كيف نفسر و نحلل تصرفاتنا و التفكير غير المنطقي عند البعض :
------------------------------------------------------------------------------
أشار أحد علماء النفس المعاصرين وهو ألبرت إليس (Ellis,2003) إلى أن العبارات الذاتية التي يستخدمها الإنسان في الحديث مع ذاته هي المسؤولة عن مشاعر القلق والاكتئاب والغضب التي يشعر بها أو عن التصرفات المرتبطة بهذه المشاعر مثل الانزواء و العزلة و السلوك العدواني تجاه الذات أو الآخرين.
ويقترح إليس نموذجاً في تفسير الاضطرابات و الصحة النفسية يسميه نموذج ABC :
فالرمز A يدل على الحوادث التي نقابلها في حياتنا اليومية وهو الحرف الاول من المصطلح (Activating Events) ويعني الأحداث التي تمر بنا و التي تحرك عملية التفكير لدينا وتؤدي إلى حالة انفعالية مثل الشعور بالارتياح أو الانزعاج .
هذه الأحداث تشمل كل ما يواجهنا في حياتنا، مثل الاستيقاظ في وقت مبكر أو متأخر، النظر إلى الساعة وملاحظة ضيق الوقت اللازم لكي نعد أنفسنا للذهاب للعمل، النظر من النافذة وملاحظة أن الدنيا تمطر، اكتظاظ الحافلة التي نستقبلها بالركاب، مشاهدة شخصين يتشاجران في الطريق، سيارة تمر مسرعة وترشقنا بمياه الأمطار المتجمعة، زميلنا يمر دون أن يلقي التحية، مدير المدرسة يبدو متجهماً...
أما الرمز (B) فيدل على نظام المعتقدات لدينا (Belief System) وهو يتألف من القناعات الموجود لدينا و التي تظهر في حديثنا مع الذات بعد إدراكنا للحادث (A). فمثلاً مجرد الاستيقاظ المبكر قد يجعل الشخص يفكر بأنه يتمنى لو يتاح له المجال لينام فترة أطول، وأن من المؤلم أن تسير الأمور على غير ما يتمنى.
أما الرمز ( ( C فيشير إلى النواتج الانفعالية أو السلوكية التي تظهر في هذا الموقف (Consequences). وفي المثال الذي ذكرناه،فإن الاستيقاظ المبكر سوف يعطي الشخص شعوراً بالانزعاج وقد يعرب عن تذمره من الحياة وقد يقطب جبينه ويظهر في وضع غير مريح لمن يراه. ومنظره المتجهم هو حدث بالنسبة للشخص الذي ينظر إليه (A) يستثير نظام المعتقدات لدى الناظر (B) فيؤدي إلى نواتج انفعالية لديه وسلوك (C). فقد يفكر الشخص الثاني: إن وجهه يتكدر عندما يراني.لا شك أنه لا يحبني، وينتقل من ذلك إلى الشعور بالانزعاج.
والناس يفكرون عادة بأن الحوادث التي يتعرضون لها هي السبب في ما يشعرون به من انزعاج أو تعاسة أو اكتئاب أو غضب أو صراخ. أي أنهم يعتقدون بأن (A) هي سبب (C).
ففي المثال السابق قد يقول الشخص الأول بأن الاستيقاظ المبكر هو سبب شعوري بالانزعاج وما تبعه من تجهم وتقطيب، ويقول الثاني بأن تجهم الشخص الأول هو السبب في شعوره بالانزعاج.
وهذا التفكير في رأي (إليس) غير صحيح لأن ما أدى إلى تقطيب الشخص الأول هو تفكيره بأن من المؤلم أن تسير الأمور على غير ما يتمناه. وما أدى إلى انزعاج الشخص الثاني هو استنتاجه الخاطئ بأن الشخص الأول لا يحبه ووجود اعتقاد لديه بأنه يجب أن يكون محبوباً.
أي أن الحوادث (A) ليست السبب المباشر الذي أدى إلى النواتج (C)، بل نظام المعتقدات (B) هو السبب المباشر للنواتج (C). فإذا كانت النواتج التي أعيشها في حياتي اليومية غير مناسبة وغير مريحة، فإن علي أن أعيد النظر في نظام المعتقدات الذي أستخدمه في فهم الحوادث وتفسيرها وتقييمها.
ويمكن تلخيص أفكار (إليس) حول العلاقة بين نظام المعتقدات لدى الفرد و الاضطرابات الانفعالية على النحو التالي:
1. الإنسان كائن عاقل وعندما يفكر بطريقة عقلانية يكون منتجاً وسعيداً.
2. قد يفكر الإنسان بطريقة غير عقلية وغير منطقية مما يؤدي إلى خفض الإنتاجية و إلى الشعور بالتعاسة أو الاضطراب الانفعالي.
3. ينشأ التفكير غير العقلي أو غير المنطقي لدى الفرد من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية.
4. يتم التفكير عن طريق الرموز و اللغة باستخدام الحوار الداخلي أو الحديث مع الذات. و التفكير غير المنطقي يؤدي إلى حالة انفعالية غير مريحة، وتستمر الحالة الانفعالية باستمرار التفكير الذي أنتجها.
5. إن الاضطراب الانفعالي ليس نتيجة مباشرة للأحداث التي نواجهها في حياتنا وإنما هو نتيجة لما تثيره تلك الأحداث لدينا من أفكار.
6. ينبغي على الفرد أن يلاحظ الأفكار غير المنطقية لديه و التي أدت إلى الانفعالات السلبية وأن يعمل على تحديدها ومراجعتها وتصحيحها ليستبدل بها أفكاراً عقلية منطقية.
كما أظهرت الدراسات ارتباط الأفكار اللاعقلانية بالاكتئاب والغضب وسلوك العزلة والانطواء والسلوك العدواني.