شاهد يروي كيف قتل رجال المخابرات السورية الطفل تامر الشرعي تحت التعذيب
إبراهيم الجهماني – داخل مركز اعتقال رث في دمشق، انهال 8 أو 9 محققين ضربا بالهراوات على مراهق نحيف مكبلاليدين،مصاب بجرح في الجانب الأيسر من صدره من جراء تلقي رصاصة. ظلوا يضربونه على رأسه وظهره وقدميه وعضوه الذكري، ثم تركوه ينزف من أذنيه على أرض الزنزانة ويصرخ مستغيثا بأمه وأبيه. سمع إبراهيم الجهماني، أحد زملائه في الزنزانة، الذي قال إنه شاهد ما حدث لهذا الفتى في سوريا في مايو (أيار) الماضي، المحققون يطلبون من الفتى ذي الـ15 عاما، أن يقول إنه «يحب» بشار الأسد. لكن الفتى، الذي عرف في ما بعد أن اسمه تامر محمد الشاري، رفض، بل ظل يهتف بشعار مناهض لنظام الأسد يتردد صداه في شوارع سوريا وهو «الله.. حرية.. سوريا وبس».
يبدو أن رفض تامر كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للمحققين. وقال الجهماني لوكالة «أسوشييتد برس» بعد إطلاق سراحه: «لقد كسر الحراس معصم يده اليمنى وانهالوا ضربا بالعصي على يديه اللتين كانتا مكبلتين بالقيود وراء ظهره. وقد ضربوه أيضا على وجهه ورأسه وظهره وقدميه وعضوه الذكري حتى نزف من أنفه وفمه وأذنيه وسقط مغشيا عليه. لقد ظل يتوسل طالبا الرحمة وأخذ يصرخ مناديا على أمه وأبيه لإنقاذه». وأضاف بصوت مخنوق من الانفعال: «لقد كان مسجى على الأرض ككلب بثيابه الداخلية وجسده مغطى بالدماء. لكن المحققين لم تأخذهم أي شفقة ولا رحمة به واستمروا في ضرب الفتى بوحشية».
إبراهيم الجهماني راويا قصة تعذيب وقتل الطفل تامر الشرعي
كان تامر والجهماني اثنين من بين آلاف السوريين الذي تم إلقاء القبض عليهم جماعيا على خلفية الاشتباه في معارضتهم للأسد خلال الاحتجاجات التي بدأت في مارس (آذار) الماضي. وشاهد الجهماني هذا التعذيب من ردهة موازية للزنازين، وهو ينتظر لساعتين حتى يقتاده الحراس إلى زنزانته. وقال إن تلك الردهة كانت تفوح منها رائحة الدم والمراحيض القذرة وكانت الأسرّة الموجودة في الزنازين مغطاة بملاءات قذرة.
احتجزت قوات الأمن تامر عاريا تقريبا ومكبلا بالقيود والدماء والكدمات تغطي جسده في السجن الذي تديره استخبارات القوات الجوية السورية، بينما كسر المحققون ساعده وأسنانه. وتم استدعاء طبيب ذات مرة لإفاقته، على حد قول الجهماني. وقال الجهماني الذي تحدث لـ«أسوشييتد برس»: «أعطوه حقنة ثم بدأوا في ضربه مرة أخرى، مركزين على قدميه وعضوه الذكري، ثم بدأ الصبي في النزف من أذنيه».
في اليوم التالي أوقفت صرخات الفتى بوحشية. قال الجهماني إنه لم يسمع صوته مرة أخرى.
وأكد الجهماني، البالغ من العمر 23 عاما، أنه كان معتقلا في نفس مركز الاعتقال مع تامر في مايو وشاهد وسمع ما حدث للصبي على مدار يومين من الضرب. خلال اليوم الأول، قال الجهماني إنه رأى وجه تامر المليء بالكدمات على أرضية الردهة. وفي مساء ذلك اليوم، وضعوهما في زنزانتين مختلفتين قريبتين في نفس الممر، وكان باستطاعة الجهماني سماع صرخات تامر.
وقال «أسوشييتد برس» في تقريرها، إن الجهماني تحدث إلى مراسليها عبر الهاتف، ومرة أخرى في لقاء مباشر. وأشار إلى أنه فر بعد أن أطلقت السلطات السورية سراحه في 31 مايو بعدما قضى قرابة الشهر في الاعتقال. وعرض لمراسلي الوكالة الأوراق الخاصة بإطلاق سراحه، الموقعة والممهورة من قبل السلطات السورية بعد فشلهم في إيجاد أدلة على لائحة الاتهام الموجهة ضده.
