كل ما يسبب الفشل الدراسي
السلام عليكم
موضوع ثقيل شوية اعرف ولكنه غني بحقائق علمية أتمنى لكم الاستفادة..فترة غيابي الان اقضيها مع هذا النوع من الكلمات فقط دون غيرها.....
في سوسيولوجيا الفشل الدراسي
لنبدأ من سؤال في الماهية، ما هو الفشل الدراسي؟ هل هو نتاج عوامل ذاتية ترتبط بالفرد وبنيته النفسية وعدم قدرته على التفاعل مع ما تقدمه المدرسة؟ أم هو نتاج عملية معقدة يصعب الحسم في أمر علتها ويصعب إرجاعها إلى عوامل محددة، بما هي ظاهرة إنسانية؟ وما هي المقاربات الكفيلة بالوقوف على بعض جوانب الظاهرة؟ وكيف يشكل فهم الفشل الدراسي محطة مركزية في فهم الفشل الاجتماعي والمهني؟
تلك بعض الأسئلة التي سنحاول مقاربتها اعتماداً على تصور تمهيدي، قوامه أن الفشل الدراسي باعتباره ظاهرة تربوية إنسانية معقدة، لا يمكن القبض على جميع جوانبها في غياب مقاربة تكاملية، تأخذ بعين الاعتبار مختلف التخصصات، لأن أي مقاربة أحادية البعد لا يمكن إلا أن تحكم على نفسها بالقصور.
ومن هذا المنظور، فان حدود هذه الورقة لا تسمح بالإحاطة بجميع مناحي أشكال الفشل الدراسي، حيث أنها تخضع منهجياً وعن قصد لتأطير يندرج ضمن سوسيولوجيا التربية التي تجد في مقاربة إعادة الإنتاج خلفيتها النظرية، عبر استعراض رؤية هذه المقاربات وكيفية تفسيرها للفشل الدراسي، من خلال النظر إلى النظام التعليمي من الداخل، والتركيز على البعد الثقافي لدور المدرسة في إنتاج الفشل وترويجه، وثمة دور إسهامي لكل من التناقض الكامن بين ثقافة الآباء والأبناء من جهة، ولثقافة المسيطرين من جهة أخرى، حيث كلاهما يسهم بدوره في إنتاج مختلف أشكال الفشل الدراسي، وفي التأثير على الفرد وعلى مكانته السوسيومهنية.
ما هو الفشل الدراسي؟
يعرف معجم علوم التربية1 الفشل الدراسي من منطلقات متعددة، ويطلق عليه تعاريف وتسميات نذكر منها:
التخلف الدراسي صفة للتلاميذ الذين يكون تحصيلهم الدراسي أقل من مستوى أقرانهم، أو يكون مستواهم التحصيلي أقل من نسبة ذكائهم.
المتخلف دراسياً هو ذلك الذي ترتفع نسبة ذكائه على 70 درجة، وتنخفض عن 90 درجة، أي المستوى الأعلى لضعاف العقول.
التعثر الدراسي فارق سالب بين الأهداف المتوخاة من الفعل التربوي والنتائج المحققة فعلياً، كما يتجلى في المجال العقلي المعرفي، أو الوجداني الحسي الحركي، وترجع أسبابه إلى معطيات متفاعلة ومتفارقة من مثل مواصفات التلميذ، أو عوامل المحيط، أو سيرورة الفعل التربوي. ويتطلب هذا الفارق إجراءات تصحيحية لتقليصه بأساليب قد تكون بيداغوجية أو غير بيداغوجية... وبهذا المعنى، فإن التعثر الدراسي هو ذلك الفارق الملاحظ بواسطة أدوات القياس بين أهداف التعليم وبين النتائج الفعلية التي توصل لها التلميذ.
الوقوف على تعاريف الفشل الدراسي على اختزاليتها تحيل على مستويات عدة، ففي الوقت الذي يحصره التعريف الأول في خلل في ذكاء الطفل مقارنة مع أقرانه، يعزوه الثاني إلى ضعاف العقول، فيما يرجعه الثالث إلى تفاعل مجموعة من المعطيات من قبيل مواصفات التلميذ، أو عوامل المحيط، أو سيرورة الفعل التربوي ونتائجه.
تقدم هذه التعاريف على اختلاف مستوياتها الفشل الدراسي في ارتداد إلى حقل اشتغال معين، يتراوح بين البعد السيكولوجي والسوسيولوجي، مروراً بالمقاربة التفاعلية ذات البعد التكاملي.
لكن بعيداً عن لغة التعاريف المعجمية، يمكن التساؤل: إلى أي حد تمثل الجوانب النفسية عوامل يرتد إليها الفشل الدراسي؟ وألا يشكل هذا التأويل أيديولوجية حاول علم النفس جاهداً التخلص منها؟ وألا يشكل عزو الفشل الدراسي إلى "ضعف في العقول" نظرة اختزالية تسقط من حسبانها مختلف العوامل المؤثرة في الظاهرة باعتبارها إنسانية معقدة؟ وكيف يشكل الفشل الدراسي فشلاً اجتماعياً يقود الفرد إلى فشل سوسيومهني؟
يقول ميشيل لوبرو2 "إن الطفل لا يكف عن موقعة نفسه اجتماعياً وثقافياً، ولهذا يمكن القول إن الطفل كما الراشد كذلك وهو يقرأ.. يكتب.. يفكر.. ينتج إنما يسعى دائماً إلى تعيين وضعه في الفضاء الاجتماعي والثقافي". وبهذا المعنى تصبح المدرسة وهي تحكم على أحد الأطفال بالفشل الدراسي مؤسسة تموقع الأفراد وتصنفهم بحسب درجة قبولهم أو رفضهم لمنتوجاتها؛ لأنها كما يقول جورج لاباسد3 "ليست مجرد وسيط محايد لنشر المعرفة والقيم، أو مكان يتم فيه الاتصال ما بين المعرفة والطلاب، بل هي فوق ذلك كله تعبير عن الأيديولوجيا السائدة وإحدى الأدوات المهمة لنشرها".
