ظاهرة الغش في الامتحان: الأسباب والنتائج.
انتشرت ظاهرة الغش في الامتحان إلى الحد الذي جعلها عادة مألوفة يمارسها السواد الأعظم من التلاميذ، ويصنف الراغب عنها في حكم الشاذ الذي لا يعتد به، وقد تطور الأمر إلى الإبداع والتفنن في ابتكار الوسائل والطرق "الحديثة" التي لم تخطر من ذي قبل على بال أحد من العالمين، ولأن ما يتكرر يتقرر فقد صارت هذه الآفة جزءا من "الممارسة البيداغوجية"، بل تحولت إلى صاحبة الشأن الأول التي يتبتل التلميذ في محرابها الساعات الطوال تفكيرا وتنظيرا وممارسة، حتى وصل إلى درجة الكمال والبلوغ في الاهتداء إلى أنجع السبل وأكثرها تطورا، مسجلا بذلك براءات اختراع مبهرة. ولعل نظرة فضولية إلى طوابير التلاميذ المقبلين على محلات النسخ قبيل الامتحانات تظهر بجلاء "حيوية هذه السوق" التي تكيف تجارها مع واقعها، وكونوا أنفسهم ليواكبوا مستجداتها، وينالوا رضا زبنائهم ، وكل هذه "الدينامية"تجري أمام أنظار السلطات العمومية التي تكتفي بالتفرج السلبي على المشهد، كأنها لاتدري أن حرمة القانون تنتهك بهذا السلوك المخل بالأمن التربوي، وتستوجب الضرب بيد من حديد على أيدي هؤلاء "التجار" الذين يشيعون الفاحشة في أرض التربية والتعليم بضمائرهم الميتة وجيوبهم الجشعة. إن الانتشار الواسع لهذه الظاهرة أكسبها شرعية الفعل، وأسقط عن ممارسيها الشعور بالإثم الذي يحيك في القلب ويحجز من يهم به عن إتيانه خشية أن يطلع عليه الناس، فصار التباهي سمة المقدم عليها، وإنتاج الأبطال والفرسان نهاية حلبتها. هذه الظاهرة لم تنبت كما ينبت الفطر، ولم تأت من فراغ، وإنما وجدت التربة الخصبة التي جعلتها تضرب بجذورها في أعمق أعماق المدرسة المغربية، وتلقي بظلالها الوارفة على الساحة التعليمية مغرية التلاميذ بالاحتماء بها اتقاء حر هجير مراجعة الدروس، وفيما يلي بسط لبعض الأسباب التي ساهمت في استفحالها وتجدرها: 1ـ بحث التلميذ عن السهل البسيط : تميل النفس الإنسانية إلى ما يجلب لها اللذة والمتعة، وإن كان سيعود عليها بالضرر والمشقة بعد حين، وتنفر من كل مامن شأنه أن يسبب لها الألم، وإن كانت فيه مصلحة ظاهرة، وهذا ديدن تلاميذنا الأعزاء الذين طلقت نسبة كبيرة منهم المذاكرة لما تسببه من ألم ظاهر وإشغال عن متعة اللهو والعبث، دون أن يدركوا ـ للأسف الشديد ـ أن هذا الذي يرونه عذابا وألما فيه بناء ودعامة لشخصياتهم المستقبلية التي هي قيد التشكل ، فالألم ــ كما يقول الشاعر ألفريد دي موسيه ـ يسمو بنا إلى العظمة، ويخلق منا شخصيات قوية قادرة على الثبات والمقاومة والتصدي لكل العقبات التي تعترض سبيلنا، فوراء كل إنسان عظيم أزمة عميقة، وجرح غائر، وألم مضن، يقول أليكس كاريل:'''لا يستطيع الرجل تغيير نفسه بدون ألم... فهو نفسه الرخام، وهو نفسه النحات'''.(نقلا عن كتاب سيطر على حياتك للدكتور إبراهيم الفقي، ص: 84 ـ ط:2)، وقديما قال الشاعر: تريد لقيان المعالي رخيصة...... ولا بد دون الشهد من إبر النحل وحتى في عالم الحيوان، لو أشفقنا على كتكوت وفقسنا بيضته رحمة به وبمنقاره الطري، فإن النفق (الموت) سيكون مصيره المحتوم . 