تم الكشف عن موت تامر في يونيو (حزيران) الماضي، عندما ظهرت مقاطع فيديو على الهواتف الجوالة لوجه الفتي الذي امتلأ بالرضوض والكدمات والرصاص الذي اخترق الجسد، وقد فقد معظم أسنانه في تابوت من الخشب. وأظهر مقطع آخر سيدة تصرخ «هذا ابني.. أقسم أن هذا ابني». وقال الجهماني إنه شاهد الفيديو بعد الإفراج عنه وتعرف في الحال على القتيل الشاب، وقال إنه الفتى الذي شاهده في مركز الاعتقال.. فقد سمع المحققون ينادونه «تامر».
يقف الفيديو دليلا على وحشية أعمال القمع التي لا تميز حتى الأطفال حيث قتل 72 طفلا منذ بداية الانتفاضة، بحسب لجنة التنسيق المحلية، اللجنة التي تقوم بالتوثيق للمظاهرات. والروايات التي وردت بشأن ضرب تامر وموته تعزز من الدعاوى التي أطلقتها جماعات حقوق الإنسان بأن القوات السورية يجب أن تستجوب بشأن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وقد حثت منظمة العفو الدولية، ومقرها لندن، مجلس الأمن، هذا الأسبوع، على إحالة سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية لارتكابها مثل هذا الجرم.
كان كل من تامر وصديقه حمزة الخطيب (13 عاما)، من أبناء قرية جيزا بمحافظة درعا، الذي اختفى في 29 أبريل (نيسان). يذكر أن درعا شهدت انطلاقة الثورة عندما ألقت قوات الأمن القبض على بعض طلاب المدرسة الإعدادية الذين كتبوا شعارات مناوئة للحكومة على الحوائط.
اعتقل حمزة في مظاهرة ولم يشاهد مرة أخرى حتى سلمت جثته المشوهة إلى أسرته بعد ذلك بأسبوع. وتحول الخطيب في ما بعد إلى رمز للثورة ضد الأسد قادت الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع. أثارت وفاة حمزة الخطيب وتامر غضب السوريين الذين عاشوا تحت الديكتاتورية الوحشية لعائلة الأسد لأكثر من 4 عقود، ليتسع نطاق المظاهرات ويجذب المزيد من قطاعات المجتمع.
وقال الجهماني إنه كان يمشي في درعا في الثالث من مايو مع صديقه فارس ناصر، عندما طلبت منه قوات الأمن التوقف، لكن ناصر حاول الهرب فقامت قوات الشرطة السرية بإطلاق النار عليه فأردته في الحال. وقال: «أصبت بالذهول من رؤية ما حدث لصديقي أمام عيني، فلم يفعل أي شيء ليكون مصيره القتل». وقال الجهماني، إنه لم يكن خائفا، لكنه كان غاضبا بسبب وفاة صديقه. وأضاف: «كان علي أن أهدأ لأنهم قد يقتلونني إذا ما فعلت أو قلت أي شيء». وقرر الجهماني أن لا يفر.
قام عملاء القوات الأمنية بوضع يديه في الأصفاد، وتغطية عينيه ودفعه إلى داخل السيارة التي سارت لأكثر من ساعة، ثم اكتشف في ما بعد أنه محتجز داخل مركز لاعتقال الاستخبارات القوات الجوية في دمشق. وأشار إلى أنه تعرض للضرب بالهراوات والركل من قبل المحققين، مما ترك آثارا على فخذه بعد الإفراج عنه. وتساءل الجهماني: «ما هو الخطأ الذي ارتكبه؟ كان يريد الحرية.. كان يريد أن يكون مثل أقرانه في كل مكان في الحياة يستمتع بالحياة، وأن يعبر عن نفسه دون أن يضطر إلى الترقب». وأوضح أنه اعتقل 3 مرات على الأقل منذ اجتياح الانتفاضة سوريا.
وقال الجهماني: «اعتقلت مرتين في مارس ومرة في أبريل، التي شهدت فيها عمليات التعذيب. كان يسعون خلفي لأنني كنت ناشطا على الـ(فيس بوك) والإنترنت، أقوم برفع ملفات الفيديو والصور على الإنترنت لعرضها على العالم لإظهار وحشية نظام بشار. كما كنت على اتصال بوسائل الإعلام مثل (أسوشييتد برس) خارج سوريا». وأكد الجهماني أنه لن يعود إلى سوريا حتى يسقط النظام. فقال: «سأعود إلى بلدي، إلى سوريا حرة، حرة من الطاغية بشار الأسد وعُصبته الفاسدة
صورة للطفل الذي قتل