وانطلاقاً من هذا التحديد لدور المدرسة باعتبارها وسيطاً غير محايد لنشر المعرفة، يمكن التساؤل كيف يشكل الفشل الدراسي أداة من أدوات الضبط، وفرضاً لتعسف ثقافي بلغة بورديو، فالطفل الذي يفشل دراسياً ليس ذلك الذي لا يكتسب معرفة معينة يمكن أن يستفيد منها:"إنه كذلك طفل يتعرض لإقصاء اجتماعي يطبع حياته ويؤثر على تاريخه".4 إنه، إذن، ميكانيزم من ميكانيزمات الضبط التي تعتمدها المؤسسة التربوية باعتبارها أحدى أجهزة القمع الرمزي حسب تعبير التوسير "إنها بهذا المعنى محدثة لتمرير مجموعة من المعارف التي لا تستطيع الأسرة تمريرها بشكل عفوي".5 وهذا الفهم يقود إلى تساؤل مركزي قوامه كيف يشكل الفشل الدراسي نتاجاً لوظيفة المدرسة؟
وظيفة المدرسة والفشل الدراسي
دشن كتاب الورثة لصاحبيه بورديو وباسرون مرحلة جديدة في الأبحاث المتعلقة بالأنظمة التعليمية، فلقد أعاد النظر في المقاربات السائدة آنذاك، والمرتكزة على فهم النظام التربوي من الخارج، حيث أصبحت إشكاليات المدرسة من قبيل عدم تكافؤ الفرص، ومحتوى البرامج، واللغة المستعملة، والعلاقات التربوية، إشكاليات داخلية، وأصبحت بالتالي الأسئلة من مثل ما الميكانيزمات المتحكمة في عدم تكافؤ الفرص وغيرها تجد لها أجوبة في دراسة الميكانيزمات الداخلية للنظام التربوي في أبعاده العلائقية.
1. أطروحة إعادة الإنتاج
تعمل المدرسة حسب بورديو وباسرون وفق تقسيم المجتمع إلى طبقات، وهي بذلك تكرس وتعيد وتحافظ على الوضع القائم الذي أنتجها، يقول:6 "كل فعل بيداغوجي هو موضوعياً عنف رمزي، ومنذ البداية أي قبل ولوجهم(الأطفال) المدرسة غير متساويين أمام المدرسة والثقافة؛ أي غير متساويين في الرأسمال الرمزي، باعتباره تلك المهارات اللغوية والقيمية التي تسهل عملية التلاؤم والتواصل التربوي". ويؤدي هذا الوضع إلى إعادة الإنتاج من خلال سعي المدرسة إلى الحفاظ على وظيفتها في إعادة إنتاج المعايير الثقافية واللغوية، وهي حسب بورديو دائماً معايير الطبقة السائدة، إنها أقرب إلى لغة المسيطرين.
ومن أجل توضيح ذلك، عمد بورديو إلى نحت معجم مفاهيمي جديد يمكن تلخيصه إلى جانب الرأسمال الرمزي في الايتوس7 والأبيتوس؛ ويعني الأول ذلك النظام القمعي المستبطن بعمق، الذي يشتغل لصالح الطبقات المسيطرة، ما يفرز الأبيتوس كتهيؤ ذهني واستعداد داخلي لدى الأفراد لقبول السيطرة، وهو ما يسعى النظام التربوي إلى ضمانه من خلال تعسف ثقافي يعيشه طفل الطبقات الدنيا، حسب بورديو، بفعل ما تفرضه ثقافة المدرسة من عزلة، فيما يستفيد طفل المسيطرين من الاستمرارية والتكامل بين ثقافته وثقافة المدرسة، ما يسهل للثاني عملية التوافق، ويحرم طفل الطبقات الدنيا من ذلك ليحكم عليه بالاغتراب8 والانفصال عن ما تقدمه المدرسة من منتوج. كما يؤدي في الوقت نفسه إلى اغترابهم عن الطبيعة وعن ذواتهم، وذلك بفعل اشتغال النظام التربوي خارج الإطار المرجعي الثقافي لطفل الطبقات الدنيا، فيصبح ما تروجه المدرسة شيئاً خارجياً عن الطفل، وليس جزءاً من طبيعته، ما يولد لديه شعوراً بالبؤس وعدم الرضا والفشل المسبق. فطفل الطبقة الدنيا يعيش قطيعة وتناقضاً بين ثقافته وثقافة المدرسة، ومن ثمة فإن توافقه يغدو، حسب (perrenaud)،9 معقداً ما دام التوافق مشروطاً بعملتي الانحلال من الثقافة (déculturation)، ثم ثانياً بعملية المثاقفة (acculturation).
تحصر أطروحة بورديو الأهداف الضمنية للمدرسة في خدمة الطبقة المسيطرة، ومن ثمة فإن النجاح المدرسي يكون من نصيب هذه الأخيرة، في حين أن الفشل الدراسي الناتج عن انعدام التكامل بين المدرسة والطبقة الدنيا يكون من نصيب أبنائها.