2 ــ البرمجة السلبية:كانت هذه الظاهرة جزئية محدودة الانتشار، يشار ببنان السوء إلى ممارسها باعتباره غشاشا فاشلا في دراسته، ويقابل بالسخرية والاستهزاء أينما حل وارتحل، لكن سرعان ما دب دبيبها وجعلت لنفسها موطئ قدم راسخة حينما أغرت ببريقها الخادع الآلاف المؤلفة من الضحايا الذين نقل بعضهم إلى بعض العدوى بوعي وبلا وعي، ذلك أن التلميذ الذي يتعب نفسه طيلة السنة في المراجعة والحفظ والانكباب على الدرس يصاب بخيبة أمل كبيرة حينما يرى زميله الغشاش يصول ويجول في قاعة الامتحان، وهو الذي قضى السنة الدراسية لاهيا متغيبا عن أغلب الحصص، لتتولد لديه فكرة تبني الغش ك "خيار استراتيجي"، ومن هاهنا سيتحول الأمرلديه إلى سلوك وممارسة وفقا لسلسلة عبر عنها الدكتور ابراهيم الفقي رحمه الله قائلا:'''راقب أفكارك لأنها ستصبح أفعالا، راقب أفعالك لأنها ستصبح عادات، راقب عاداتك لأنها ستصبح طباعا، راقب طباعك لأنها ستحدد مصيرك'''.( عن كتابه قوة التحكم في الذات). إن الاعتقاد السلبي بنجاعة الغش لدى تلامذتنا، الذي تحول إلى برمجة سلبية يبدو جليا واضحا من خلال عناصر خمس تتمثل فيما يلي: ــ المعنى: كوني تلميذا أعتمد على المستنسخات والزملاء وتساهل المراقبين، فهذا يعني تحقيق النجاح بسهولة ويسر، بعيدا عن كل تعب أوعياء. ــ الأسباب: استمراري في ممارسة هذه "المهارة" سيمكنني من التفوق في دراستي، وسيبعد عني شبح التكرار أو الفصل. ــ الذات: أنا تلميذ حاذق متفوق في الغش وخداع المراقبين، وهذا أمر يمتعني ويعجبني. ــ المستقبل: حياتي في المستقبل ستكون بالغش مزهرة ، كارثية بدونه، لأنني لن أتحمل المتاعب التي ستعترضني إن تخليت عن الغش. ــ الماضي: تلاميذ كثر اعتمدوا على أنفسهم، وقضوا الشهور الطوال في المراجعة والحفظ رسبوا، في حين نجح من كان الإهمال سلوكهم، والفضل في ذلك يعود إلى اعتمادهم على الغش 3ــ تساهل الإدارة التعليمية:ينص النظام التربوي على جنحية الغش، وقد صدرت بهذا الصدد مجموعة من المذكرات الوزارية التي تحث على الحد من الغش وزجر الغشاشين، ويدخل في هذا الإطار"دليل المترشح والمترشحة لامتحانات البكالوريا" الصادر عن وزارة التربية الوطنية ، الذي توعد التلاميذ الغشاشين بعقوبات صارمة بعقوبات صارمة قد تصل إلى السجن، معتبرا الغش ""خرقا سافرا للضوابط والقواعد التي تنظم الامتحانات، وإخلالا بالتعاقد التربوي والأخلاقي القائم بين التلميذ وزملائه وأساتذته، ويتنافى مع القيم التربوية والأخلاقية التي تسعى المدرسة إلى إرسائها داخل المجتمع… هذا ويعاقب على الغش بسجن تتراوح مدته بين شهر وثلاث سنوات، وبغرامة مالية"". هذا الكلام التنظيري في منتهى الروعة، لا يملك المرء من خلاله، ومن خلال المذكرات ذات الصلة إلا أن يشيد بحزم الوزارة وتصديها الصارم للظاهرة، إلا أن النزول إلى أرض الواقع يكشف الفرق الشاسع والبون الكبير والهوة الساحقة بين التنظير والممارسة، فكثير من الإدارات التعليمية تتعامل باستخفاف مع الموضوع كأنها غير معنية به، ويصل الأمر في أحايين كثيرة إلى الاجتهاد في الاتجاه المخالف ، ويتجلى هذا "التحدي" في الإيعاز إلى المدرسين تصريحا أو تلميحا ب "مساعدة" التلاميذ أثناء الامتحان، إلى حد كتابة الأجوبة على السبورة كما هو الشأن في الامتحان الإشهادي لمستوى السادس ابتدائي، بغرض الحصول على أكبر نسبة من "النجاح" للتغطية على المستوى الرديء للتلاميذ، وتحقيق التفوق على باقي المؤسسات. 