومات تحمل نوعا من الحكم والأمثال والوعظ والإرشاد.
ومن بين الشخصيات التي تركت أثرها في الثقافة الشعبية المغربية الشيخ عبد الرحمان (الرحمن) المجذوب، تلك الشخصية التي أثرت الأدب العامي بألوان جميلة من الزجل الذي سمي بالرباعيات، تنقله المغاربة عبر الأجيال وحفظه الكثيرون، حتى صاروا يستعملونه في كلامهم حين يضربون الأمثلة.
سأحاول هنا أن أضع بعضا من رباعيات عبد الرحمان المجذوب مع شرحها بالفصحى، وقبل ذلك أود أن أعرف بالمجذوب حتى لا تبقى هذه الشخصية غامضة في ذهن الكثيرين وخاصة وأن من الناس من يعرفه بالاسم فقط ولا يدري عنه الكثير.
أبو محمد عبد الرحمان بن عياد بن يعقوب بن سلامة بن خشان عرف بالمجذوب أو سيدي عبد الرحمان المجذوب، وهو شاعر وصوفي مغربي.
ساح في البلاد للوعظ والإرشاد وأصله من "تيط" معناها بالأمازيغية العين وهي قرية قرب ازمور التي توجد في شمال مرسى الجديدة. ثم انتقل مع والده إلى مكناس في عهد السلطان العلوي مولاي إسماعيل المعاصر للملك الفرنسي لويس الرابع عشر في القرن السابع الميلادي. ثم بعد ذلك هاجر إلى مدينة فاس وفيها حضر الدروس على يد علمائها وبعدها تغيرت أحواله وترك الاعتناء بشؤون الدنيا وساح في الأرض متجولا،عاش المجذوب مدة في غرب المغرب، ولما أحس بقرب الأجل طلب أن يُذهب به إلى مكناس، فتوفي في الطريق بجبل عوف، أو بين ورغة و واد سبو، ودفنوه بخارج مدينة مكناس بجوار باب عيسى وضريح مولاي إسماعيل، وذلك سنة 976 هـ، وما زال قبره موجودا إلى الآن. وبقيت أقواله سائرة على ألسن الناس في جميع أقطار أفريقيا الشمالية، ويبدأ القصاصون عند سردها بقولهم: "قال سيدي عبد الرحمن المجدوب.".
كان دور المجذوب في عصره كدور المثقف أو القوال الذي ينطق بالحكمة ولا يجامل أحدا ويحاول أن يوقظ النائمين من غفلتهم ويصلح أحوال الناس التي فسدت...فهو يقول:
عَيّطْتْ عِيْطَة حْنينــة فيّقتْ من كان نايـم
ناضُوا قلوبْ المحَنّــة ورقْدو قلوبْ البهايم
عيطت تعني: ناديت وصِحت ودعوت، فأجابني الغافلون عن مصالحهم الدينية والدنيوية الذين فيهم ميل إلى الخير والرجوع إلى الصواب، وأما المفلسون أرباب الشهوات الذين غاصوا فيها كالحيوان فلم يستمعوا لي.
طَاقُوا عْلَى الدّين تَرْكُــــوه وَتْعاوْنُوا على شْريبْ القْهَاوي
الثّوبْ مَنْ فُوق نَقُّــــــــوهْ والجْبَحْ مَنْ تَحْتْ خَــــــــاوِي
الجبح هو: ما يسمى في اللغة العربية الفصحى خلية النحل، والمعنى ظاهر يعني أنهم اعتنوا بالظاهر فتزينوا باللباس الفاخر وتركوا الباطن لا نية صالحة فيه، ولهذا لم يهتموا بتهذيب نفوسهم وتربيتها.
لاًتْسَرَّجْ حَتّى تُلَجَّــمْ وَآعْقُدْ عُقْدَة صْحِيحَة
لاَ تَتْكلّم حتى تْخَمّـَم لاَ تْعُود لَكْ فْضيحَـة
لا تسرج تعني: لا تجعل السرج على الفرس قبل أن تجعل له اللجام، واعقد الحزام عليه بعقدة متينة قوية لا تنحل. لا تتكلم في مسألة قبل أن تتأمل فيها جيدا وإلا رجع عليك قولك بالفضيحة والعار.
من كتاب القول المأثور من كلام سيدي عبد الرحمان المجذوب
مكتبة الوحدة العربية - الدار البيضاء.
بتصرف أبو حسام الدين