وجه الفنان حسن مضياف، الذي يوجد حاليا في إحدى
مصحات الدار البيضاء يتلقى العلاج من مرض كاد يفتك بجسده المنهك بعد أن
تكفل الملك محمد السادس بنفقات علاجه، رسالة أثنى فيها على من سماهم
"الفنانين النبلاء وأصحاب الضمائر الحية"، لكنه أبدى تبرمه من عدد من
الممثلين وصفهم بالنفاق والتملق.
ويشرح
مضياف، التي كانت هسبريس سباقة إلى نشر خبر عن حالته الصحية المتدهورة قبل
أن تبادر القناة التلفزية الأولى إلى بث "ريبورتاج" عن هذا الفنان الذي
أصيب بمرض حاد في قصبته الهوائية، بأن غرفته تحولت إلى مكان لتلقي
الشكايات، متسائلا ما الذي يمنع هؤلاء "الفنانين" من الجهر بالحق، قائلا
لهم: "الله يخليكم، خليوني نتصنت لعظامي، راني مريض".
وفي ما يلي رسالة الفنان حسن مضياف كما توصلت بها هسبريس:
إلى
كل الفنانين النبلاء، أصحاب الضمائر الحية، المحبين والمخلصين للقيم
الجمالية، مؤيدي الحق والحقيقة، المناضلين من أجل الحرية والكرامة والحب
والسلام. لكم مني أصدق التحيات وأجمل المتمنيات وبعد،
رفعت قلمي،
وبين يدي هذه الورقة البيضاء، لكي أعبر عن خالص محبتي لكم وللفن النبيل،
وعن الغيرة الساكنة داخل كياني تجاه الفن والفنانين وأصحاب الذوق الرفيع
داخل وخارج وطننا العزيز، الكريم والمضياف .
شاءت الأقدار
الإلهية أن أبتلى بمرض غير معروف عند الكل، وأن أكون الآن طريح الفراش
بإحدى مصحات الدار البيضاء بعدما تكفل بنفقات علاجي الملك محمد السادس
نصره الله وأيده، راعي الفن والفنانين وجميع المغاربة. أشكر الله على هذا
العطاء الميمون وأشكر صاحب الجلالة على عنايته الفائقة بي، وأشكر الشعب
المغربي قاطبة، أفرادا ومؤسسات من الداخل والخارج، على دعمه المادي
والمعنوي وتضامنه معي في محنتي الصحية والاجتماعية. للجميع شكري الجزيل
وحبي الكبير واحترامي الدائم.
في كـل ابتلاء يعرف الإنسان
المبتلى من هو الصديق ومن هو العدو، من معك ومن ضدك، ويدرك بأن الصديق
الحقيقي هو الذي يضر نفسه لينفعك. وباختصار شديد فالمقصود من هذه الرسالة
الموجهة أساسا للأصدقاء والزملاء والفنانين النبلاء، مناصري الحق
والحقيقة، هو توضيح ما يلي :
زارني ويزورني يوميا أناس كثيرون من
المحبين، وأحيانا بعض الفنانين، منهم النبلاء ومنهم الضعفاء "أصحاب
الكاشي" والمصلحة الخاصة وحب الظهور. أثناء زيارتهم لي، في المستشفى
العسكري بالرباط أو بمصحة الدار البيضاء، عبر لي هؤلاء الفنانون عن
تضامنهم معي في أقوالي وأفعالي تجاه الأوصياء، نقابيا وتعاضديا، على الفن
والفنانين ببلادنا وفتحوا أفواههم بالشكوى تعبيرا عن معاناتهم مع رئيس فرع
نقابة أو مع عضو في مكتب تنفيذي أو مع موظف من موظفي التعاضدية الوطنية
للفنانين، وتحدثوا طويلا عن الطريقة المذلة والحاطة بالكرامة التي يتعامل
بها موظفو التعاضدية معهم ومع ملفاتهم المرضية.
بعض هؤلاء
الفنانين أقروا بوجود تمييز بين الفنانين من طرف المسؤولين والمسيرين
للتعاضدية الوطنية والنقابة المغربية لمحترفي المسرح، والبعض الآخر قال
بأن النقابة المذكورة يسيرها رئيس سابق، هو الآن مستشار بوزارة الثقافة،
ويقوم بمهمة " طريطور " لفائدتها، وأن الرئيس الحالي مجرد دمية في يده، في
حين يقول آخرون أن "كعكة الفن" حاليا تتقاسمها النقابة والتعاضدية
والائتلاف، الشيء الذي جعل النقابة لا تطالب ولا تقترح ولا تحتج وتحولت
إلى مجرد جمعية خيرية، ومما زاد الطين بلة اهتمامها بالكم من خلال فتحها
للأبواب على مصراعيها أمام كل من هب ودب، متناسية دورها الأساسي المتمثل
في ترصيص صفوف الفنانين الحقيقيين النبلاء والمطالبة بحقوقهم المشروعة
انطلاقا من رسالة الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، وإيجاد صيغ
قانونية لضمان حقوق حامل بطاقة الفنان...