4 ــ مسؤولية المدرسين:المدرسون ليسوا سواء بهذا الصدد ، منهم طائفة حرصت وتحرص دائما وأبدا على أداء دورها التربوي على أحسن وجه، معتبرة الحراسة الصارمة جزءا من هذا الدور، خدمة للتلميذ وتحفيزا له على المراجعة والانضباط للدروس، لأنه سيعلم ألا حائط سيتكئ عليه يوم الامتحان، وهؤلاء يستحقون التقدير والتشجيع والإجلال والاحترام لمناعتهم القوية التي جعلتهم يقاومون المد الجارف، ويصرون على البناء في الوقت الذي أخذ الآخرون على عاتقهم مهمة الهدم، أو على أقل تقدير التشويش والتعطيل، وهو ما جعل مجهوداتهم تضيع وسط هذا الخضم . متى يتم للبنيان تمامه........ إذا كنت تبني وغيرك يهدم هذه الفئة المناضلة تعمل ممسكة على الجمر من أجل بقاء المجتمع واستمرار القيم، لكن دورها لا يعرف على حقيقته إلا بعد حين من الدهر، فالتلميذ حينما يودع الدراسة يعرف الواقع على حقيقته ـ لا كما سوقه له الأدعياء ـ فيدرك متأخرا قيمة هؤلاء وتضحياتهم وحبهم الأبوي له ، يقول الشاعر تصويرا لهذه المفارقة: فكم شقيت في ذي الحياة فضائل....... وكم نعمت في ذي الحياة عيوب وكم شيم حسناء عاشت كأنهــــــا........ مساوئ يخشى شرها وذنــــوب وثمة طائفة ثانية عالجت مشكل الغش بتركه والتغاضي عنه لأسباب أمنية صرفة، فنتيجة لتكاثر حوادث الاعتداء على المراقبين بعد انتهائهم من مهمة الحراسة ، آثرت هذه الفئة السلامة حتى لا تستعدي المترشحين أو ذويهم. وهناك فئة ثالثة تسمح بالغش عن سبق إصرار وترصد، وتستعمله كجزء من رشاوى كثيرة تقدمها للتلاميذ من أجل شراء صمتهم عن تجاوزاتهم محققين بذلك سلما اجتماعيا، يقدم الطرف فيه الأول إتاوات تتمثل في منح النقط بسخاء كبيرــ الإعفاء من فروض المراقبة المستمرة ــ إعطاء التلميذ الحرية في فعل وقول مايشاء داخل الفصل ــ عدم تسجيل الغياب ــ التسامح في مطالبة التلميذ بإحضار ورقة السماح بالدخول بعد تغيبه في حصة غير حصصهم ــ المساعدة على الغش في الامتحانات الإشهادية... كل هذا وغيره يطبقه هؤلاء ببراعة يحسدون عليها متغيين هلوسة التلميذ حتى يبقى في غيبوبة دائمة، وهو ما سيخلق لديه وعيا مقلوبا يحجزه عن تمييز الخبيث من الطيب. إلى هؤلاء يرجع "الفضل" بنسبة كبيرة جدا في هذا الانتشار الواسع لظاهرة الغش، فقد تجاوزوا الإهمال إلى الإغراء والتحريض، طبعا ليس لسواد عيون أعزائنا التلاميذ، بل لمأربهم الشخصي الذي أشرنا إليه، منخرطين بذلك في إفساد العملية التعليمية وتخريبها وخلق جيل فارغ، الخواء والاستهتار وعدم القدرة على تحمل المسؤولية من أظهر سماته، وعلى مثل هؤلاء تصدق المقولة الآتية: خطأ المهندس يسقط على الأرض، وخطأ الطبيب يدفن تحت الأرض، وخطأ المدرس يفسد الأرض . نتائج الغش في الامتحان يشبه الغش في نتائجه بعر الظباء الذي يشم المار بجانبه رائحة طيبة، وبمجرد أن يدفعه الفضول لتفتيشه يصدم برائحة نتنة غير تلك التي شمها في البداية، وهذا هو ديدن الغش، فقد تكون له نتائج "إيجابية" آنية، بيد أن نظرة ثاقبة متفحصة إليه تجعل المرء يكتشف أن إثمه ومساوئه ومضاره أكثر من "منفعته". 