وخلال فصل الشتاء في أقــاليم العروض الوسطى يتجمد سطح البحيرات . وتتراوح درجة حرارة المياه آنذاك بين صفر مئوي أسفل الجليد مباشرة وأربع درجات مئوية عند قاع البحيرة . ومع حلول فصل الربيع ينصهر الجليد ويصبح الماء السطحي دافئاً . ومع ارتفاع درجة حرارة الماء واقترابها من 4 م ° تزداد كثافة الماء السطحي الأدفأ ويزداد وزنه ، ومن ثم يهبط إلى الأسفل باتجاه قاع البحيرات . وبفضل هذه العملية وتحت هذه الظروف يتم قلب مياه البحيرة رأسياً ، وتساعد الرياح مرة ثانية ، على حدوث ما يعرف بالانقلاب الربيعي Spring turnover ، وبذلك يتم انقـلاب مياه البحيرات مرتين كل سنة ، وتعد هذه العملية مهمة جداً في تعويض الأوكسجين الذائبة في الطبقة المائية السفلى . ويساعد هذا الوضع على استمرار بقاء الأسماك على قيد الحياة حيث تتطلب بيئة مائية باردة نسبياً وغنية بالأوكسجين الذائب .
بالإضافة إلى ما سبق تساعد دورة المياه على هذا النحو انتقال المغذيات النباتية (Plant Nutrients) من قـاع البحـيرة باتجـاه السطح مما يزيد من إنتاجية الاشنات والطحالب الخضراء . وتجدر الإشارة إلى أن الأنهار والمجاري المائية عند انصبابها في البحيرات ترسب حمولتها من الرواسب العالقة ، وبالتالي فإن الأنهار التي ترتفع فيها معدلات الرواسب الطينية والغرينية تعمل على ملء قاع البحيرة في زمن قصير .
وتصنف البحيرات من حيث إنتاجيتها ، أي مقدار الكائنات الحية التي يمكن أن تعيلها إلى :
1 ـ بحـيرات ذات إنتاجيـة قليلة (Oligotrophic lakes) ، بسبب قلة المغذيات النباتية من فوسفور ونيتروجين ، لذا تكون فيها أعداد الكائنات الحية المنتجة قليلة ، وتكون درجة تشبع المياه بالأوكسجين المذاب أكثر من 70 ٪ .
2 ـ بحيرات ذات إنتاجية متوسطة (Mesotrophic Lakes) ، وتحوي تركيزات متوسطة من المغذيات النباتية ونجد فيها أعداداً متوسطة من الكائنات الحية المنتجـة ، وتتـراوح درجـة تشـبع الميـاه بالأوكسـجين المـذاب ما بين 30 ٪ ـ 70 ٪ .
3 ـ بحيرات ذات إنتاجية عالية (Eutrophic Lakes) ، وتحتوي تركيزات عالية من المغذيات النباتية ونجد فيها أعداداً من الكائنات الحية المنتجة ، وتتراوح درجة تشبع المياه بالأوكسجين المذاب دون 30 ٪ .
4 ـ بحيرة هرمة (Senescent Lakes) ، وتحوي على ترسبات سميكة من المواد العضوية ، وتنمو بها نباتات مائية نصف مغمورة بكثافة عالية . وتتحول هذه النوعية من البحيرات مع الزمن إلى المستنقعات وكمية الأوكسجين قليلة جداً .
وينشأ معظم البحيرات بحيث يكون غير قادر على توفير الغذاء للكائنات الحية المنتجة وبالتالي للكائنات الحية المستهلكة ، ولكنها تتحول بالتدريج إلى بحيرات منتجة بسبب الرواسب التي تجلب معها المغذيات النباتية . وعند ذلك ومع تزايد موت النباتات المائية وكمية الترسبات القادمة إليها بفعل عوامل التعرية تزداد رواسب قاع البحيرة تدريجياً ، ومن ثم تموت أسماك المياه الباردة وتسود أسماك المياه الدافئة مثل سمك القاروس (Bass) ، وفي نفس الوقت يزداد زحف النباتات المائية الجذرية في المناطق الضحلة من البحيرة ، ويستمر هذا الوضع حتى تتحول البحيرة إلى منطقة مائية ضحلة أو بمعنى آخر تتحول إلى مستنقع .
