كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك كنيسة كاثوليكية شرقية مستقلة مرتبطة في شركة تامة مع الكنيسة الكاثوليكية في روما بشخص رئيسها البابا. الموطن الأصلي لهذه الكنيسة هو الشرق الأوسط، وينتشر اليوم قسم من الروم الكاثوليك في بلاد الاغتراب حالهم كحال باقي مسيحيي الشرق. اللغة الطقسية الليتوروجية لهذه الكنيسة هي اللغة العربية.
اسم كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك
لكل مقطع في اسم هذه الكنيسة دلالات معينة. فلفظة الملكيين وبالسريانية ܡܠܟܝܐ ملكويي Malkoyee أطلقت على المسيحيين في المشرق الذين قبلوا شرعية مجمع خلقيدونية وسلطة الامبراطور البيزنطي وذلك عام451 م. فأطلق عليهم إخوانهم السريان والأقباط اللاخلقيدونيين هذا الاسم لكي يشيروا عليهم يأنهم يتبعون مذهب الامبراطور أو الملك. وهذا الاسم لا يرتبط بشكل عام بجميع المجموعات الخلقيدونية. لفظة الروم تدل على الانتماء لإرث الكنيسة الرومية البيزنطية. وفي هذه الناحية تختلف طقوسها وطبيعة بناء ليتوروجيتها قليلا عن بقية الكنائس الأرثوذكسية الشرقية. لفظة الكاثوليك تدل بشكل عام على انتماء جماعة أو كنيسة ما إلى سلطة بابا روما وبطبيعة الحال تدل الكلمة أيضا على وحدة وشركة الكنيسة العالمية { الكاثوليكية الجامعة }. وقد كان القديس إغناطيوس النوراني أحد الآباء الرسوليين للكنيسة أول من استعمل اصطلاح الكنيسة الكاثوليكية. والملكيين يعتبرون أنفسهم أحيانا بأنهم أقدم جماعة كاثوليكية. في اللغات الأوربية تسمى هذه الكنيسة كنيسة اليونانيين الملكيين الكاثوليك Melkite Greek Catholic Church بينما تترجم اليونانيين بالعربية، اللغة الرسمية لهذه الكنيسة، بالروم. ويفسر البعض ذلك بأن المصطلح "روم" بالعربية يُستعمل أحيانا للدلالة على اليونان.
تاريخ كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك
أن جذور هذه الكنيسة تمتد بين الجماعات المسيحية المختلفة في بلاد الشام ومصر ويتسع نطاق سلطة بطريركها على ثلاثة كراسي بطريركية قديمة وهي أنطاكية الإسكندرية والقدس. ويمكننا أن ننظر إلى تاريخ هذه الكنيسة وعلاقاتها مع الكنائس الاخرة من خلال ثلاث محاور رئيسية.
المحور الأول التأثير السياسي الاجتماعي الذي خلفه مجمع خلقيدونية في القرن الخامس الميلادي على المجتمع المسيحي في الشرق الأوسط والذي سبب انقساما حادا بين هؤلاء الذين قبلوا مقررات المجمع وبين هؤلاء الذين رفضوها. جميع الذين قبلوا مجمع خلقيدونية كانوا بشكل رئيسي من سكان المدن الهيلنستية المتكلمين باللغة اليونانية. ودعيوا ملكيين من قبل اللاخلقيدونيين الذين كانوا من سكان المدن الداخلية المتكلمة السريانية في سوريا واالقبطية في مصر.
المحور الثاني كان فترة النقلة الفجائية التي غيرت منطقة الشرق الأوسط بكاملها بعد معركة اليرموك عام 636 م حيث انتقل الملكيين إلى خارج حدود البيزنطيين ليخضعوا لسلطان العرب المسلمين الذين انتصروا في تلك المعركة.
ومع ان اللغة والثقافة اليونانية احتفظت بمكانتها خصوصا بالنسبة للملكيين في مدينة القدس. إلا أن عادات وتقاليد الروم الملكيين انصهرت وذابت تدريجيا ضمن اللغة والثقافة العربية. وهذا أدى إلى تكوين نوع من التباعد بين بطريرك القسطنطينية وهو رئيس الأرثوذكس الشرقيين الخلقيدونيين وبين رعيته من الملكيين الواقعين تحت الحكم العربي الإسلامي.
