قصص قصيرة من التراث العالمي
نص تولستوي بعنوان (البطة والقمر)
كانت بطة تسبح يوماً في النهر، باحثة عن السمك، وانقضى اليوم بأسره، دون أن تعثر على سمكة واحدة، حينما أقبل الليل شاهدت البطة القمر منعكساً على سطح الماء، واعتقدت أنه سمكة، فغطست في الماء لتمسك به، ورأتها البطات الأخريات، فاندفعن ضاحكات منها. ومنذ ذلك اليوم، غرقت البطة في الخجل، إلى حد أنها عندما ترى سمكة تحت الماء لا تحاول الإمساك بها. ولم يمضِ وقت طويل حتى ماتت جوعاً
الأسد والبعوضة)*
لافونتين (1621- 1695)
إليك عني يا حشرة حقيرة، يا حثالة المخلوقات جميعاً" هكذا خاطب الأسد يوماً البعوضة، فجاء ردها عليه في الحال، إذ قالت: أتحسب أن اسمك الملكي سيجعلني أرجف خوفاً من الرأس حتى القدم؟
فالثور الذي يربو عليك بحجمه أسوقه حثيما أريد!"
ولم تتمهّل لحظة، وصوتَّت نفيرها كأنه الفارس والبوقي معاً، وراحت تئز وهي تدور الدوائر فوق رأسه تتحيّن فرصتها، ثم انقضّت عليه، ولدغته في عنقه. فجُّنَ الأسد العظيم، واشتعلت عيناه بالغضب، وأطلق زئيراً، ارتعشت له أوصال جيرانه، واختبأوا في الأوكار والحجور، وعمّ الرعب أرجاء الغابة كلها. وما السبب إلا بعوضة صغيرة.
وراحت البعوضة العفريتة تندس كشيطانة في كل عضو معرّض في الليث الهصور فهي مرة تخرق بوزه، ومرة قدمه، ومرة تنخز مؤخرته، ثم خاصرته. ومرة تتوغل في أعماق منخريه. وطغى هياج الأسد، وأزبد شدقاه، والمعذّبة الماكرة تضحك منه وهو يعمل كامل عدته من ناب ومخلب للشرب من دمها، عبثاً!
أدمى الملك بالحك جنبيه، وراح يخبط بالذيل ردفيه، ويصارع الهواء المحيط به- إلى أن خارت قواه، وأنهكه السخط والصياح، وتهاوى على الأرض أخيراً، عاجزاً عن كل حراك. وطارت البعوضة المظفرة بعيدة عنه في هالة المجد، ونفيرها الذي أعلن في البدء تحديها، أعلن الآن انتصارها، ولكنها إن حلقت هنا وهناك إذ لتسمع الجميع أنباءها، اصطدمت بشبكة نسجتها العنكبوت وسقطت فريسة فيها، في هذه الحكاية درسان: من الغباء أن تحكم على الخصم قياساً على حجمه، والمرء قد ينجو من أنياب خطر عظيم، ليلقى مصرعه في عارض حقير..".
البعوضة والأسد (تولستوي)
طارت بعوضة ذات يوم نحو ملك الغابة وقالت له: إنك تظن إنك أقوى مني، ألا تظن ذلك؟ طيب. إنك مخطئ تماماً: ماطبيعة القوة التي تمتلكها؟ إنك تمزّق بمخالبك وتعض بأنيابك على نحو ما تتشاجر النسوة الفلاحات مع أزواجهن، أما أنا فإنني أقوى منك هيا بنا لنتقاتل.".
أصدرت البعوضة طنينها، وشرعت تلدغ الأسد في أنفه، وخديه المجردين من الشعر، أخذ الأسد يضرب بمخالبه، فخمش وجهه ومزّقه، حتى تدفق الدم، وحلّ به الإرهاق.
طارت البعوضة بعيداً، وهي تطن في انتصار، ولكن الوقت لم يطل بها إذ سقطت في خيط العنكبوت الذي شرع في مصّ دمها.
مضت البعوضة تحدث نفسها قائلة: "لقد تغلبت على الأسد أقوى الحيوانات، أما الآن فقد وقعت فريسة لعنكبوت بائس سيقضي عليَّ حتماً!".
1 ـ الساقية ـ سالم شاهين:
صاحت النخلة بصوت حازم:
ـ لا تصرخ أيها الغراب، ودع الساقية تنام بسلام..
وقالت شجرة الزيتون : يجب ألا نبقى مكتوفي الأيدي..
وقالت شجرة أخرى: ـ وماذا نفعل أيتها الأشجار؟:..
وساد الصمت من جديد، وهنّ ينظرن إلى الساقية التي مسَّها المرض، وقطعت شجرة التوت صمت الأشجار: يا عيني… لكم هو شاحب وجهها…
كلهن شاخصات إلى الساقية، التي تحمل الماء كل يوم لتروي عطشهن، ولتغتسل به الطيور. أما الآن، فقد مسَّ الجميع العطش الشديد، ونفضت الأشجار ثمارها قبل النضوج، مرت الأيام، وامتقع وجه الساقية.