1ـ نتائج الغش على المستوى الآني(داخل حجرة الامتحان) :من المعلوم أن العقل الإنساني لا يمكن أن يفكر في شيئين دفعة واحدة، فالتلميذ الممتحن(بفتح الحاء)أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن ينكب على ورقته مفكرا، متأملا، محللا ومناقشا... وإما أن يجعل كل اهتمامه منصبا على ما أسميه "المشوشات"(أوراق الغش ـ المراقب ـ الزملاء...)، وحينئذ سيتحول الغش من مجرد وسيلة ميكيافيلية لتحقيق نتيجة إيجابية إلى غاية في حد ذاتها، ليصبح ملء الورقة شغله الشاغل، معلقا الأمل على زميل "ثقة"، أو مراقب "متفهم"، أو أوراق تحمل مؤشرات الإجابة الصحيحة لتوفرها على ألفاظ واردة في السؤال !وكثيرا ما سجلت طرائف وغرائب بهذا الصدد، منها أن تلميذا أرسل رسالة قصيرة من هاتفه النقال إلى زميل له يطلب جوابا معينا في مادة اللغة الفرنسية، ولانتهاء تعبئته توصل برسالة باللغة الفرنسية تدعوه إلى إعادة التعبئة، فانكب بسرعة جنونية على كتابة ما توهمه جوابا من صديقه !!! 2ـ نتائج الغش على مستوى الحياة المدرسية: ما يتعلمه التلميذ ويدرسه يعتبر رافدا أساسيا من روافد تبلور شخصيته الحالية والمستقبلية، فكل المعارف والمهارات والقدرات التي يتلقاها تترسخ في ذاكرته وتتحول إلى سلوكيات ومواقف وقيم ، وهنا أفتح قوسا لأشير إلى أن ما يشتكي منه التلميذ بخصوص نسيان المحفوظ مشكل بسيط جدا، لا يوجد نسيان على الإطلاق، توجد فقط أفكار ومعلومات متوارية تحتاج إلى زوبعة ذهنية لتحريكها وتذكرها، فكلنا يتذكر بين الفينة والأخرى بشكل مفاجئ أشياء مرت عليها سنين طوال، بسبب حادثة معينة تحضر كمثير شرطي ، والأمر نفسه ينطبق على الامتحانات وفروض المراقبة المستمرة والأسئلة الممهدة للدرس ومختلف أنواع التقويم، فهي مثير شرطي قوي قادر على جعل التلميذ يتذكر دروسه بكل تفصيل إن أحسن التعامل معها، وابتعد عن المشتتات التي تلعب دور التعطيل لهذا المثير، هذه العملية تشبه إلى حد كبير وضعنا لحصى صغير في سطل ماء، في البداية سيترسب الحصى في القاع، لكن بمجرد تحريكنا للماء سيطفو على السطح. إن الاعتماد على الغش والركون إليه يدفع التلميذ إلى أن يكون لنفسه"منطقة الأمان والراحة" التي تعني خمول العقل وتداعيه إلى النوم والكسل، بسبب تركه فضيلة التفكير، واعتماده على الجاهز دون إعمال النظر، وهو ما سيفضي في الأخير إلى عطالته وتعطله، ولهذا كم شاب فتي بلغ عقله فترة الشيخوخة، وكم من شيخ بلغ من الكبر عتيا مازال عقله نابضا بالحياة بفضل القراءة وكثرة الاطلاع ، وتتضح هذه المسألة بالمثال الآتي: لو وضعنا إنسانا في غرفة صغيرة جدا، ووفرنا له كل ما يحتاجه من غذاء، ثم فتحنا عليه الغرفة بعد سنوات، وطلبنا منه أن يمشي ، لن يستطيع إلى ذلك سبيلا، لأنه عطل مهارة الحركة سنينا، وقد يحتاج منه الأمر ترويضا وألما ومحاولات كثيرة، وهذا ما يقع بالضبط للعقل، ففي فترة الاستعداد للامتحانات يشعر التلاميذ بألم في الرأس ودوار شديد، ويكونون مضطربين متوترين، لأنهم أيقظوا عقولهم على حين غفلة بعد سبات طويل، فصدر عنها رد الفعل هذا، وهنا يلعب الصبر دورا كبيرا في إرجاع العقل إلى رشده ، ستختفي كل الأعراض الآنفة الذكر بعد يومين على الأكثر، حينما يشعر هذا العقل ألا مناص له من الاستيقاظ ، فيترك التمارض ويهب ملبيا طلباتهم له بالتذكر والتخزين والتحليل... 