المجدوب عضو فعال
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 126 نقاط : 5045 تاريخ التسجيل : 22/08/2011
| موضوع: عبد الرحمان باكو .. دراما الرحيل تغذي أسطورة ناس الغيوان الخميس 18 أكتوبر - 0:28:51 | |
| عبد الرحمان باكو .. دراما الرحيل تغذي أسطورة ناس الغيوان يشيع رحيل الفنان عبد الرحمان باكو، العضو الأسطوري في فرقة ناس الغيوان، قصة عطاء موسيقي استثنائي، فتح التجربة الغيوانية على مدارات التراث الكناوي وبصم ذاكرتها بلمسة فرجوية واستعراضية فريدة.
هكذا ينضم عازف "الهجهوج" الذي طالما حول أوتار آلة روحانية عتيقة الى كهرباء إيقاعية عالية التوتر، الى الإسمين الفارقين ضمن الثلاثية الذهبية المفقودة: محمد بوجميع والعربي باطما..كما لو أن الأمر يتعلق بدراما دورية تغذي استمرارية أسطورة ناس الغيوان.
ورغم أن الراحل كان قد فضل الاحتجاب عن الأضواء والعودة الى ملاذه الروحي الأول الصويرة، بعد وفاة العربي باطما، قبل أن يكرس وحدته القسرية سقوطه بين براثن المرض، فإن وفاة باكو تفجر لحظة تأبين حزينة لمسار فني سكن الذاكرة الجماعية لأجيال من المغاربة الذين احتضنوا تجربة مجددة منذ سبعينيات القرن الماضي.
لم يبدأ مجد عبد الرحمان باكو مع ناس الغيوان. فقبل ذلك، كان الراحل قد جرب في الصويرة، ملاذ الباحثين عن الأصيل والمختلف والانفلات من ربقة اللغة الموسيقية الأحادية، لعبة الحوار مع ذوات وقوالب إيقاعية غربية المنشأ، والانخراط في مشاريع فنية مشتركة مع موسيقيين عالميين، لكن ما سيظل عالقا في أذهان المعجبين، مشاهد تلك الحركة التلقائية الخفيفة على منصة الأداء الغيواني، وذلك العزف الباطني الذي يهز أوتار الروح.
في بورتريه خصت به وكالة المغرب العربي للأنباء ، الراحل، قبل سنوات، إبان فترة مرضه، تحدث الناقد حسن بحراوي، أحد المتابعين للتجربة الغيوانية، عن "المعلم الكناوي من الطراز الرفيع "، الذي حمل تجربته الى الدار البيضاء حيث سبقه "صيته الموسيقي إلى المدينة التي احتضنت ميلاد ظاهرة المجموعات وهي تباشر مشروعها التحديثي للموسيقى المغربية".
مع باكو ، وبرائعة "غير خوذوني" دشنت فرقة "ناس الغيوان" في مرحلة ما بعد بوجميع، حلقة المزج بين ايقاعات مغرب الشاوية والحوز والايقاعات الافريقية الكناوية.
لم يكن الجديد إذن في تجربة هذا الرجل ، انضمام آلة السنتير أو (الهجهوج) التي بلغ فيها مدى لم يتيسر لغيره إلى زميلاتها في المشهد الغيواني، فالآلة احتلت مكانها منذ واقعة الميلاد الأولى للمجموعة، غير أن ما يحسب لعبد الرحمان هو ذلك "الحضور العضوي" غير المسبوق الذي باتت تشغله هذه الآلة. وسيذكر تاريخ المجموعات الموسيقية الشعبية بالمغرب أن باكو كان رائدا ، يقول حسن بحراوي، في "تثمين القيمة الهارمونية لآلة الهجهوج ليس فقط كأداة مصاحبة بل كفاعل مبدع في الهندسة الموسيقية للأغنية الى جانب "سنيترة" علال و "طمطم" باطما و "بندير" عمر السيد.
لقد تمكن عبد الرحمان باكو من الذهاب ب "السنتير" ، الآلة ذات الهوامش النغمية المحدودة ، والتي اعتادت على تسيد فضائها في ليالي "كناوة" الى آفاق بعيدة لتحاور على مستوى الندية آلات وترية سريعة الايقاع. وكان من حظ عشاق الغيوان أن يقف باكو أقصى يمين المجموعة وعلى يسراها علال "الجوقة المتكاملة" كما وصفه الراحل باطما، لتكون الحواريات والمقابلات الايقاعية بين الرجلين أوج لحظات العطاء والتجاوب. لقد أصبح "السنتير" لدى عبد الرحمان آلة تعمل بكهرباء الأصابع.
أدرك المتابعون للتجربة الغيوانية الفتية أن باكو هو الدم الجديد الذي كانت تحتاجه مجموعة لم تزل حينذاك تجتر فداحة الفقدان الكبير لنجمها بوجميع. بدا أن الطائر الوافد من مدينة الأليزيه طاقة متفجرة .. صوت قوي وبراعة موسيقية وحركة جسدية خفيفة ومحسوبة في غير ما ابتذال أو افتعال.
فباكو ليس فقط تلك الصيحة الصاعدة من المدارات السحيقة، ولا مجرد ركن موسيقي ضمن زمرة الأربعة الكبار، هو أيضا وأساسا ذلك الحضور الباهر على خشبة الأداء . حضور شرع للمريدين سنة ولوج أفق المشاركة الكاملة بالوجدان والجسد في صنع اللحظة الغيوانية، التي أضحت مع عبد الرحمان، كما يقول حسن بحراوي، امتدادا لطقوس الليلة الكناوية. إنها " جذبة " لها شروط ومكونات امتلك باكو مفاتيح إنضاجها عند كل لقاء مع جماهير الغيوان داخل المغرب وخارجه. من هنا يسجل لهذا الصويري الروحاني أنه "نقل ممارسة هذا الرقص الطقوسي من إطار شعائري خفي الى حقل التداول الجماهيري العمومي".
أما حين دعي عمر السيد، العميد الذي مازال قابضا على جمرة الغيوان، الى تقديم شهادة عن عبد الرحمان باكو، وقد داهمه المرض آنذاك وقطع خطوط العودة، يوما ما، الى سفينة مغامرة موسيقية لا تتكرر، فلم يتردد في استحضار قصة "حضور بصيغة الجمع على منصة الغناء، جبارا مستحوذا على الفضاء ، بابتسامته العريضة، بهبة القبول لدى الناس ، بحركته الرشيقة، لكن أيضا بثراء مساهمته في الموسيقى والكلمة الغيوانية".
في أوج خلاف الإخوة وتفرق السبل، لم يخف عمر السيد في تصريحه للوكالة أنه يعيش ، في ما يشبه طقسا يوميا، حالة انشداد وحنين الى روائع باكو في إطار المجموعة: "زاد الهم"، "نرجاك أنا"، "ونادي يانا"..وغيرها من خوالد ظاهرة فنية أتخنثها الغيابات في مطبات الطريق الطويل. |
|