جامع قرطبة الكبير
ابتكر المسلمون علوماً جديدة لم تكن معروفة قبلهم وسموها بأسمائها العربية كعلم الكيمياء وعلم الجبر وعلم المثلثات. ومن مطالعاتنا للتراث العلمي الإسلامي نجد أن علماء المسلمين قد ابتكروا المنهج العلمي في البحث والكتابة. وكان يعتمد على التجربة والمشاهدة والاستنتاج. وأدخل العلماء المسلمين الرسوم التوضيحية في الكتب العلمية ورسوم الآلات والعمليات الجراحية. ورسم الخرائط الجغرافية والفلكية المفصلة. وقد ابتدع المسلمون الموسوعات والقواميس العلمية حسب الحروف الأبجدية. وكان لاكتشاف صناعة الورق وانتشار حرفة (الوراقة) في العالم الإسلامي فضل في انتشار تأليف المخطوطات ونسخها. وقد تنوعت المخطوطات العربية بين مترجم ومؤلف، ولم تكن المكتبات الإسلامية كما هي في عصرنا مجرد أماكن لحفظ الكتب، بل كان في المكتبة الرئيسية جهاز خاص بالترجمة وآخر خاص بالنسخ والنقل وجهاز بالحفظ والتوزيع. وكان المترجمون من جميع الأجناس الذين كانوا يعرفون العربية مع لغة بلادهم. ثم كان يراجع عليهم ترجماتهم، علماء العرب لإصلاح الأخطاء اللغوية. أما النقلة والنساخون فكانت مهمتهم إصدار نسخ جديدة من كل كتاب علمي عربي حديث أو قديم. وكانت أضخم المكتبات هي الملحقة بالجامعات والمساجد الكبرى. ففي دمشق وبغداد وفي القاهرة وفي جامعة القيروان وقرطبة، وجامعة القرويين التي تعد أقدم الجامعات الموجودة في العالم، كانت المخطوطات بهم بالآلاف في كل علم وفرع من فروع العلم. وكانت كلها ميسرة للاطلاع أو الاستعارة. فكان يحق للقاريء أن يستعير أي كتاب مهما كانت قيمته وبدون رهن. لهذا كانت نسبة الأمية في هذا الوقت، تكاد تكون معدومة. وكان تعلم القرآن كتابة وقراءة إلزامياً. بينما كانت نسبة الأمية في أوروبا فيما بين القرن التاسع وحتي القرن 12 م أكثر من 95%. ويقول المستشرق آدم متز في كتابه (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري)، أن أوروبا وقتها لم يكن بها أكثرمن عدد محدود من المكتبات التابعة للأديرة. ولا يعرف التاريخ أمة اهتمت باقتناء الكتب والاعتزاز بها كما فعل المسلمون في عصور نهضتهم وازدهارهم. فقد كان في كل بيت مكتبة. وكانت الأسر الغنية تتباهي بما لديها من مخطوطات نادرة وثمينة. وكان بعض التجار يسافرون إلى أقصى بقاع الأرض لكي يحصلوا على نسخة من مخطوط نادر أو حديث. وكان الخلفاء والأثرياء يدفعون بسخاء من أجل أي مخطوط ج