الداء القلبي الإكليلي (التاجي)، ويشار له أيضا بداء الشريان التاجي, أو الداء القلبي الإقفاري، أو الداء القلبي التصلّبي اللويحي. وهو النتيجة النهائية لتراكم اللويحات العصيدية على الجدران الداخلية للشرايين التي تغذّي عضل القلب. ويعتبر السبب الرئيسي للموت في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الصناعي. وفي حين يمكن ملاحظة علامات وأعراض المرض في المراحل المتقدّمة منه، فإنّ معظم المرضى لا تظهر عليهم أي دلائل للمرض لعدّة عقود، حيث يتطوّر المرض خلالها قبل أن تظهرالأعراض للمرّة الأولى، وغالبا على شكل نوبة قلبية فجائيّة.
بمرور الزمن وبعد عقود من بداية تراكم اللويحات، قد يتمزق بعضها ويبدأ بتضييق المجرى المتاح للدم داخل الشريان المغذّي لعضلات القلب.يعدّ هذا المرض السبب الأكثر شيوعا للموت الفجائي، كما يعتبر مسؤولا عن أكبر نسبة من الوفيّات في الرجال والنساء الذين تتجاوز أعمارهم العشرين عاما. ومع تقدم درجة المرض يمكن أن يحصل أحيانا إغلاق شبه تام لتجويف الشريان التاجي (الإكليلي)، مما قد يحدّ وبشدة من تدفّق الدم المؤكسج ووصوله لعضل القلب. وعند وصول الانسداد لهذه الدرجة عادة ما يعاني المرضى من احتشاء عضل القلب، الأمر الذي قد يتكرر أكثر من مرة. كما تبدأ أعراض وعلامات إقفار (نقص التروية) الشرايين التاجية المزمن بالظهور، ومن ضمنها أعراض الذبحة الصدرية بوضع الراحة والوذمة الرئويّة الومضيّة (اللحظيّة).
من المهم أن يتمّ التمييز بين إقفار (نقص تروية) عضل القلب واحتشاء عضل القلب. الإقفار أو نقص التروية يعني أن كميّة الأوكسجين الواصل عبر الشرايين لتغذية النسيج غير كاف لتلبية احتياجات ذلك النسيج، لذا عندما يتأثر النسيج العضلي القلبي بالإقفار فإنّه يعجز عن أداء وظيفته بالطريقة الأمثل. وحين تصبح الأجزاء المتأثّرة بهذا الإقفار كبيرة, يظهر ضعف في قدرة عضل القلب على الانقباض والانبساط. وإذا ما تحسّن تدفّق الدم للنسيج، فإنّه يمكن أن يعكس إقفار العضل القلبي ويتمّ إزالة تأثيره السلبي، إي أن الإقفار هو عملية عكوسية (قابلة للعكس). أما الاحتشاء فيعني حدوث عملية نخر متعذّرة العكس في النسيج نتيجة نقص في كمية الدم المؤكسج الواصل لذلك النسيج. يمكن للشخص المريض أن يتعرّض لتمزّق في اللويحات العصيدية خلال أيّ مرحلة من مراحل المرض، والتمزّق الحاد في اللويحة ممكن أن يؤدّي لحدوث احتشاء عضل القلب الحادّ.
يعتبر المرض المسبب الأول للوفيات في الولايات المتحدة الأمريكية. يتم التنبه لأعراض وعلامات المرض في المراحل المتأخرة منه ومعظم الأفراد المصابين بمرض القلب التاجي لا تظهر لديهم أي أعراض لعقود بينما يستمر المرض في التطور خلال هذه المدة قبل ظهور أولى علاماته، غالبا في صورة ذبحة صدرية مفاجِئة.
بعد مضي عقود والمرض في تطور مستمر، قد تتمزق إحدى الصفائح الدهنية (بالإضافة إلى تنَشّط عناصر تخثر الدم) معيقة بذلك مرور الدم خلال الشريان التاجي وبالتالي إلى عضلة القلب. يعتبر المرض أكثر الأسباب شيوعا للموت المفاجئ.، بالإضافة إلى وفاة الأفراد من الجنسين فوق سن العشرين. تبعاً للاعتقاد السائد حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن نصف الذكور الأصحاء فوق سن الأربعين سيصابون بمرض القلب التاجي، وواحدة من ثلاثة نساء فوق سن الأربعين ستصاب به مستقبلا. طبقاً لما ورد في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، فإن شمال ايرلندا لديه أعلى معدل بالإصابة بمرض تصلب الشرايين التاجية، ومدينة مساري بأفريقيا لديها اقل معدل على مستوى العالم.
فسيولوجية المرض
إعاقة وصول الدم إلى القلب يسبب نقصا في تروية (موت الخلايا نتيجة نقص الأكسجين) الخلايا القلبية. عندما تموت الخلايا القلبية من نقص الأكسجين، تسمى هذه الحالة بالجلطة القلبية (تُعرف بالذبحة الصدرية). تؤدي الجلطة القلبية إلى تضرر عضلة القلب، موتها ولاحقا تكون ندبة في مكان الجلطة لا تستطيع الخلايا النمو فيها مجدداً. تحدث الجلطة القلبية غالباً نتيجة انسداد مفاجئ لشريان تاجي عند تمزق صفيحة عصيدية، والتي تسبب تنشيط جهاز التجلط الدموي، فينسد تجويف الشريان بالصفيحة الدهنية التي تفاعلت مع عناصر التجلط النشطة ليصل إلى مرحلة الانسداد الكامل المفاجئ. تمثل نسبة تضيق تجويف شريان القلب قبل الانسداد المفاجئ حوالي 20% من قطر التجويف، وذلك طبقا لدراسة إكلينيكية انتهت في أواخر التسعينات من القرن الماضي باستخدام جهاز الموجات فوق الصوتية لأوعية الدم Intravascular ultrasound خلال 6 أشهر قبل حدوث النوبة القلبية. وُجد أن انسداد تجويف الشريان بنسبة تزيد عن 75%، والتي تم رصدها باستخدام جهاز فحص الجهد القلبي Cardiac stress test، مسئول عن حالات النوبات القلبية بنسبة 14% فقط، بقية النسبة نتيجة تمزق الصفيحة الدهنية أو حدوث تقلص في الشريان في منطقة التصاق الصفيحة. الأسباب التي تؤدي إلى تمزق الصفيحة الدهنية تبقى غير مفهومة تماماً. أيضا يتسبب في حدوث الجلطة القلبية، ولكن بنسبة اقل، تقلص جدار الشريان، وهي حالة تصاحب الصفيحات الدهنية وأمراض الشرايين التاجية. يرتبط حدوث أمراض الشرايين التاجية مع التدخين، السمنة، ارتفاع ضغط الدم، والنقص المزمن في فيتامين سي. يعتبر وجود تاريخ عائلي بالإصابة بأمراض الشرايين التاجية مؤشر قوي لاحتمال الإصابة بالمرض. يتضمن المسح عن أمراض الشرايين التاجية معرفة مستوى الهيموسِستين homocysteine، مستوى البروتينات الدهنية عالية الكثافة HDL، مستوى البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة LDL ومستوى الدهون الثلاثية Triglyceride.