دموع الأقلام في نهاية العام
في غضون أيام قلائل تطوى صفحة العام والقلوب تنكأها الآلام , إنه عام كغيره من الأعوام السابقة التي قست على الأمة العربية والإسلامية نتاج الضعف والهوان والتشتت والخصام والتآمر والخذلان , لقد شهدت أمتنا الإسلامية والعربية صراعات عنيفة لا مع أعدائها بل فيما بينها ومع أبنائها وشعوبها , في حين كنا نرجو ونأمل أن يتوحد العرب والمسلمين ويقفوا في صف واحد لمواجهة أعدائهم تمزقت أحلامنا أشلاء وشهدنا صراعات دموية مريبة تفتك بنا وتدمر شعوبنا وتزرع فينا الأحقاد والعداء لبعضنا فأنّى لنا أن نقوى على أعدائنا ؟.
إنه لمن أشد التنكيل بنا أن نوجه أسلحتنا في نحور أهلنا وأبنائنا , وإنه لمن الحماقة وسوء الأعمال أن نكشر الأنياب ونشحذ المخالب على بني جلدتنا وإخواننا , ونبتسم ابتسامة الذل والانكسار مع أعدائنا الذين يتربصون بنا الدوائر في كل حين , فيا لها من تعاسة ويا له من شقاء أن نوالي أعداءنا ونعادي أهلنا ونتناصر على شعوبنا ونهلك أمتنا بأيدينا لنكون فرجة وأضحوكة للعالم بأسره , فأي مسرحية هزلية ساخرة ساذجة نؤديها على مسرح الشرق الأوسط ؟ .
إن ما نشهده في سوريا وليبيا ولبنان وغيرها من الأقطار العربية من جرائم بشعة ومؤامرات قذرة لتطيح بالكيان العربي والإسلامي وتجعله رخوا هزيلا لقمة سائغة للأعداء الذين يسعون بشتى الطرق والوسائل للقضاء على الإسلام والمسلمين واستعباد العرب وسلب خيرات أراضينا وطمس هويتنا , فهل حقا ندرك هذه الحقيقة أم لازلنا نتجاهلها بإرادتنا لأننا لا نقوى على مواجهة حقيقتها والوقوف أمام القائمين عليها ؟ .
لقد شهدت الأمة الإسلامية والعربية صراعات عديدة ومريرة بيد أنها اشتدت ضراوة هذا العام حيث جاهر الشيعة والنصيريون وغيرهم من أصحاب المذاهب الفاسدة بالعداء الظاهر وتمادوا في ذلك بالقول والعمل وتطاولوا بسفاهة على أخيار البشر , وما كان لهم هذا إلا بضعف شديد منا وتسليط بعضنا على بعضنا وهزيمة مريرة بها رضينا وذل مريب له رضخنا , حتى صرنا فريسة متهالكة تتربص بها جموع الوحوش يتسابقون للظفر بها .
ها هي الأعوام تتوالى وعويلنا يتعالى وكل عام يأتي أشد علينا من سابقه ونحن من عام لعام نغفوا في الأحلام وسبات الأوهام ونلتمس الفرج ممن يضعون أمتنا في أشد الحرج , فكيف نأمن من أراد الفتك بنا ؟ وكيف نعاهد من يعاود الغدر معنا ؟ , ففي أعوام سابقة كنا نأمل أن تعود القدس وتتحرر من أيدي اليهود النجسة , ففجعنا بمعارك طاحنة أهلية وطائفية تجتاح أراضينا وتقتل شعوبنا ويا ليتها ضد أعدائنا بل معارك نقودها ضد بعضنا , فأي مصاب جلل نحن فيه ؟ وأي حماقة نرتكبها في حق أنفسنا ؟ إنها معارك خاسرة في كل أحوالها .
هذا عامنا يطوي صفحته على مآسينا ونكباتنا ومشاحناتنا , هذا عامنا يشهد على أمتنا الإسلامية والعربية بأنها غير جديرة بالسيادة والريادة والقيادة , إنها سخرية حقيقية للعالم أجمع , حيث أنها تخلت عن مبادئها وقيمها وأسس عزتها وكرامتها ومجدها , واستبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير , فما شهدت الخير بعد أن بدلت فتبدل بها الحال لأسوء مآل , وجار علينا الزمان كما نردد في كل آن ونحن نعيب الزمان والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا .
ألا أيها العرب والمسلمين عام من الأحزان المريرة المخضبة بالدماء البريئة يطوي صفحاته لتكون شاهدة علينا , وإننا لنستدبر عاما حافلا بالشقاء والبلاء والويلات والنكبات , فهل سنستقبل عامنا الجديد كما انتهى بنا هذا العام ؟ أم أن أضواء الأمل واليقظة ستنير لنا لنشهد عاما مغايرا لتلك الأعوام البائسة , فإن أردنا ذلك علينا أن نصدق في ذلك ونحن نعلم علم اليقين أن خلاصنا الوحيد وملاذنا الآمن هو التوبة الصادقة والرجوع إلى الله والتمسك بكتابه وسنة نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم - , وإننا لنعلم علم اليقين أن النصر المبين لا يأتي إلا من عند الله , يقول الله تعالى : { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } , فمهما كثر الأعداء ومهما تعددت الهجمات الشرسة فلن يضرنا ما إن تمسكنا بمنهج ديننا الحنيف وتوكلنا على الله حق التوكل , يقول الله تعالى : { إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون }, ويقول الله تعالى : { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين } .
فهل نؤمن حقا بقول الله ونصدقه ونعتقده يقينا ؟ أم أننا عنه معرضون وفي أنفسنا شك منه مريب ؟ , ألا زلنا نتأمل النصر من أعدائنا ؟ , فأي نصر نرجو منهم وهم لنا كائدون ؟ , إنما النصر من عند الله والعزة لله والله ولي المؤمنين وكفى بالله نصيرا , فلنستقم كما أمرنا ولا نتبع سبيل المفسدين والظالمين , يقول الله تعلى { فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير * ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أوليا ثم لا تنصرون } .
يا أمة الإسلام متى نفيق لرشدنا ونطوي أحزاننا ونوحد صفنا وينصر بعضنا بعضا ونتخلص من جهلنا ونصفي قلوبنا من الضغائن فيما بيننا , إنها آمل وأحلام والأعوام تمضي سراعا ولا ندري في أي عام تتوقف دموعنا ونستبدل أحزاننا أفراحا وذلنا عزة وشتاتنا وحدة وهواننا منعة , عسى أن يكون قريب والله على كل شيء قدير .
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .