تقديم
يستعد المغرب في الوقت الحاضر لمواجهة تحديات الألفية الثالثة التي تتسم بالعولمة وتحرير السوق وتراجع القوانين أمام التطورات السريعة وانتشار المقاولات الحرة ونهج المنافسة والشراكة والتأهيل وإدخال الأبعاد والمؤشرات البيئية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
لمواجهة هذه التغيرات الكبرى أصبح المغرب ملزما بوضع إطار جديد للشراكة في الميدان البيئي وإدماجه في البعد التنموي المستديم.
وتكمن أول خطوة مهمة لإنجاح الاستراتيجية الوطنية المتعلقة بالمحافظة على البيئة في التعرف على المؤهلات الاقتصادية والاجتماعية التي لها علاقة بالبيئة، الأمر الذي يحتم وضع أسس قوية موازية لنظام معلوماتي للاتصال في المجال البيئي من أجل تفعيله.
والهدف المتوخى من هذه الاستراتيجية هو تظافر الجهود وتحقيق أدوات فعالة على أرض الواقع وإنجاز مقاربة واضحة للفعاليات الوطنية والطاقات البشرية أخذا بعين الاعتبار تراث وتقاليد المغرب العريقة من أجل ترسيخ معادلة إيجابية في ميدان التنمية البيئية مع مراعاة الاستغلال العقلاني للثروات الطبيعية وتماشيا مع متطلبات عولمة الاقتصاد المتميز ببيئة نظيفة التي ستمثل مقياس ومعيار لنوعية القرن المقبل
.2 المؤشرات:
إن تقييم حالة البيئة لا يمكنه أن يكون فعليا إلا بتحديد المؤشرات البيئية التي لها علاقة عضوية مع التنمية البشرية في هذا الإطار فإن هيئة الأمم المتحدة قد حددت 134 مؤشر بيئي تنموي وقسمت هذه المؤشرات إلى أربعة أنواع حسب الثلاثية الضغط- الحالة- الجواب (Pression –Etat-Réponse):
× المؤشرات المؤسساتية؛
× المؤشرات الاقتصادية؛
× المؤشرات الاجتماعية؛
× المؤشرات الإيكولوجية.
بالنسبة للمغرب، ليس هناك منظور شامل للمؤشرات البيئية السالفة الذكر بل نجد مؤشرات متناثرة وقطاعية. لكن رغم عدم وجود مؤشرات واضحة المعالم يمكن استخلاص بعض المعطيات التي تبرهن على تدهور الحالة البيئية بالمغرب منذ 3 عقود والتي تخص الحالة البيئية بالمغرب بين 1970 و 1998، وحصيلة النمو الاقتصادي وحجم تكاليف معالجة الأضرار.
.1.2 تطور الحالة البيئية بين 1970 و 1998
يمكن قياس الحالة البيئية بالمغرب من خلال فحص وضعية بعض الموارد الطبيعية كالماء و الهواء والتنوع البيولوجي و الغابة والساحل وكذا تأثير الأنشطة البشرية على هذه الموارد الاستراتيجية التنموية.
الماء: يعتبر الماء موردا طبيعيا وعنصرا ضروريا يرتكز عليه الجزء الأكبر من الأنشطة الاقتصادية للإنسان كما أنه مورد نادر يتميز توفره بعدم الانتظام في الزمان والمكان وهو أخيرا شديد التأثير بالانعكاسات السلبية للأنشطة البشرية.
بالنسبة لبلادنا التزويد بالماء يعرف تطورا معاكسا للنمو الديمغرافي حيث عرفت الحصة المائية الفردية انخفاضا من 3000 م3 للشخص سنة 1971 إلى ما يقل على 1000 م3 سنة 1998 ويتوقع أن تنخفض هذه النسبة إلى حوالي 500 م3 للفرد في سنة 2020.
الهواء: رافق التطور الاقتصادي والاجتماعي والنمو الديمغرافي في بلادنا مشكل تلوث الهواء الناتج أساسا عن المنشآت الثابتة وعن السيارات، حيث بلغ نسبا مقلقة مشكلا بذلك خطرا على جودة الهواء وبالتالي على صحة السكان .
التلوث الناتج عن المنشآت الثابتة: يفوق عدد الوحدات الصناعية المتواجدة بالمملكة 6000 وحدة تساهم في تلوث الهواء بصفة مباشرة. حيث تبلغ كمية المقذوفات الغازية لهذه الوحدات حوالي 2.5 مليون طن في السنة. ويعتبر ثاني أوكسيد الكاربون أهم ملوثات الهواء حجما حيث يناهز 2مليون طن.