ويعتمد تحول البحيرات إلى مستنقع على مساحة البحيرة وعمقها وعلى طبيعة التربة في الأحواض المائية التي تصب فيها والتغيرات المناخية واستعمالات المياه لآلاف من السنين . وتزيد الأنشطة البشرية من معدلات تعرية التربة وانجرافها إلى البحيرات وبالتالي المساهمة في تحويل البحيرات أو السدود المائية إلى مستنقعات .
الأنهار (Rivers) :
بالمقارنة مع البحيرات فإن الأنهار أقل عمقاً وتياراتها أكثر اضطراماً ، ولهذا تنكشف مياه النهار بمعدلات أكبر للهواء ، كما أن معدلات الأوكسجين الذائب في مياه الأنهار تكون متجانسة نسبياً على طول النهر وأعماقه المختلفة . ولا يعد مقدار الأوكسجين الذائب من العوامل المحددة في البيئات النهرية إلا إذا دخلت المجاري المائية كميات كبيرة من المواد العضوية القابلة لتحلل .
ومن العوامل المحددة الأساسية في البيئة النهرية اختلاف سرعة تيار الماء من جزء لآخر من النهر ، ففي المنابع تكون القنوات المائية ضيقة وشديدة الانحراف وتظهر الشلالات والمسارع التي تعترض المجرى النهري ، وعليه فإن الأحياء المائية في هذا القطاع تكيفت بأساليب معينة تمكنها من الاستمرار والبقاء ضمن اضطراب التيار المائي إذ تميـل الأحــياء المـائية إلى الالتصـاق بصخـور النهر كالطحالب الخضراء . وتتكيف بعض الكائنات الحية لتلك الظروف بتكون أجهزة امتصاصية (Suction devices) تساعد على ثباتها مثل أفـراخ الضفـادع ويتميز البعض الآخر ببطون لاصقة تساعدها على الالتصاق بالصخر مثل القواقع .
وفي المجرى الأسفل تختفي المسارع ، وتقل سرعة التيار المائي ، وتزداد المجاري المائية اتساعاً ، وتظهر الرواسب في القاع ، وترتفع معها إنتاجية البيئة ، وتظهر أنواع مختلفة من الأسماك . كذلك تكثر في هذا القطاع من النهر النباتات الطافية التي لا تحتمل التيار المضطرم في المجرى الأعلى .
ومن الجدير بالذكر أنه لا تتواجد الطحالب والنباتات الجذرية بكثرة في البيئة النهرية مما تترتب عليه قلة المصادر الغذائية بالمقارنة مع المستهلكات ، ونتيجة لذلك تعتمد المستهلكات على الوارد من الموارد العضوية ، التي تأتي للنهر من البحيرات والأراضي المجاورة التي تتصرف مياهها إلى النهر . كذلك يساعد الجريان السطحي على تزويد البيئة النهرية بالمغذيات النباتية اللازمة لرفع إنتاجية الكائنات النباتية .
وتعتبر الأنهار من المواضع التقليدية للتخلص من النفايات ، دون الأخذ بعين الاعتبار تأثير تلك النفايات في التجمعات الحياتية النهرية ، وقد أدى هذا الوضع إلى تدهور نوعية المياه وتلوثها على طول مئات الكيلومترات من الأنهار ، كذلك ، وكنتيجة لتغير الظروف البيئية ، تغيرت التجمعات الحياتية في بعض الأنهار وتم إحلالها بأنواع أخرى . وأياً كان الأمر فإن استمرار التطور الصناعي ، وتركز المجمعات الصناعية على الأنهار ، واستمرار تصريف مياه المجاري في المناطق الحضرية إلى الأنهار سيؤدي إلى استمرار الضغوط البيئية على النظم الحياتية .