أساس القانون الدولي لحقوق الإنسان
ن ثمة إتفاق عام على أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يشكل أساس القانون الدولي لحقوق الإنسان. وهذا الإعلان، الذي اعتمد منذ 60 عاماً تقريباً، كان مصدر إلهام لمجموعة ضخمة من معاهدات حقوق الإنسان الدولية ذات الإلزام القانوني، وكذلك لموضوع تطوير حقوق الإنسان على صعيد العالم بأسره. وهو لا يزال قبساً نهتدي به جميعاً، سواء عند التصدي للمظالم، أم في المجتمعات التي تعاني من القمع، أو عند بذل تلك الجهود الرامية إلى تحقيق التمتع العالمي بحقوق الإنسان.
أوميرتو كليماري (من بنما)، نائبا لرئيس اللجنة الثالثة (اللجنة الاجتماعية والإنسانية والثقافية) التابعة للأمم المتحدة، على رأس اجتماع في عام 1958 بشأن مشروع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية - الذي بُني على تحقيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وباستخدامه كأساس للعهد. (من صور الأمم المتحدة)
وهذا الإعلان يعد بمثابة الاعتراف الدولي بأن الحقوق الأساسية والحريات الرئيسية تعد متأصلة لدى كافة البشر، وهي غير قابلة للتصرف وتنطبق على الجميع في إطار من المساواة، وأن كلا منا قد ولد وهو حر ومتساو من حيث الكرامة والحقوق. ومهما كان هناك اختلاف بيننا فيما يتعلق بالجنسية أو مكان الإقامة أو نوع الجنس أو المنشأ القومي أو العرقي أو اللون أو الدين أو اللغة أو أي حالة أخرى، يلاحظ أن المجتمع الدولي قد قام في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948 بإعلان التزامه بتأييد حقنا جميعاً في الكرامة والعدالة.
أسس مستقبلنا المشترك
خلال السنوات، تحول الالتزام ذي الصلة إلى قانون، سواء في قالب معاهدات أو قوانين دولية عرفية أو مبادئ عامة أو اتفاقات إقليمية وقوانين محلية، حيث يتوفر التعبير عن حقوق الإنسان وضمانها. وقد أفضى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى إلهام ما يزيد عن 80 من معاهدات وبيانات حقوق الإنسان الدولية، إلى جانب عدد كبير من اتفاقيات حقوق الإنسان الإقليمية وصكوك حقوق الإنسان المحلية والأحكام الدستورية أيضاً، مما يشكل نظاماً شاملاً وملزماً من الناحية القانونية فيما يتصل بتعزيز وحماية حقوق الإنسان.
وبناء على منجزات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فقد دخل حيز النفاذ في عام 1976 العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد أبرز هذان العهدان معظم الحقوق المكرسة اليوم في العهد، وجعلاها ملزمة بالفعل للدول التي صدقت عليهما. وهما يتضمنان حقوقاً عادية من قبيل الحق في الحياة والمساواة أمام القانون وحرية التعبير، إلى جانب الحق في العمل والضمان الاجتماعي والتعليم. وبالإضافة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يراعى أن العهدين يشملان الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
وبمرور الوقت، أصبحت معاهدات حقوق الإنسان الدولية أكثر تركيزاً وتخصصاً، سواء بشأن القضايا قيد النظر أم الفئات الاجتماعية التي تتوخى حاجتها إلى الحماية. ومجموعة قوانين حقوق الإنسان الدولية مستمرة في التزايد وفي التطور أيضاً، وكذلك في إبراز الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، مما يعني تناول الشواغل من قبيل التمييز العنصري والتعذيب وحالات الاختفاء القسري وأمور الإعاقة وحقوق النساء والأطفال والمهاجرين والأقليات والشعوب الأصلية.
القيم العالمية
إن المبادئ اِلأساسية لحقوق الإنسان، التي وردت لأول مرة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، من قبيل العالمية والترابط وعدم التجزئة والمساواة والبعد عن التمييز ، إلى جانب شمول حقوق الإنسان في وقت واحد لكل من الحقوق والالتزامات المتصلة بأصحاب الحقوق والمسؤولين، قد تكررت في العديد من اتفاقيات وإعلانات وقرارات حقوق الإنسان الدولية. ومن الملاحظ اليوم أن كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قد وقعت، على أقل تقدير، معاهدة واحدة من معاهدات حقوق الإنسان الدولية الأساسية، وأن ثمانين في المائة من هذه الدول قد صدقت على أربع معاهدات أو أكثر، مما يوفر تعبيراً ملموساً عن عالمية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعن حقوق الإنسان الدولية.
كيف يحمي القانون الدولي حقوق الإنسان؟
يتولى القانون الدولي لحقوق الإنسان وضع التزامات يتحتم على الدول أن تحافظ عليها. وعندما تصبح الدول أطرافاً في معاهدات دولية، يراعى أنها تضطلع بالتزامات وواجبات في إطار القانون الدولي تتصل باحترام وحماية وتطبيق حقوق الإنسان. والالتزام بالاحترام يعني أنه يتعين على الدول أن تمتنع عن التدخل في حقوق الإنسان أو تقليص التمتع بها. أما الالتزام بالحماية فإنه يشترط على الدول أن تقي الأفراد والجماعات من انتهاكات حقوق الإنسان. والالتزام بالتطبيق يتضمن مطالبة الدول باتخاذ إجراءات إيجابية لتيسير التمتع بحقوق الإنسان الأساسية.
ومن خلال التصديق على معاهدات حقوق الإنسان الدولية، تتعهد الحكومات بوضع تدابير وتشريعات محلية تتسم بالاتفاق مع التزاماتها وواجباتها التعاقدية. ومن ثم، فإن النظام القانوني المحلي يوفر الحماية القانونية الأساسية لحقوق الإنسان المكفولة في إطار القانون الدولي. وفي حالة إخفاق الإجراءات القضائية في التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان، يلاحظ أن الآليات والإجراءات المتعلقة بالتظلمات الفردية متاحة على المستويين الإقليمي والدولي من أجل المساعدة في القيام، على نحو حقيقي، باحترام وتنفيذ وتطبيق معايير حقوق الإنسان الدولية على الصعيد المحلي.