الأسباب الحقيقية لانتشار الرشوة والفساد؟!!!
علماء الإجتماع: الفساد ظاهرة عالمية وأصبح نسيجا من الحياة الاجتماعية!!
علماء القانون والقضاء: القانون حدد العقوبة ولكن يبقى إيجاد الحلول
علماء الدين: الإسلام وضع الأساس الصحيح للمجتمع الإنسانى
تحقيق – عبد العزيز سليمان
الرشوة من أكثر صور الفساد تفشيا فى المجتمعات الإنسانية المعاصرة سواء فى دول العالم الأول أو العالم الثالث!
فلا يكاد يمر يوم إلا ونقرأ أو نسمع عن جريمة رشوة متهم فيها موظف كبير أو مسئول بارز فى أحد قطاعات العمل الحكومى أو الخاص، كل هذا يشير إلى مدى الخطر الداهم الذى يهدد مجتمعنا.
وضعنا الظاهرة أمام علماء الاجتماع والقانون والقضاء والدين ليحددوا لنا أسبابها والدافع إليها وسبل التصدى والحد منها...
فى البداية تؤكد الدكتورة حنان محمد سالم مدرس علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس، أن الفساد ظاهرة عالمية، فلا يوجد أى مجتمع من المجتمعات سواء فى دول العالم الأول أو دول العالم الثالث مستثنى من هذه الظاهرة، وانتشار الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ والوساطة وكلها تعتبر من صور الفساد.
وتعرف د. حنان سالم الفساد على أنه إساءة استغلال السلطة المرتبطة بمنصب معين سواء كان شغل هذا المنصب عن طريق التعيين أو عن طريق الإنتخاب، ويتم استغلاله بهدف تحقيق مصالح شخصية على حساب المصالح العامة.
ولدينا عدة أنواع وأشكال من الفساد ويوجد بصفة أساسية الفساد الكبير والفساد الصغير، والفساد الكبير مرتبط بالمناصب الكبيرة والصغيرة مرتبط بالمناصب الصغيرة، ومن الصعب أن نتخيل أن تختفى الظاهرة كلية وأن يوجد مجتمع نقى 100%.
ظاهرة إجتماعية
وتشير د. حنان إلى أن الدول المتقدمة استطاعت تحجيم وتقليص للفساد، لأنها نظرت إليه على أنه ظاهرة اجتماعية وأن الآثار المترتبة عليه هى آثار مدمرة ستعرقل عملية التنمية سواء للفرد أو المجتمع، وهذه الدول عندها مساحة كبيرة من الديمقراطية والشفافية والمسائلة، وهذه هى أهم شروط مقاومة الفساد فى العالم الأول ولا فرق عندهم بين مسئول كبير ومسئول صغير، ولا يوجد مسئول أكبر من القانون ولا يعترفون بشئ اسمه "ليس فى الإمكان أفضل مما كان"ولا أن الحكومات لا تخطئ!!
ودول العالم الثالث تنظر إلى الفساد على أنه حالات فردية وأن ليس المجتمع كله فاسد، وتتم عملية تعتيم ومهادنة مع الظاهرة السلبية ولا تحدث عملية التحجيم وتنتعش وتكبر وتكون مثل المرض السرطانى الذى ينتشر فى الجسم ويصل لدرجة لا تستطيع اللحاق به ويتحول إلى حالة ميئوس منها ونتقبل الوضع على ما هو عليه.
والذى يحدث على مستوى المجتمع الإنسانى أن الفساد عندما ينتشر بهذه الصورة الكبيرة ويكون جزء من نسيج الحياة الإجتماعية يحدث لدينا شئ اسمه "ثقافة الفساد" وهى أننا نعلم أن هناك فساد ونتكيف معه، فنجد مواطن صالح وضد الرشوة وغيرها يخرج حالا سواء برضائه أو بغير رضائه ويعطيه لموظف حتى تنتهى المصلحة.