صاحت شجرة التين بعزم: إذا بقينا فسنموت جميعاً..
وقالت شجرة التوت: ارحمنا يارب فأنت الرحمن الرحيم..
وقالت شجرة الرمان بصوت يائس: ما أتعس حظنا…
فقالت شجرة الزيتون بوقار: لنبعث إلى المطر علّه ينقذنا من المحنة..
فرحت شجرة التفاح: أجل لنرسل رسالة إلى المطر. وهذه ورقة مني..
وقالت شجرة التين: ورقتي أكبر..
أجابت ورقة الزيتون: بل ستقدم كل منكن ورقة لكتابة الرسالة..
فرحت الأشجار، وكتبن الرسالة، وتقدم الغراب قائلاً:
وسأحملها إلى المطر، وقالت الحمامة: سأكون معك أعينك على حملها وطار الاثنان، بعد أن ودّعا الأشجار، واختفيا عن الأنظار وبقين ينتظرن مجيء المطر..
2 ـ حلم فراشة ـ سعدي الـعقابي:
استعدت الفراشة الصغيرة التي اكتملت أجنحتها للطيران صباح غد.
هو اليوم الأول الذي تحلّق فيه فوق الأزهار في الحديقة التي تقع في أطراف المدينة، كانت تملؤها الرغبة في الطيران، والرقص فوق الأزهار، وتحت ضياء الشمس الدافئة في ربيع دافئ جميل، سألت الفراشة الصغيرة أبواها:
ـ أهناك خطر على الفراشات في الحديقة؟
فأجابا:
ـ نعم يا فراشتنا الجميلة. ثمة أطفال صغار يعبثون فاحذري أن تقعي في شباكهم..
أخذ الفراشة، حلم جميل، فقد استيقظت في صباح ربيعي ندي تنفسّت مبكرة، وبدأت رحلتها الأولى بين الأزهار، تنتقل مزهوّة، سعيدة، محلّقة، وتوغلّتْ في عمق الحديقة، مبتعدة وهي تداعب زهرة، طرق سمعها ضجيجاً، سدَّ عليها طريقها، فعرفتْ، أنه الخطر الذي حذّرها منه أبواها.
حدقّت، فرأتهم يقتلعون الغرسات الصغيرة، ويقطعون الأزهار، شعرت بالخوف، فحاولت الطيران، والإفلات منهم، إلاّ أن فكرة قد ارتسمت في ذهنها، وهي أن تستنجد بطفل هادئ الطبع، يسير بتمهل، فاستقرت على يد الطفل تعبة، خائفة حزينة، فوجدت عنده الأمان، فقال لها: لا تحزني، ولا تخافي فلما شاهد الأطفال ما جرى، منحوها الأمان، بشرط أن تلعب معهم كلهم…
ومنذ ذلك الحين، اعتادت الفراشات أن تلعب، وتمرح مع الأطفال في الحدائق العامة..
3 ـ سلحفاة ـ حيدر غازي سلمان.
حملها بيديه فرحاً، بينما أخفت السلحفاة رأسها، وأطرافها داخل درعها الحصين.
ظلّت ساكنة تنتظر خلاصها، فقال: (ماذا أفعل بسلحفاة ميتة؟) وقلبّها مفكراً..
طرأت فكرة في رأسه وقال: لماذا لا أعيدها إلى الماء؟!..
أحسَّت ببرودته، فأخرجت رأسها وأطرافها رامقة الصبي بنظرة شكر، واندفعت بقوة..
أطلق الصبي ضحكته فرِحاً ليشارك السلحفاة فرحها بعودتها إلى الماء.
4 ـ نخلة أحمد ـ شاكر الكناني:
ذات يوم، في صباح كانون بارد، تستيقظ العائلة على دوي مفزع، فتهرع إلى باحة الدار، وتسمع لغطاً في الشارع القريب، ونداء:
ـ إلى الملاجئ.. إلى الملاجئ… قصف…قصف…قصف…
ويسود صمت، ثم ينتشر دخان كثيف.. ينبئُ عن حريق، فيصرخ ابن العائلة:
ـ لقد احترقت نخلتنا.. لقد ماتت…
فيردّ والده بثقة:
ـ ألم أقل قبل أيام أن النخلة لا تموت أبداً.. اسقها يا بني..
ظلّ الصبي أحمد مواظباً على سقي نخلته يومياً، بدلو من الصفيح، ممتثلاً لنصيحة أبيه..
وفي يوم من أيام الربيع، ينادي أحمد أباه فرحاً:
ـ في نخلتنا خوصة خضراء..
يحتضن الأب ولده، ويقبّله بين عينيه، ثم يرسل نظراته إلى قمة النخلة ليرى خوصة خضراء فعلاً، تتبعها خوصتان. فثلاث خوصات، فسعفة خضراء، فسعفتان، فثلاث سعفات متصّلات بتاج من السعف الأخضر، يكلّل قمة النخلة.
ومرّ الربيع، وجاء الصيف، فأثمرت نخلة أحمد بالرغم من لون جذعها الأسود.