بحنقٍ ومرارةٍ كبيرين تشكُو مريم، وهيَ أمٌّ لطفلِ يعاني مشاكلَ في دراستهِ بسببِ اضطراباتٍ في النطق، حالَ فلذة كبدها وقد أضحَى موضعَ تندر زملائه في القسم، فالطفل الذي يتابعُ حالته أخصائيٌّ في النطق منذُ ربيعهِ الرابع، يتحسن بصورة ملحوظة، حتَّى وإنْ كانت نتائجهُ الدراسية لا تزالُ في حدود المتوسط. التطورُ يتمُّ حسبَ الأم ببطءٍ كبير، مقارنةٍ مع تعقُّدِ المناهج الدراسية. وإذا علمنا أن الطفلَ يدرسُ في القسم الثالث بمدرسةٍ خاصة في الرباط، فإنَّ والدتهُ تضطرُّ في بدايةٍ كلِّ موسم دراسيٍّ إلى إخطارِ معلميه بما يعانيه ابنها، حتَّى يأخذوا مرضهُ بعينِ الاعتبارٍ، أملاً في مساعدته على العلاج.
بيدَ أنَّ الأمَّ تستغربُ إقدامَ إدارة المدرسة على جعلِ ابنها يرسبُ. حتَّى وإن لم تكنْ نتائجهُ سيئة على الدوام، إذ إنَّ الإدارة لا تسعَى حسب السيدة، إلا إلَى الإبقاء على أفضل التلاميذْ داخلَ مدرستها، دونَ أنْ توليَ اهتماماً يذكر لمنْ يعانونَ من صعوباتٍ تتصلُ بحالتهم الصحيَّة.
في واقع الأمر لا تمثلُ حالة مريم إلا غيضاً من فيض، إذ هناكَ الآلاف من الآباء الذينَ أرقهم الاضطراب في النطق لدَى فلذات أكبادهم وما دروا ما يفعلون، وَيسوؤهم أن يتمَّ النظر إلى أبنائهم في المدارس باعتبارهم كُسَالَى وأغبياء، على نحوٍ يثيرُهم، فندى مثلاً، وهيَ أمٌّ لطفل في الرابعة عشرة، تقولُ إنَّ مؤسسة من مؤسسات البعثة الفرنسيَّة، أخطرتها منذُ العام الأول لابنها في المدرسة، بمَا يعانيه من مشاكل في النطق، لتذهبَ إثرها إلى أخصائيٍ في النطق، ثمَّ إلى أخصائي آخر يعالجُ الآثار النفسية للصعوبات الناجمة عن المرض، لكن ابنها وصلَ بالكاد إلى 11 كمعدل دراسي، تقول الأم.
ندَى تردفُ أنَّها اضطرت إلى استقدامِ أساتذة إلى البيت لابنها حتَّى يدعموه في بعضِ المواد. بلغَ الابنُ اليوم المرحلة الإعداديَّة لكنَّ نتائجهُ لا تزالُ غيرَ مرضيةٍ، ففي الوقت الذي "طلبت فيه المديرة منِّي تكرار ابني للسنة الدراسية، في المنحَى نفسه للاخصائية في النطق، لم توافق المعالجة النفسانية على طرحمها، على اعتبار أنَّ القامة الطويلة لابني ستنعكسُ عليه سلباً من الناحية النفسية، وفي الختام ارتأيت حلاً آخر ونقلت ابني إلى مدرسة أخرى، يسهلُ في ظل نظامها تدريس من يعانون من صعوبات كما هو الشأن بالنسبة إلى ابني" تسطردُ الأمُّ.
سميرة قاسمي، أستاذة في كلية الحقوق بسلا، واحدةٌ من النساء اللائي نذرنَ وقتهنَّ للذود عن تلك الشريحة من الأطفال التي يعسرُ عليها النطق، وتدافعُ على نحو أربعين منهم، في إطارِ جمعية آباء وأولياء الأطفال ذوي الاضطرابات النطقية. وهيَ جمعية أنشأت بالأساس للمناداة بمتابعة الأطفال حرصا على نجاحهم المدرسي، وسعياً إلى قانون يحميهم من التهميش داخل المؤسسات.
الأستاذة قاسمي بدورها، أمُّ لطفلٍ يعاني اضطراباً في النطق، لم تعلم بها إلا بعدَ بلوغه المرحلة الابتدائية، وهيَ تسعَى منذُ ذلكَ الحين، إلى تمكين تلكَ الشريحة من الأطفال من الكشف والمتابعة بالعلاج، معتزةً اليوم بما بلغتهُ، إذ إنَّ الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين الرباط سلا زمور زعير لم تقف مكتوفة الأيدي وطلبت إثر استماعها إلى الجمعية، من المدرسين متابعة الحالات التي تعانِي من عسرٍ في النطق، معَ خصهم بوقت إضافي، مقارنةً بباقي زملائهم. وهيَ نتائجُ مشجعة، حسبَ ما أكدتهُ مديرة الأكاديميَّة، التيجانية فرتات.
الفاعلة الجمعويَّة تعول كثيرا على الأساتذة في مواكبة الأطفال ذوي الصعوبات النطقيَّة، نظراً لما يعانونهُ من صعوبات في دراستهم، وسطَ غلاء تكلفة العلاج لدَى أخصائيي النطق، التي تتراوحُ بين 150 و200 درهم، فضلاً عن قلة الأطباء المختصين في المجال بالمغرب، إذ لا يوجدُ منهم إلا زهاء أربعين طبيباً يتمركزونَ في المدن الكُبرَى، وهوَ ما يجعلُ آباء تلك الشريحة من الأطفال المرضَى حسب قاسمي مطالبين وبالانتظام لأجل الدفاع عن أبنائهم، في ظلِّ وجود وتيرتين للتعاطي معَ تلك الصعوبات؛ أولاهمَا متقدمة بالنسبة إلى تلامذة المدارس الخصوصيَّة، والأخرَى متعثرة لدَى تلامذة المدارس العمومية بسببِ ضعف الإمكانيَّات لدَى آبائهم