والمشكلة أيضا ليست فى اكتشاف الفساد ولكن فى إدانته بمعنى أننا نسمع كثيرا عن أسماء بكيرة ولامعة فى عالم المال والاقتصاد والإعلام يتم القبض عليها ولكن عند نقطة الإدانة نجد أن الأمر يختلف من خلال ثغرات فى القانون، حتى بعد دخول السجن شكل العقاب الكامل عندنا غير موجود.
رأى القانون
من جانبه يقول الدكتور/ مدحت رمضان استاذ القانون الجنائى بكلية الحقوق جامعة القاهرة، أن المشرع يعاقب على جريمة الرشوة فى المواد من "103 – 111" من قانون العقوبات وتنص على "كل موظف عمومى طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لأداء عمل من أعمال الوظيفة يعد مرتشيا"ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة لا تقل عن 1000 جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به.
وفى المادة "103 مكرر" تعتبر فى حكم المرتشى ويعاقب بذات العقوبة المنصوص عليها فى المادة السابقة "كل موظف عمومى طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لأداء عمل يعتقد خطأ أو يزعم أنه من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه.
وهذا يعنى أنه يستوى أن يكون الموظف مختص أو يعتقد خطأ أنه مختص أو يزعم وينصب من أجل أن صاحب المصلحة يعطيه الوعد أو العطية.
والمشرع فى المادة 104شدد العقوبة إذا كان الطلب لنفسه أو لغيره أو القبول أو الأخذ بالإمتناع عن عمل من أعمال الوظيفة والإخلال بواجباتها، فجعل العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة وضعف الغرامة النسبية.
ويرى د. مدحت رمضان أن سبب انتشار الرشوة هو الخلط بين المفاهيم وانعدام الأخلاق لدى البعض واحتكاك الموظف بالجمهور فى أحيانا كثيرة فى أمور تتعلق بمبالغ كبيرة مقابل مرتب منخفض لهذا الوظف البسيط فيترتب على ذلك أنه يبدأ يفكر لماذا لا يتربح بصورة أو بأخرى من وظيفته، فهى مسألة متكاملة لذلك لابد من أن تكون هناك معايير محددة ومعروفة عند اختيار الموظف العام ويكون أمين ومن أسرة طيبة ولا تهزه المظاهر والمنافع المادية، لأن المجتمع أصبح استهلاكى وبناء عليه أدى إلى وجود متطلبات قد تجعله ينزلق إلى الجريمة لكى يتكسب من الوظيفة العامة.
ويؤكد د.رمضان أن الوقاية خيرا من العلاج لأن تكدس الإدارات الحكومية بالموظفين ليس لهم فائدة، فيجب تقليل أعدادهم ورفع كفاءة الباقين منهم ورفع مرتباتهم وعمل دورات تدريبية لهم.
كذلك لابد من وجود سياسة الورقة الواحدة من خلال عمليات إرشادية توضح حقوق وواجبات المواطن والخطوات التى يجب أن يتبعها عند الرغبة فى إنهاء مصلحة معينة.
أركان الرشوة
ويقول مصدر قضائى: أن ما يطلبه الموظف أو تقدم بالعطاء فقبله على ذلك تكون العبرة فى جريمة الرشوة بسلوك الموظف لا بسلوك الطرف الآخر فتقع الرشوة متى قبل الموظف ما عرض عليه قبولا صحيحا بهدف العبث بأعمال وظيفته ولو كان الطرف الآخر غير جاد فى عرضه ولا تقع الرشوة إذا لم يكن الموظف جاد فى قبوله كما لو تظاهر بالقبول ليسهل القبض على من يحاول إرشاؤه متلبسا بجريمة عرض الرشوة.
