يجلس خالد في كرسيه منذ حوالي الساعة الثانية، يختار أفضل الأماكن المقابلة لشاشة البلازما المنتصبة في ركن عالي من جدران المقهى، يطلب قهوة "نص نص"، ثم يردد" الله يعميها للرياليين فهاد الماتش"، خلفه مباشرة كان محمد يرفع علم الفريق الملكي مجيبا:"عنداك غير يديرها بيكم كريستيانو عاوتاني"، كلامهما الثنائي في هذه المقهى السلاوية يتكرر تقريبا في كل مرة يلتقي فيها أعجوبتا البطولة الإسبانية.
دقت الساعة الثالثة، معلق المباراة يعلن أن ريال مدريد يدخل المباراة تقريبا بفريقه الثاني دون رونالدو وأوزيل وألونسو وديماريا، بينما حضر أغلب مقاتلي برشلونة باستثناء اكزافي المصاب، وَقْع هزيمة الأربعاء الماضي لا زال دويه حاضرا عندما قاد الدون البرتغالي فريق العاصمة إلى فوز مستحق بمعقل البرشلونيين، عشاق برشلونة لا يرون عن الانتقام بديلا، بمشاعر متباينة بين الفرح بغياب النجوم المدريديين، وبين الغضب من مورينيو الذي يبدو وكأنه يستهزأ بقدرات رفاق ميسي في قلب الطاولة والخروج من دوامة النتائج السلبية.
خمس دقائق كانت كافية لإعلان التقدم المدريدي، جاب محمد بعلمه جنبات المقهى وهو يردد "هالا مدريد"، قبل أن يرد عليه خالد بصرخة اخترقت أسماع الحاضرين عندما تمكن الأعجوبة الثامنة ميسي من إدراك هدف التعادل، ليبدأ شد الحبل بين المتفرجين حول توقعاتهم بنتيجة المباراة التي كانت متكافئة كثيرا في شوطها الأول، ولم تحمل الكثير من الأحداث، رغم أن مشجعا برشلونيا بالمقهى أسقط قنينة غازية من فوق طاولته، عندما أهدر ميسي هدفا محققا، صوت تكسيرها لفت انتباه النادل الذي أرسل نظرة لوم كبيرة للمشجع، ثم اتجه نحوه لململة الزجاج المكسور دون أن يتبادل معه أية كلمة.
أطفال صغار التحقوا بالمقهى لمتابعة المباراة، كان واضحا أنهم غير قادرين على دفع ثمن "لاكونسوماسيون"، نادل المقهى تساهل معهم وتركهم يتابعون اللقاء واقفين شرط عدم إحداث أية جلبة، بين الشوطين، انشغل بعض المتفرجين بتحليل الفترة الأولى، بينما التهم القليل منهم صفحات تلك الجريدة التي بكثرة ما تداولتها أيادي زبناء المقهى، تآكلت الكثير من جوانبها وفقدت عذريتها بعد فتحها للمرة الألف، والبعض الآخر خرج ليستنشق بعض الهواء في فضاء يستعمره بخور السجائر وأشياء أخرى تلف في لفائف بيضاء..
عادت المباراة بعد تحليل في أستوديو الجزيرة الرياضية لم يسمعه أحد، محاولات خجولة من هنا وهناك، إلى أن دخل الدون البرتغالي فعادت المقهى إلى الهرج والمرج، مشجعي الريال يهتفون باسمه ويرددون: "ها هو جا.."، ومشجعي البرصا يستقبلون هتافهم بصفير مستمر، غير أن صفيرهم تراجع مع أول خطأ لصالح اللاعب، ومع تلك التصويبة التي أنقذها فالديز، ومع تلك العارضة التي أرجعت كرة كانت في طريقها نحو الشباك الكتلونية.
راموس يرتقي وينطح كرة يغزو بها مرمى فالديز، الأعلام الريالية ترفع مجددا وخالد يقضم أصابعه ترقبا لتلك الدقائق القليلة المتبقية من أجل حفظ كرامة فريق كان لعهد قريب جدا أفضل فريق في العالم، مهاجم برشلوني يسقط في الثواني القليلة، الحكم لا يعلن عن أي شيء، المعلق محتار هل تكون ضربة جزاء أم لا، خالد يصر على أنها ضربة جزاء حقيقية وواقعية، بينما محمد يجيبه بأن برشلونة حتى ولو سجلت الركلة فهي لا تستحق التعادل، الصراخ يعلو داخل المقهى، الحكم يطلق صافرته النهائية، تصفيق متتال لعشاق مدريد، بينما يعزو محبو ميسي الخسارة إلى الحكم وإلى مرض المدرب فيلانوفا الغائب عن الفريق منذ مدة.
"أودي..ملي المغرب ما طفروش، اللهم البرصا وريال مدريد، كيمتعونا بعدا وخا كيخسرو مرة مرة"، يحدثنا رجل في عقده السادس، اختار كرة القدم الأوروبية لغزل وقته الممتد بعد تقاعده من وظيفته العمومية، يفضل أن يجلس في المقهى مع شباب في عمر أبناءه عوض لعب "ضامة" أو التقرفص أمام مطلع الدرب، كي يسترجع لحظات من عمره المنقضي، عندما كان لاعب كرة قدم للحي الذي ينتمي إليه.
حسب إحصائيات الجزيرة الرياضية، المغرب يعتبر أكثر بلد عربي يتتبع صراع الكلاسيكو، رغم أن الرقم من الصعب تقديره لأن اشتراك مقهى مغربي معين في قنوات الفضائية القطرية يمكن مئات الزبناء من متابعة المباريات، أسباب المتابعة المغربية الكبيرة تعود أساسا إلى التقارب الجغرافي بين المغرب واسبانيا، وكذلك إلى الاستعمار الإسباني الذي لا زال إرثه واضحا في بعض المدن الشمالية التي يتحدث مواطنوها الإسبانية أحسن من العربية الفصحى، دون نسيان روعة هذا الصراع المثير الذي يجذب أنظار جل بلدان العالم.
انحسبت الجماهير المغربية من المقاهي في آن واحد، الأمر شبيه بجموع المصلين التي تنفض بعد نهاية صلاة الجمعة، محمد يُشغل محرك دراجته النارية وهو يردد: "شوهتو ألبرصاويين"، بينما يرد عليه خالد:" المهم دينا ليكم البطولة"..