ابتداء من عام 1342 م نشط عمل الإرساليات الغربية الكاثوليكية في الشرق وبشكل خاص في مدينة دمشق. وكان لتعليمهم تأتيرا كبيرا على رجال الدين الملكيين ورعاياهم. ومع أنه لم يحصل في تلك الفترة انشقاقا حقيقيا عن الكنيسة الأرثوذكسية إلا أن تلك التغيرات مهدت لخلق جماعة كاثوليكية ضمن نطاق الأرثوذكسية الشرقية.
المحور الثالث كان انتخاب كيرلس السادس الأنطاكي عام 1724 م من قبل الأساقفة الملكيين في سوريا ليكون بطريرك أنطاكية الجديد. وعلى اعتبار أن كيرلس هذا كان كاثوليكي الميول شعر بطريرك القسطنطينية جيرميس الثالث بأن سلطته البطريركية عليهم قد تكون في خطر فأعلن بأن انتخاب كيرلس السادس لاغ. وعين سيلفستر وهو راهب يوناني ليجلس على كرسي بطريركية أنطاكية بدل عنه فقام هذا الأخير بتهييج رغبة الانفصال عند بعض الملكيين بسبب القوانين الكنسية الثقيلة التي فرضها عليهم. فاثروا الاعتراف بسلطة كيرلس السادس كبطريرك عليهم عوضا عن سيلفستر. وفي نفس العام اي سنة 1724 م رحب بابا روما المنتخب حديثا البابا بينيديكتوس الثالث عشر رحب بكيرلس السادس كبطريرك أنطاكية الحقيقي والشرعي وقبله مع من تبعه من الروم الملكيين ككنيسة حقيقية في شركة تامة مع الكنيسة الكاثوليكية. وانطلاقا من ذلك الوقت فصاعدا أصبحت كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك كنيسة موجودة بكيانها المستقل والمنفصل عن كنيسة الروم الأرثوذكس الشرقيين.
محطات هامة
لعبت كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك دورا مهما في قيادة المسيحانية العربية. فقياداتها كانت دوما من المسيحيين الناطقين بالعربية في الوقت الذي درج فيه الملكيين الأرثوذكس على أن يقودهم بطاركة قادمين من اليونان حتى عام 1899 م. عام 1835 م اعترفت السلطات العثمانية بالبطريرك مكسيميوس الثالث مظلوم بطريرك أنطاكية للروم الملكيين الكاثوليك اعترفت به كقائد ملة أي راعي طائفة دينية مميزة في الامبراطورية. منح البابا غريغوريوس السادس عشر للبطريرك مكسيميوس الثالث لقب بطريركية ثلاثية على كل من أنطاكية والإسكندرية والقدس وهذا اللقب لا يزال يحمله بطاركة هذه الكنيسة حتى يومنا هذا.
كان البطريرك غريغوريوس الثاني يوسف (864-1897)خصما قويا لقضية العصمة الباباوية المطروحة انذاك وذلك خلال المجمع الفاتيكاني الآول. وكان موقفه هذا مأخوذا من خلفية إيمانه بأن صياغة عقيدة بهذا الشكل سوف يسبب توترا عظيما في العلاقات ما بين الملكيين الكاثوليك وبقية المسيحيين الشرقيين. وخلال المجمع الفاتيكاني الثاني دافع البطريرك مكسيموس الرابع صايغ عن التراث الشرقي للمسيحية ونال احتراما كبيرا بسبب ذلك من قبل وفد الملكيين الأرثوذكس الذين حضروا ذلك المجمع بصفة مراقبين. البطريرك اللاحق مكسيموس الخامس حكيم (1967-2000) تابع مسيرة اسلافه في بناء علاقات أخوية وطيبة بين كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك وبقية الكنائس المسيحية الشرقية.
بطريركهم الحالي هو غريغوريوس الثالث لحام بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية والقدس للروم الملكيين الكاثوليك والمقر البطريركي يقع في دمشق العاصمة السورية. ويبلغ تعداد أبناء هذه الطائفة قرابة 1350000 يقال أن أكثر من نصفهم مقيمون في بلاد الاغتراب.