مقدمة:
إن الأعمال الفنية للإنسان القديم كانت بدائية في بنائها وعلاقاتها للشكل الطبيعي والرؤية الصحيحة ثم تطورت وارتقت في العصر اليوناني والروماني حتى ظهور عصر النهضة ومن هنا بدأ فنانو عصر النهضة بالبحث والتنقيب عن قواعد جديدة مدروسة . فعلاً توصلوا لبعض القواعد ولكن ما لبث الفنانون حينما تعمقوا في عالم الطبيعة والانسان حتى أصبحت الآراء والافكار تتضارب من فنان لآخر حسب تجربة كل منهم .
1-تعريف التعبير الفني:
إن التعبير الفني استجابة عفوية لما تمليه تلك المواهب من مشاعر وعواطف وإن لكل احساس اسلوباً خاصاً يضع الصيغة التي تحقق الجمال . وإذا كانت الطبيعة بتنوع كائناتها وانسجام ألوانها واضوائها صورة حية للخلق والابداع فإن الفعالية غالباً ما تكون مليئة بالصدق والعفوية لكل أثر جميل .
2- مجالات التعبير الفني خلال عصر النهضة الأوربية:
انطلقت الحركة الفنية من إيطاليا متأثرة بالحركة الإنسية وبالآثار المتنوعة التي خلفتها الحضارات
القديمة ومستفيدة من الازدهار الاقتصادي وتشجيع الطبقات الميسورة.
تميزت النهضة الفنية بعدة خصائص، منها:
* تطور تقنيات فن الرسم كالاعتماد على الزيوت النباتية.
* تأثر الرسامين والنحات بالفن الإغريقي، وجعل الإنسان محورا لأعمالهم
وكذلك الاهتمام بالطبيعة كموضوع للوحة.
شملت النهضة الفنية أيضا الفن المعماري الذي أبدع فنانوه في بناء وزخرفة القصور والكنائس.
3-تعريف اللوحة الأصيلية:
اللوحة الاصلية هي التي يستطيع فيها صاحب الموهبة الخلاقة أن يعطيها طابعاً خاص يختلف بها عن الصورة الفوتوغرافية . أما أن يضيف أو يفك أو يحرر أو يضيء ولذلك يتطلب من الفنان الغوص في عوالم الطبيعة والانسان وأن يضع كل ذكائه ومشاعره وعواطفه لأن الطبيعة غنية بالألوان وبالتمازج الفني المتدرج المتقن ومن هذا المنطلق نرى كيف انطلق الانطباعيون الى التحرر من الاضواء الاصطناعية والخروج الى الاضواء الحقيقية الساطعة والتي تعطينا ألواناً مختلفة بين الفترة والاخرى فمثلاً ألوان الصباح تختلف عن ألوان الظهيرة وألوان الظهيرة تختلف عن ألوان المساء وذلك السبب يعود الى قوة الضوء ومدى تأثيره على الألوان الموجودة في الطبيعة والامر الذي يتحتم علينا هنا المبالغة الجريئة في الفن لمعالجة التأثيرات ومدى انعكاسها لأن انعكاس الواقع لو كان ممكناً ووضعناه على ما هو عليه هذا يعني أننانقدم صورة فوتوغرافية لا أكثر . إذاً أين الجديد وأين هي الألوان الخاصة وأين هو الخلق والابداع والابتكار لذلك كما اسلفت سابقاً إذاً كان يريد الفنان التشكيلي أن ينقل لنا منظراً ما عليه أن يضيف أو يفك أو يحرر أو يضيء ومن الممكن أن يبدل حتى بالألوان والألوان كما نعلم تطورت بفضل الانطباعيين واستطاعوا أن يعبرو بواسطة اللون كما يقول الفنان الهولندي « فان جوخ » في أحد آرائه عن اللون استطيع ان اعبر عن عاشقين بواسطة لونين متممين وأن أعبر عن الحزن ببقعة سوداء و مرض الكراهية ببقعة صفراء ونرى كيف استطاع الفنان الروسي فاسيليف كاندنيسكي أن يمزج الألوان بالموسيقا حيث يقول هناك ثلاثة مصادر للالهام وهي :
1 - تعبير كشعور داخلي يجري تشكيله على نحو من البطئ والتروي ويتم عليه التكرار وعلى نحو دؤوب وادعوا ذلك « تكوين » .
2 - انطباع مباشر عن الطبيعة الخارجية وادعوا ذلك « انطباع ».
3 - تعبير لاواعٍ الى حد كبير وادعوا ذلك « ارتجال » .