ويضيف المصدر القضائى أن الموظف المرتشى يشغل السلطات المخولة له بمقتضى هذه الوظيفة وهى مظهر من مظاهر التدهور الأخلاقى، وقد يتوسط بين الراشى والمرتشى شخص ثالث وهو "الرائش".وسماه القانون الوسيط، وعالجته المادة 107 مكرر و108 و110 وهو يعتبر ممثلا لمن كلفه بالوساطة فليس له عمل مستقل فى جريمة الرشوة بل هو رسول أحد الطرفين إلى الآخر وقد يكون رسولا مشتركا بينهما فهو فى مركز الشريك، والقانون لم يقتصر على عقاب الوسيط الذى قام بالوساطة فعلا، وإنما تناول بالتجريم أيضا من عرض أو قبل الوساطة فى رشوة ولم يتعد عمله مجرد العرض أو القبول فجعل من فعله جريمة.
ويحدد المصدر ثلاث أركان لجريمة الرشوة الأول يتعلق بالصفة الخاصة للمرتشى إذ يتعين أن يكون موظفا عاما أو ممن يعدون فى حكمه والثانى: هو المادى وهو الطلب أو القبول أو الأخذ والثالث: هو الركن المعنوى أو القصد الجنائى.
البعد عن الدين
و يقول الدكتور البدراوى زهران رئيس قسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة قناة السويس وعميد كلية الآداب بقنا سابقا، الرسول صلى الله عليه وسلم وضع الأساس المتين لبناء المجتمع السليم ولاس يما فيما يتصل بقضية الرشوة فقال عنها رسول الله "الراشى والمرتشى فى النار" فهى عمل لا أخلاقى ويتنافى مع الدين ومع صالح المجتمع ولا تقره المجتمعات ولا الشرائع السماوية كلها أو الصالح العام ولا الضمير السليم، ولو تأملنا لما جاء فى القرآن الكريم وهو الدستور الأساسى لنا: يقول تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون).
وحديث الرسول واضح فى هذا الأمر، وما كان يحدث أيام الرسول من العمال الذين كان يبعث بهم إلى الأنصار حينما جاء أحد العمال الذين كانوا يجمعون الزكاة فقال هذا لكم وهذا أهدى لى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مبدأ عام لنا وفى استفهام استنكارى له غرض واضح جدا:"هلا جلس أحدكم فى بيت أبيه وأمه ثم انتظر حتى يهدى إليه".
وما يأخذه أى موظف ويحصل عليه إنما هو ليس له، والرسول أوضح حينما طلب منه أسامة بن زيد وهو حبر رسول الله أن يشفع فى الغامدية فقال له الرسول "أتشفع فى حدا من حدود الله والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها"، وهذا هو المبدأ العام الذى وضعه الإسلام الحنيف لمجتمعنا والذى كان سببا فى رقى المجتمع الإسلامى والذى جعل الحضارة الإسلامية تتباهى على العالم وتقدم للإنسانية كلها أعظم ما قدم فى كل العصور من صور حضارية وإنشانية راقية تصلح لكل مكان وزمان وتتقدم به.
ويضيف د. زهران أن الذين يرتشون هذه الأيام يضعون مبررات فمنهم من يقول:إن راتبى صغير وأنا أعطى الدولة على قدر ما تعطينى، ومنهم من يقول أنا أعطى وأقدم خدمات وعملى يساوى الآلاف ولا آخذ شيئا مقابلا لها "أأنفع الناس ولا أنفع نفسى؟"فكل هذا لا قيمة له أمام الله وقت الحساب الذى سيكون عسيرا فى الدنيا والآخرة.
وعدم الاخلاص فى العمل والتقصير فيه نوع من الرشوة وعدم إنجازه فى موعده فى إنتظار رشوة ومحاولة لأخذ أموال الناس بالباطل "والرسوب نبهنا وقال "كل لحم نبت من حرام مأواه النار".
"عندما أمر الله جبريل بأن يهلك قرية قال جبريل إن بها رجلا صالحا، قال عز وجل: به فابدأ لأنه لم يؤثر فيهم!!!