التلوث الناتج عن السيارات: إن التلوث الناتج عن الغازات المنبعثة من السيارات في تنام مستمر في المناطق الحضرية بفعل تطور وقدم حظيرة السيارات ، حيث أن 80 % منها، وهو ما يقارب مليون و400 ألف سيارة ، يتجاوز عمرها عشر سنوات. بينما أن عدد السيارات التي يقل عمرها عن خمس سنوات لا تتجاوز % 5 . كما أن عدد السيارات المستعملة في المغرب ارتفع من 306.000 سنة 1970 إلى حوالي 1.370.000 سنة 1996 أي ما يناهز نموا سنويا بمعدل % 6 .
وتجدر الإشارة إلى أن كل سيارة عمرها عشر سنوات تلفظ من خمس إلى عشر أضعاف كمية الغاز الذي تلفظه سيارة جديدة . فعلى سبيل المثال تلفظ السيارة بعد قطعها مسافة 1000كلم 0,34 كلغ من المواد العالقة كمعدل ، مما أدى إلى ارتفاع كمية الملفوظات في المغرب خلال سنة 1996 (0,34 ×1 369 702 سيارة ) حيث بلغت ما يعادل 698 465 كلغ من الغبار.
ومن خلال إحصائيات أجريت سنة 1996 تبين أن الحظيرة الوطنية تتكون من % 46 من السيارات التي تستعمل الدييزيل و %54 من السيارات التي تستعمل البنزين. كما يتضح أيضا أن السيارات التي تستعمل الدييزيل قد سجلت ارتفاعا بينا حيث لم تكن تتجاوز نسبتها % 10 سنة 1970 . ويمكن تفسير ذلك بالفرق المتزايد في الثمن بين البنزين والدييزيل.
التربة: إن تدهور التربة ينتج أساسا إما عن عوامل مباشرة كالاستعمالات المتعددة والانجراف والضغط المترتب عن تطوير الإنتاج الفلاحي، وإما عن عوامل غير مباشرة كضعف التجهيزات والبنيات التحتية المائية.
وتعرف التربة بالمغرب انجرافا يفوق المعدل الدولي كما يؤكد ذلك حجم الانجراف في منطقة الريف الذي يبلغ 5.8 طن في الهكتار المشجر و 18.4 طن في الهكتار في المناطق غير المزروعة ويفوق 90 طن في الهكتار سنويا في الأحواض المزروعة كليا.
أما الانجراف الناتج عن المياه فإنه يهدد 22.7 مليون هكتار من مجموع التراب الوطني مما يتسبب في انخفاض مردودية السدود بمعدل % 5 من الحجم الإجمالي للسد.
التنوع البيولوجي: يعتبر المغرب من أغنى بلدان البحر الأبيض المتوسط من حيث التنوع البيولوجي وذلك ناتج عن موقعه الجغرافي وتنوع مناخه وتضاريسه، حيث يتوفر على 32.500 صنف (نباتات ووحيش) من بينها حوالي 8000 صنف محلي. لكن هذا التنوع البيولوجي رغم غناه كما وصنفا عرف منذ بداية نصف القرن الحالي تراجعا كبيرا، حيث انقرض 25 صنف من بين 655 صنف مهدد بالانقراض ويتمتع بحماية خاصة.
المجال الغابوي المغربي: وببلادنا، يغطي المجال الغابوي حوالي 9 ملايين من الهكتارات أي ما يعادل %12 من مجموع التراب الوطني، وهي نسبة ضعيفة بالمقارنة مع المعيار (%15 إلى %20) اللازم للإبقاء على التوازن البيئي. ويتشكل هذا المجال من غابات طبيعية (الأرز-الأركان-البلوط الأخضر-الصنط الصحراوي-البلوط الفليني-العرعار-ومورقات وصمغيات) ومن غابات الحلفاء ومن غابات اصطناعية.
ويخضع توزيع الغابات لعدة عوامل طبيعية نذكر منها على الخصوص نوعية التربة والمناخ والموقع الجغرافي، بحيث أن أهم الغابات المغربية تقع بالتضاريس المرتفعة، كما أن المناطق المشجرة هي القريبة من الساحل الأطلسي حيث تتوفر المياه والتربة الجيدة وتقل كلما اتجهنا نحو المناطق الشبه القاحلة أو القاحلة.
