هى سقيفة بنى ساعدة والتى إشتهرت فى التاريخ بما حدث فيها فى أعقاب وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، فكما جاء فى كتب الحديث والسيرة فى صيغ مختلفة ومتعددة فقد تداعى الأنصار الى اجتماع عاجل بالسقيفة لمبايعة زعيم الخزرج "سعد بن عبادة" خليفة للمسلمين بعد وفاة النبى، ولما علم المهاجرون بالأمر ذهب اليهم نفر وهم ابو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابوعبيدة بن الجراح وحدث بينهم جدالا شديدا انتهى بمبايعة أبو بكر بالخلافة.
ورغم تعدد الروايات بين االسنة والشيعة فى سرد ما حدث وكثرتها فقد أورد الطبرى فى تاريخه خمس روايات للأحداث ليس بينها إختلاف كثير، وساعتمد فى تلخيص ما جرى على مجموعة مصادر اهمها الطبري، واليعقوبي ومسند احمد والبخاري :
فأتى آت إلى ابى بكر وعمر بن الخطاب فقال إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة قد انحازوا إليه فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا قبل أن يتفاقم أمرهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم يفرغ من أمره قد أغلق دونه الباب أهله، قال عمر فقلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، حتى ننظر ما هم عليه
ودار حوار بين المهاجرين والأنصار اشتد فيه الجدل والنزاع ، وقد وقف زعيم الأنصار سعد بن عبادة قائلا " أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام ، وأنتم معشر المهاجرين رهط ، وقد دفت دافة من قومكم ، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ، وأن يحضنونا من الأمر"، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر وقام أبو بكر وألقى خطابا ذكر فيه فضل المهاجرين ، واحتج بقرشيتهم في أحقيتهم ، بالخلافة كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه فرد عليه أحد وجهاء الأنصار وهو الحباب بن المنذر قائلا : الا والله لا نفعل ، منا أمير ، ومنكم أمير " ولكن الأنصار انقسموا في هذه الأثناء على أنفسهم ، فذهب أسيد بن حضير زعيم الأوس الذي كان معارضا لزعيم قبيلة الخزرج سعد بن عبادة وأعلن للمهاجرين تأييده لهم ووعد بإعطائهم البيعة وكما يروي البخاري بالسند إلى عائشة بأن عمر أخذ البيعة لأبي بكر بتهديده وتخويفه لهم، وقد جاء فى خطبة لإبن الخطاب يتناول فيها ما حدث بقوله : فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات حتى خشينا الاختلاف فقال ابو بكر بايعوا عمر أو أبا عبيدة. فقال عمر: بل نبايعك أنت, فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته فأقبل الناس من كلِ جانب يبايعون أبا بكر وكادوا يطأون سعد بن عبادة.. فقال اُناس من أصحاب سعد: اتقوا سعداً لا تطأوه، فقال عمر: اقتلوه قتله الله ...
إن هذه الأحداث كلها جرت في سويعات فى عصر يوم الاثنين من شهر ربيع الأول عام 11 هـ وحُسِم كل شيء والرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ لم تتم حتى عملية تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه بعد.
وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار، ومالوا مع علي بن أبي طالب، منهم: العباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام بن العاص، وخالد بن سعيد، والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب
واخيرا ،فالذي يهمنا من هذه الروايات مجموعة من الامور المتفق عليها وهي :
اولا: ان الصحابة اجتمعوا بعد وفاة رسول الله في سقيفة بنى ساعدة لاختيار خليفة للرسول .
ثانيا: ان الانصار هم الذين دعوا الى الاجتماع بادىء ذي بدىء وان المهاجرين لم يكونوا على علم باجتماعهم حتى اُخبروا به.
ثالثا: ان الانصار كانوا مزمعين على اختيار سعد بن عبادة ومبايعته.
رابعا: انه حدث خلاف بين المهاجرين والانصار في اول الامر-على خلاف بين المؤرخين حول طبيعة وحدة الخلاف- ثم انتهى بمبايعة ابي بكر.
خامسا: أنه لم يرد الاشارة الى نص البيعة في اجتماع السقيفة
سادسا: ان على بن ابي طالب تخلف ذلك اليوم عن السقيفة لانشغاله بغسل رسول الله .
سابعا: ان الذى اتى بالخبر اخبر عمر ولم يخبر عليا او غيره ، ثم اخبر عمر بدوره ابا بكر ولم يخبر غيره .
ثامنا: بعض الناس احتجوا على اختيار ابي بكر كأبي سفيان وغيره وذهبوا الى علي ليبايعوه فردهم.
اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة، واختاروا مرشَّحاً هو سعد بن عبادة. ومع أن المصادر لا تُسعفنا عما دار بين الأنصار من حديث قبل وصول المهاجرين إليهم، وكيف تم التوصل إلى ترشيح سعد، فإن المؤشر العام يؤكد أن الأنصار رأوا أنفسهم بأنهم أحق بهذا الأمر من المهاجرين.قبل الدخول الى تحليل ماحدث فمن الضرورى أن نفهم لماذا أسرع الأنصار منفردين للإجتماع بالسقيفة والتعجيل بمبايعة سعد بن عبادة، ومحاولة لتفسير ذلك فإنه يجب الرجوع الى ما قيل أن سعدا تحدث به فى الإجتماع (إن محمدًا صلى الله عليه وسلم لبث بضع عشر سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأوثان، فما آمن به من قومه إلا رجال قليل، ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أن يعزوا دينه، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيمًا عموا به، حتى إذا أراد الله بكم الفضيلة، ساق إليكم الكرامة حتى أغنى الله عز وجل لرسوله بكم الأرض، ودانت له بأسيافكم العرب).