3ـ نتائج الغش على مستوى الحياة العامة:يقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم:"" من شب على شيء شاب عليه""، فالتلميذ الذي يمارس الغش في الامتحان يفتح ملفا في عقله الباطن عنوانه الغش، يقول عالم التنمية البشرية عمر بدران:""عقلنا الباطن يمثل البستان، وأي شيء تزرعه أو تبذره فيه سيثمر، والأفكار سرعان ما تتحول إلى واقع ملموس""، فالغش نبتة خبيثة تنتعش إذا وجدت الجو والتربة المناسبين، فتنمو وتعظم حتى تصبح حاضرة في كل حركات صاحبها وسكناته، وملف الغش هذا سيتولى بعث الإشارات إلى العقل الظاهر في كل قضية أو موضوع أو حالة تواجه صاحبها، فيضع رهن إشارته الحلول المبهرة، والاقتراحات الناجعة، والوسائل والطرق المتميزة التي تأخذ بالألباب. هذا التغلغل لملف الغش سيفضي إلى إحراق الملفات المضادة، وحتى تتضح الفكرة أكثر يمكن أن نقوم بالتجربة الآتية: ندرس تلميذا متفوقا في الغش مهارتين، الأولى في "فن الغش"، والثانية في فن الإصغاء مثلا، في اليوم الموالي نجري له اختبارا في المهارتين معا، سنجده بل أدنى شك عاقلا المهارة الأولى، لأنها وجدت الملف الذي سيحتويها، أما الثانية فلن نعثر لها على أي أثر لأنها لم تجد الملف المناسب الذي سيكرم وفادتها، فانصرفت راحلة في أسرع وقت، وهذا ما يفسر لجوء مدرسي التربية غير النظامية إلى تلقين الحروف الأبجدية للعجائز في قالب غنائي شعبي ، وإفلاحهم في ذلك، مسايرين ملف العقل الباطن القديم ، مع استثماره في موضوع جديد . هذا الحضور للغش والغياب لغيره من الملفات سيتخطى بالتلميذ أسوار المؤسسة، مغريا إياه باستعماله في البيت والشارع والسوق... حتى إذا كبر وتحمل مسؤولية من المسؤوليات المجتمعية مارسه بأريحية واطمئنان ، لأن الأصل ـ فكرة الغش ـ ضارب جذوره في أعماق اللاوعي، يقول الدكتور ابراهيم الفقي رحمه الله:"" الأفكار هي التي تسبب لنا الإدراك والمعنى والقيم والاعتقادات والمبادئ"" (كتاب سيطر على حياتك، ص 92)، فالإنسان إنتاج أفكاره وحصيلتها، وكما يقال: أنت الآن حيث أوصلتك أفكارك ، وستكون غدا حيث ستأخذك هذه الأفكار. نداء ومناشدة: أحبابي التلاميذ أحرقوا السفن. حينما عبر القائد طارق ابن زياد البحر في طريقه لفتح الأندلس، أمر بإحراق السفن، حتى يضع جنوده أمام الأمر الواقع، ليجعل تفكيرهم منحصرا في شيء واحد لاثاني له، ألا وهو تحقيق النصر، لأنه لو ترك السفن فربما كان جنوده سيتركونه بعد أن يحمى وطيس المعركة، ويفرون راجعين من حيث أتوا، هذه الواقعة التي تشهد على ذكاء الرجل، أنتم أحبابي التلاميذ أحوج ما تكونون إلى اعتمادها، رجاء أحرقوا كل مشوش من شأنه أن يجعل عقولكم تفر هاربة من مواجهة مصير معركة الامتحان، لا تنسوا أن الصدمة الأولى عند القراءة الأولية لأسئلة الامتحان أمر بدهي ، حتى ولو كانت الأسئلة في منتهى البساطة والسهولة، وذلك بمثابة الصفعة تبادرنا بها ورقة الامتحان ، وفي هذه الحالة إما أن نستسلم ونفر هاربين مفوضين الأمر إلى جنود ضعاف (ماسميناه المشوشات)، وإما أن نمتص الصدمة ، ونعيد القراءة مرات عديدة، مرسلين إلى عقلنا الباطن رسالة مفادها ألا أحد سيحارب بدلا عنه ، وتأكدوا في هذه الحالة أن الأجوبة ستأتيكم تباعا وتنتال عليكم انتيالا. |