إلا أن هذه التشكييلة الغابوية عرفت تدهورا كبيرا بفعل الإنسان (استغلال لاعقلاني، جمع خشب التدفئة، الرعي المفرط، حرائق، تلوث) و/أو بفعل العوامل الطبيعية (الجفاف، الأمراض والطفيليات). وقد أدى هذا التدهور إلى النتائج التالية:
× تقليص التنوع البيولوجي على مستوى النظم البيئية والأصناف؛
× تقليص النظم البيئية؛
× تحويل النظم البيئية المتوازنة إلى نظم مبسطة وبالتالي هشة.
وبفعل هذا التدهور الذي لحق الغابات يفقد المغرب سنويا مساحات تتراوح بين 10.000 و 30.000 هكتار، بينما تقوم السلطات العمومية بتشجير مساحات تتراوح بين 3000 و 5000 هكتار سنويا، وهي نسبة ضئيلة جدا مقارنة مع المساحات المفقودة.
النفايات الصلبة: عرف إنتاج النفايات الصلبة بالمغرب ارتفاعا مهما خلال العقود الأخيرة مرتبطة أساسا بالنمو الديمغرافي والاقتصادي والاجتماعي، حيث بلغ حوالي 17413 طن في اليوم سنة 1999، ولم تبلغ هذه الكمية سوى 12370 طن في اليوم سنة 1992 و 1600 طن في اليوم سنة 1960.
.2.2 حصيلة النمو الاقتصادي
عرف الاقتصاد الوطني عدة تحولات جوهرية تهدف إلى إعادة التوازنات الماكرو اقتصادية وتهييء الاقتصاد الوطني لمواجهة التحديات الدولية وتحفيز النمو الاقتصادي. وتتجسد هذه الجهود في تشجيع الاستثمارات وتنمية الأنشطة الاقتصادية وتحديث القطاع الفلاحي التي ولا شك كان لها تأثير مباشر أو غير مباشر على المجال البيئي الذي يتسم بالهشاشة نتيجة النمو الديمغرافي المضطرد.
1.2.2 حجم النمو
يرتبط النمو الاقتصادي بالمغرب ارتباطا وثيقا بالتساقطات المطرية فكلما عرف المغرب تساقطات مهمة إلا وانعكس ذلك إيجابا على النمو الاقتصادي الإجمالي للبلاد حيث يقدر ب % 4 كمتوسط سنوي، لكن هذا المعدل قد يصل إلى أضعافه في السنوات الممطرة (%12) أو إلى معدلات سلبية في سنوات الجفاف. ففي سنة 1999 وصل هذا المعدل إلى %0.9 الأمر الذي أدى إلى ركوض اقتصادي ناتج أساسا عن الجفاف الذي عرفه المغرب سنة 1998.
2.2.2 توزيع النمو
يتميز النمو الاقتصادي بتباين في توزيعه الجغرافي على صعيد المملكة حيث يتركز في الحواضر وعلى طول الساحل بينما يعرف المجال القروي تهميشا في هذا الإطار.
.3.2 تكاليف معالجة الأضرار
تبين من خلال التقييم المادي لتدهور البيئة بالمغرب أن هذا الأخير يفقد سنويا 20 مليار درهم أي ما يعادل % 2 من الناتج الإجمالي الخام، من بينها 14 مليار درهم سنويا أي % 5.7 من الناتج الإجمالي الخام يهم قطاع الماء.
وتقدر التكاليف الحالية لمعالجة هذه الوضعية بحوالي 0.8 مليار درهم سنويا كما تقدر التكاليف المخصصة بصفة مستديمة ب 4.6 مليار درهم سنويا.
أما بالنسبة بالتطهير السائل، وعلى سبيل المثال، تبين من خلال آخر دراسة أجريت في هذا المجال أن التكاليف الاستعجالية التي يتطلبها التطهير السائل والتي تخص 305 مركز تقدر ب 31 مليار درهم سنويا مخصصة على مدى 15 سنة أي ما يعادل 2 مليار في السنة.
.3 إكراهات المعادلة البيئية التنموية
تشكل التنمية بالنسبة لبلادنا أكبر التحديات، فإذا كانت بلادنا قد حققت في العشريات الأخيرة تقدما كبيرا في مجال التنمية فإن هذا لا يمنعنا من التساؤل وفي كل تخوف هل ليس هناك حدود للضغط الذي تعاني منه البيئة من جراء الأنشطة البشرية والحاجيات الاجتماعية والقوانين الاقتصادية الدولية الجديدة وكذا التغيرات المناخية. وهل سوف لن تكون لهذه الأخيرة تأثيرات جد سلبية على جودة الحياة ومستقبل الأجيالاللاحقة.