4-لغة الألوان:
ويقول الفنان الروسي فاسيليف كاندينسكي ايضاً عن عالم اللون يستطيع الفنان ان ينقل لنا افكاراً واحاسيساً بواسطة لغة اللون ذاتها واللوحة لا تشد إليها عين الناظر فقط بل وتطبع نفسها على ذاكرته البصرية زمناً طويلاً على نحو يتعذر محوه لتطفوا أمام العين حتى آخر التفاصيل . وللذوق الفني الرفيع اثراً كبيراً على الرؤية الصحيحة للعمل بارتياح من حيث الخط واللون والشكل ويجب ترك المؤثرات والانطباعات ان تترسخ في ذهن المتلقي وبصره من حيث البناء والاتقان بالجمال الذي تدركه الحواس وهذه المؤثرات اعتقد بأنها تؤثر بانطباع المتلقي زمناً طويلاً وأن الاذواق تختلف من متلقٍ لآخر ولنر ما قدمه بعض الفنانين من اجل الوصول الى العمل الفني الاصيل لقد استطاع فنانو الطبيعة أن يبرزو لنا شدة الضوء وقوة الرياح و اتجاه سير الغيوم وحركات الطبيعة بما فيها وإن الاهتمام بدراسة الظل والنور يعطي قدرات ذات طابع خاص على تحديد الاشكال بواسطة الخطوط المتحررة وهذا ما ينطبق على لوحات الفنان الهولندي « رامبرانت » لكن بصورة جديدة عندما اعتمد على التضاد اللوني ما بين الظل والنور مما يخلق جواً درامياً مسرحياً ليتعايش المتلقي معه وقد تتمثل انعكاسات اللوحة على الرؤية لبلاغة فتنتها وجمالها وإن ضربة الريشة التي وضعها الانطباعيون تثير فينا الدهشة والمتعة بل وتدخل احساسنا وعواطفنا ورؤانا حيث يتبع المتلقي ضربات أثر الفرشات وحركاتها وقوة الضوء والرياح الموجودة ليتوقف قليلاً وليحلل الألوان ومدى تناسقها وتجانسها وشاعريتها بصيغة جديدة غير مألوفة سابقاً لأنها تعكس جوهر الواقع وما فيه من اكتشافات جديدة ورؤى متغيرة ولنأخذ مثالاً بسيطاً « الفنان رينوار » عندما استطاع أ يأخذ أنواره عبر الفتحات المكونة بين اغصان الاشجار واوراقها لتتبعثر على ارجاء اللوحة حيث يضع الالوان والاضواء المتراقصة على أجساد نسائه وإن الانفعالات المملوءة بالمشاعر والخواطر الصادقة هي التي تعبر عن صدق الفنان واخلاصه وإن التحليلات والاكتشافات ناتجة عن تعامل الفنان مع الخط والشكل واللون وحسب التعمق بالتجربة لخلق التقنية وقوة الابداع في نشوء الاسلوب ونرى ايضاً كيف استطاع زعيم الواقعية « كوستاف كوربيه » ان يعطينا فهماً جديداً في عملية ثقل الاشياء وكيف عمد الفنان « ديلا كروا » لاظهار الحركة لما لها من دور هام والفنانان « جيورجيوني ورينوار » اللذان يعتبران من مبدعي النوعية في التصوير الحديث أي يمكن تقبل اللوحات وفهمها من النظرة الاولى وسيزان الذي ادت لوحاته الى ظهور التكعيبية وخلق لنا منظوراً جديداً سمي بمنظور عين الطائر ونرى « مانية ومونيه » كيف جاءا لتغيير الرؤية المألوفة واكتشاف الاشياء برؤى جديدة و « رفائيل » الذي اوجد عملية التناظر بدون أي تنظيم هندسي ونرى ذلك من خلال لوحته الشهيرة مدرسة اثينا كيف وزع الاشخاص واعتمد على الجانب الروحي بدلاً من المفهوم الدرامي والفنان تيسيان الذي استطاع ان يجد لنا مفهوماً جديداً في عملية التوازن عندما وازن بين الألوان الفاتحة والألوان القاتمة ولذلك الفن التشكيلي قابل للتأثيرات والانفعالات والتجدد في الآراء الافكار وكل هذه المصادر تتجمع في حساسية الفنان ومشاعره وهي حصيلة تجارب معقدة وإن الفنان الذي يبدل ألوانه مرة ثانية فهي ناتجة عن حالة نفسية ورؤية بصرية وإن ابتكار النوعية والرؤية في التجديد لابد منه وأن المزاج الفني قادر على ان حالة الفنان للحظات التي يتعايشها ليست عادية ولولا التناقضات والآراء المختلفة لما ظهرت كل هذه المدارس سواءاً كانت قديمة أو حديثة . ونرى كيف تجددت الاساليب والتقنيات والرؤى والافكار وكيف تطورت مفاهيم الحياة من فنان لآخر . ومن هذا المنطلق والحوار أقول بأن الفن الاصيل هو الذي يستطيع فيه صاحب الموهبة الخلاقة أن يشدنا ويلفت انتباهنا عبر لوحته التي تتسم بالفكرة والسحر والجمال وما فيها من رؤى وتعابير ومشاعر وما فيها من كل خلق وابداع وهو الذي يستطيع ان يخلق لنا لوحة فنية تشكيلية حتى ولو كان المنظر أو الموضوع المراد رسمه غير جميل بالأصل والواقع بما فيه من قذارة ونرى بعض الفنانين الذين اتجهوا لمثل هذه المواضيع واذكر على سبيل المثال الفنان موريللو عندما رسم المتسولين وأكلة البطيخ والبائعة الصغيرة وغيرها ولكن عندما نمعن النظر في لوحات هذا الفنان لاتمل ابصارنا من رؤاها لما فيها من خطوط واشكال وألوان جميلة وما فيها من كل خلق وابداع من مقومات العمل السليم استطيع القول هنا يكمن سر نجاح الفنان واصالته والفن كما نعلم هو علم قائم بذاته منه كانت الرموز وانطلقت الحضارات ولو دققنا مافي حولنا من اشياء لوجدناها كلها بالأصل ناتجة من الفن الذي يعتمد على ماهو جديد ومفيد يبدأ بالحاجة لينتهي عند الجمال