السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله الطيبين الطاهرين وبعد.
لماذا نصوم؟
ف لله في شرعه أسرار، وله في أحكامه حكم، وله في خلقه مقاصد، فمن هذه الأسرار
والحكم والمقاصد ما تدركها العقول، ومنها ما تقف عندها كالة، وقد أخبر سبحانه
عن بعض حكم الصيام فقال تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))
(البقرة: 183)
إذن فالصوم طريق لتقوى الله عز وجل، والصائم من أقرب الناس إلى مولاه جلت قدرته،
جاع بطن الصائم فصفا قلبه، وظمأت كبد الصائم فدمعت عيناه،
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج،
ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه لو وجاء))
· الصوم يضيق مجاري الطعام والدم، وهي مجاري الشيطان، فتقل وسوسته.
· الصوم يضعف الشهوة وخطرات السوء وواردات المعصية فتشرق الروح.
· الصوم يذكر الصائم بإخوانه الصائمين من الجائعين المحتاجين والفقراء والمساكين،
فيرحمهم ويعطف عليهم ويمد يده بالعون إليهم.
يا صائماً ترك الطعام تعففا أضحى رفيق الجوع واللواء
أبشر بعيدك في القيامة رحمة محفوفة بالبر والأنداء
· الصوم مدرسة لتربية النفس، وتزكية القلب، وغض البصر، وحفظ الجوارح.
· الصوم سر بين العبد وبين المعبود سبحانه، ففي الصحيح أن الله عز وجل يقول
" كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به".
لأن الصوم لا يطلع عليه إلا الله تعالى بخلاف الصلاة والزكاة والحج.
عرف السلف الصالح الصيام قربة لله عز وجل، ومضماراً للسباق وموسماً للخيرات،
فبكوا فرحاً لإستقباله، وبكوا حزناً عند فراقه.
عرف السلف الصيام فأحبوا رمضان واجتهدوا في رمضان، وبذلوا نفوسهم في رمضان،
فجعلوا من لياليه قياماً وركوعاً وسجوداً ودموعاً وخشوعاً، وجعلوا من نهاره ذكراً
وتلاوةً وتعليماً ودعوةً ونصحاً.
عرف السلف الصيام قرة عين وراحة نفس، وانشراح صدر، فربوا أرواحهم بمقاصده،
وزكوا قلوبهم بتعاليمه، وهذبوا نفوسهم بحكمه.
· كان السلف كما صح عنهم يجلسون بمصاحفهم في المساجد، يتلون ويبكون،
ويحفظون ألسنتهم وأعينهم عن الحرام.
· الصيام يا صائمون وحدة للمسلمين، يصومون في زمن ويفطرون في زمن،
جاعوا معاً، وأكلوا معاً، ألفةٌ وإخاء، وحبٌ ووفاء.
· الصيام يا صائمون كفارة للخطايا ومذهب للسيئات،
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
((الجمعة إلى الجمعة، والعمرة إلى العمرة، ورمضان إلى رمضان،
كفارات لما بينهما ما لم تؤت كبيرة)) .
· والصيام يا صائمون صحة للجسم، لأنه يستفرغ المواد الفاسدة،
ويريح المعدة ويصفي الدم ويطلق عمل القلب، فتشرق به الروح،
وتصفو به النفس، وتهذب به الأخلاق.
· إذا صام الصائم ذلت نفسه، وانكسر قلبه وخفت مطامعه، وذهبت شهواته،
لذلك تكون دعوته مستجابة لقربه من الله عز وجل.
· في الصيام سر عظيم، وهو امتثال عبودية الله عز وجل، والإذعان لأمره والتسليم
لشرعه، وترك شهوة الطعام والشراب والجماع لمرضاته.
· والصيام انتصار للمسلم على هواه، وتفوق للمؤمن على نفسه، فهو نصف الصبر،
ومن لم يستطع الصيام بلا عذر فلن يقهر نفسه ولن يغلب هواه.
· والصيام تجربة هائلة للنفس، لتكون على استعداد تام لتحمل المشاق والقيام
بالمهام الجسام من جهاد وبذل وتضحية وإقدام. ولذلك لما أراد طالوت أن يقاتل
أعداءه ابتلى الله قوم طالوت بنهر. وقال لهم طالوت:
((فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ))
(البقرة: من الآية249).
فنجح أهل الصبر وفاز منهم من غلب هواه، وتخلف عن الجهاد عبدة الشهوات
المقهورون تحت سلطان طبائعهم.
ولعل بعض حكم الصوم تتلخص في أنه تقوى لله عز وجل، وامتثال لأمره وقهر للهوى،
انتصار على النفس، وتهيئة للمسلم في مواقف التضحية وضبط للجوارح،
وكبح للشهوات، وصحة للجسم، ومكفر للسيئات، وألفة وإخاء،
وشعور بجوع الجائعين، وحاجة المحتاجين، والله أعلم
منقول للامانه