وهكذا أصبحت غرفتي
بالمستشفى أو بالمصحة بمثابة مكتب شكايات، فعوض أن يواسونني في مرضي
ويخففوا عني آلامي أصبحوا يزيدونني مرضا على مرض، ويؤثرون على نفسيتي بشكل
سلبي من خلال أقوالهم وشكاويهم المختلفة. وكان جوابي لهم كالتالي: لماذا
لا تجهرون بأقوالكم وشكاويكم؟ ممن تخافون؟ لماذا لا تعملون على تغيير
المنكر؟ وكان ردهم التالي كارثيا بكل المقاييس: إننا نخاف على مستقبلنا
الفني ومصير أبنائنا، وذلك لأنه إذا تكلمنا جهارا وواجهناهم سيكون رد
فعلهم حرماننا من الشغل وتعريض أسرنا للجوع.
انتفضت في وجوههم بدون
شعور وطالبتهم بعدم زيارتي مرة أخرى لأنني لست منهم وليسوا مني، وقلت لهم:
هذا هو عين النفاق والتملق، مسميا إياهم بممثلي " الكاشي" و"الحريرة "،
وسيبقون ممثلين ولن يصبحوا أبدا فنانين إذا لم يغيروا ما بأنفسهم. ذلك أن
الفنانين النبلاء لا يخافون الظلام والظلاميين، ولا يمارسون التملق
والنفاق، ولا يخافون الجوع، ولا يهمهم الإشهار وحب الظهور، لأنهم خلقوا
لتأدية رسالة سامية، رسالة الفن والجمال والحرية والكرامة والسلام؛ فالفن
ليس مهنة بل هو رسالة نبيلة وكريمة.
إن الله سبحانه وتعالى خلق
الفنان لتأدية هذه المهمة بصدق وأمانة، أما الرزق فهو بيد الله وليس بيد
رئيس نقابة أو تعاضدية. على الفنان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أما
إذا ظل همه الأساسي هو التفكير في الخبز و "الكاشي" فقط فالبقرة أحسن منه
لأنها تنتج لنا لبنا ولحما وصوفا وجلدا، وإذا كان همه هو الظهور على
الشاشة فليعلم أن الصراصير هي الأخرى تظهر في التلفاز.
أنا لست
منخرطا في تعاضدية الفنانين ولم أعد منخرطا في نقابة محترفي المسرح،
والسبب هو أن التعاضدية على رأسها شخص يهين الفنانين، وهذا كلام صرحت به
لأسبوعية "المشعل" عندما كنت في المستشفى العسكري بالرباط، فالعيب ليس في
التعاضدية أو النقابة لأنهما مكسب ينبغي تطويره، وإنما العيب في الأشخاص
المسيرين، لأنهم لا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية.
لم يزرني حسن
النفالي قط، وعندما كنت أتصل به هاتفيا كان يقفل أو يطفئ الهاتف في وجهي،
أما مسعود بوحسين فقد زارني مرتين في المستشفى، وأقيم حفل ملغوم بمنزل أحد
الفنانين وأخدت صور من أجل الظهور، عممت بغاية أن حسن مضياف قد تعافى من
مرضه بفضل تدخل النقابة والتعاضدية، هذا مع العلم أنني طلبت منهم أن
يحتفلوا معي، بعد خروجي من المستشفى، في سكني/كوخي ليستنشقوا دخان الفران
ويحسوا ولو مرة واحدة بمعاناتي رفقة أسرتي في هذا السكن غير اللائق، الذي
يعتبر من بين العوامل الرئيسية لاستمرارية مرضي الرئوي وضيق تنفسي.
أما
عما جاء في بيان النقابة من كون بعض الجهات تستغل ضعف الفنانين وهشاشة
وضعهم الاجتماعي لأغراض خاصة، فهو كلام مغلوط وذلك لأن القناة الأولى
للتلفزة المغربية هي التي كانت سباقة إلى إنجاز ريبورتاج عن سكني غير
اللائق وحاورتني عن حالتي الصحية والاجتماعية، ولولا بثها لهذا الريبورتاج
في نفس اليوم الذي صور فيه لما تعاطفت معي جل شرائح الشعب المغربي في
الداخل ومن الخارج. فالمسؤولون عن قطاعات الفن لم يحسوا بمعاناتي كما أحس
بها الصحافيون والشعب المغربي قاطبة وذلك لأن بعض هؤلاء المسؤولين أجسام
بدون روح. صحيح أننا فنانون ضعفاء ماديا لكننا أقوياء بكرامتنا ونبلنا،
أما عيب مسؤولينا النقابيين فهو المن وكأنهم يتصدقون علينا من مالهم الخاص.
والحمد
لله أن هؤلاء المسؤولين اعترفوا مؤخرا، من خلال ملفهم المطلبي ولقائهم مع
السيد وزير الاتصال الحالي، بأنه أصبح من الضروري تأسيس هيأة تتكفل
بالجانب الاجتماعي للفنانين الضعفاء أمثالي. مرة أخرى أقول أن العيب ليس
في الهيآت والمؤسسات النقابية والتعاضدية والاجتماعية وغيرها وإنما في
مسيريها، فلابد من البحث عن أشخاص نبلاء لتسييرها خدمة للفن والفنانين
بوطننا العزيز .