يقول الحق سبحانه وتعالى في مستهل سورة المؤمنون: “قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون.والذين هم للزكاة فاعلون. والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك
هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون. الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون” (الآيات 1 11).
من صفاتهم أنهم في صلاتهم خاشعون، بحيث لا يشغلهم شيء وهم في الصلاة عن مناجاة ربهم، وعن أدائها بأسمى درجات التذلل والطاعة. ومن مظاهر الخشوع كما يقول الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر في تفسيره لهذه الآية- أن ينظر المصلي وهو قائم إلى موضع سجوده وأن يتحلى بالسكون والطمأنينة وأن يترك كل ما يخل بخشوعها كالعبث بالثياب أو بشيء من جسده، فقد ابصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: “لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه”. قال القرطبي: اختلف الناس في الخشوع هل هو من فرائض الصلاة أو مكملاتها على قولين والصحيح الأول ومحله القلب.
عفة وطهارة
وقوله سبحانه “والذين هم عن اللغو معرضون” بيان لصفة ثانية من صفات هؤلاء المؤمنين.واللغو: ما لا فائدة فيه من الأقوال والأعمال، فيدخل فيه اللهو والهزل وكل ما يخل بالمروءة وبآداب الإسلام.أي أن من صفات هؤلاء المؤمنين أنهم ينزهون أنفسهم عن الباطل والساقط من القول أو الفعل،
ويعرضون عن ذلك في كل أوقاتهم لأنهم لحسن صلتهم بالله تعالى اشتغلوا بعظائم الأمور، وهم كما وصفهم الله سبحانه في آية أخرى “وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه”.
أما الصفة الثالثة من صفاتهم فقد بينها سبحانه بقوله: “والذين هم للزكاة فاعلون” ويرى اكثر العلماء أن المراد بالزكاة هنا زكاة الأموال. أي أن من صفات هؤلاء المؤمنين انهم يخرجون زكاة أموالهم عن طيب نفس.ثم بيّن سبحانه الصفة الرابعة من صفاتهم فقال: “والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين”.. أي أن من صفات هؤلاء المؤمنين أنهم أعفاء ممسكون لشهواتهم لا يستعملونها إلا مع زوجاتهم التي أحلهن الله تعالى لهم، أو مع ما ملكت أيمانهم من الإماء والسرارى.. وذلك لأن من شأن الأمة المؤمنة إيمانا حقا أن تصان فيها الأعراض،
وأن يحافظ فيها على الأنساب.
أما الصفة الخامسة من صفات هؤلاء المفلحين فقد عبر عنها سبحانه بقوله: “والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون” والأمانات تشمل جميع التكاليف التي كلفنا الله بأدائها كما تشمل الأموال المودعة، والأيمان والنذور والعقود وما يشبه ذلك. والعهود تشمل كل ما يطلب من المؤمن الوفاء به من حقوق الله تعالى وحقوق الناس. أي أن من صفات هؤلاء المفلحين انهم يقومون بحفظ ما ائتمنوا عليه من أمانات ويوفون بعهودهم مع الله تعالى ومع الناس، ويؤدون ما كلفوا بأدائه
من دون تقصير أو تقاعس وذلك لأنه لا تستقيم حياة أمة من الأمم إلا إذا أديت فيها الأمانات وحفظت فيها العهود.
الحفاظ على الصلاة
أما الصفة السادسة والأخيرة من صفات هؤلاء المؤمنين الصادقين فهي قوله تعالى: “والذين هم على صلواتهم يحافظون” أي أن من صفاتهم أنهم يحافظون على الصلوات التي أمرهم الله بأدائها محافظة تامة بأن يؤدوها في أوقاتها كاملة الأركان والسنن والآداب والخشوع ولقد بدأ سبحانه صفات
المؤمنين المفلحين بالخشوع في الصلاة وختمها بالمحافظة عليها للدلالة على عظم مكانتها وسمو منزلتها.
وبعد أن بين سبحانه تلك الصفات الكريمة التي تحلى بها أولئك المؤمنون المفلحون وهي صفات تمثل الكمال الإنساني في أنقى صوره. بين سبحانه ما اعد لهم من حسن الثواب فقال: “أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون” والفردوس هو أعلى الجنات وأفضلها وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: “إذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، ومنه تفجر انهار الجنة”