ولفهم ذلك فإن الأنصار إعتبروا أن المهاجرين قدموا الى المدينة هربا من اضطهاد قريش لهم فى مكة وحين لجؤوا الى أهل المدينة بعد مبايعة قبيلتيها الأوس والخزرج للرسول فقد آزروهم ونصروهم وأيدوهم وتقاسموا معهم ديارهم وأقواتهم وأموالهم وحتى نساؤهم، ودافعوا عنهم وحاربوا اعدائهم ورضوا بحكم رسول الله فيهم، أما وقد مات محمد فإن الحكم يجب أن يعود اليهم بصفتهم عاصمة الرسالة ، خاصة أن النبى بعد فتح مكة آثر أن يعود الى المدينة ويدير شئون المسلمين منها وبقى بها الى أن مات، لذا فإن سكان المدينة الأصليين أولى بالحكم والإدارة من الوافدين وخاصة بعد إنقطاع الوحى.
أما لماذا إعتبر عمر بن الخطاب ان ماحدث فى السقيفة كان فلته وقا الله المسلمين شرها فيرجع الى إنتهاء الأمر على خير وسلام، ومبايعة الأنصار لأبو بكر بالخلافة.
ولكن كيف إنصاع المهاجرون بهذه السرعة وبايعوا ابوبكر؟
يمكن تفسير ذلك بعدة أمور منها:
1- كان أحد اسباب اسراع الأنصار بالأمر خوفهم على مصيرهم ومستقبلهم من تفرد المهاجرين بالامر والاستبداد بالحكم دونهم ، ولكن بمجرد تأكيد ابي بكر لهم على حفظ مكانتهم ووعده اياهم بان لايقطع امرا دون مشورتهم زالت تلك المخاوف كلها، لذا تخلَّوا عن سعد وسارعوا الى مبايعة ابي بكر لأنهم يعلمون ان ابا بكر افضل لهم وللاسلام من سعد
2- خوف الأوس من تولى خزرجى أمرهم وقد كانوا قريبى عهد بالحروب والحزازات بينهم ولكن الأنصار انقسموا في هذه الأثناء على أنفسهم ، فذهب أسيد بن حضير زعيم الأوس الذي كان معارضا لزعيم قبيلة الخزرج سعد بن عبادة وأعلن للمهاجرين تأييده لهم وبايع لأبى بكر وسرعان مابايع باقى الأنصار
3- خوف الأنصار من أن يؤول الأمر فى النهاية للقرشيين الذين عادوهم وقتلوا منهم كثيرين أن ينتقموا منهم ويعلنونها حرب عليهم كما قال الحباب بن المنذر فى الاجتماع "فإنا والله ما ننفس عليكم هذا الأمر، ولكنا نخاف أن يليها أقوام قتلنا آباءهم وإخوتهم"
4- حنكة ابو بكر وهدوئه وقوة حجته، فقد أسكت عمر فى البداية لخوفه أن يبدأ بلغة وعيد وتهديد ولكنه بعد أن حمد الله ذكر فضل الأنصار وذكر حديث الرسول الذى قال فيه "لو أن المسلمين جميعا سلكوا دربا وسلك الأنصار دربا لسلكته معهم" وعدد فضل الأنصار بإستفاضة قبل أن يثنى على دور المهاجرين فى السبق بالإيمان وتحمل المشقة وذكرهم بقول الرسول" الأإمة من قريش"، وأن العرب لن يقبلوا ويطيعوا لخليفة الاّ من اهل وعشيرة رسوله، وأردف بقوله منا الأمراء ومنكم الوزراء، رغم انه لم يوف بهذا الشرط بعد ذلك.
كان التحدى الأكبر هو ما حدث فى السقيفة رغم تداعيات الحدث بعد ذلك ومعارضة بنى هاشم وأولهم على بن ابى طالب للبيعة ومطالبته بالخلافة لأنه الأقرب نسبا ومصاهرة للرسول وانحياز الكثير من بنى هاشم اليه منهم من أوردنا ذكرهم سلفا، وذكر المؤرخين قصصا كثيرة حول ما إذا كان قد بايع او لا، ومتى بايع ، فقد اورد الطبري عدة روايات، بعضها تقول انه بايع من اول يوم بويع فيه لأبي بكر ، وبعضها تقول انه بايع بعد ستة اشهر بعد وفاة السيدة فاطمة الزهراء، وجدير بالذكر أن فاطمة لم تبايع وخاصمت ابوبكر ولم تكلمه حتى قبضت بعد النبي ( ص ) بستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر(أى لم يعلمه).
ولن أتعرض لأقوال الشيعة حول الموضوع لأنها للأسف يبدو عليها المبالغة كثيرا وهنا بعض نقاط تستحق التأمل:
(الأولى): ما أكثر الشيعة من قوله عن بيعة غدير خم أو غيرها وهو كثير فلم يذكر ذلك أحدا من الأنصار أو المهاجرين فى السقيفة ولا بعدها، حتى الإمام على أو فاطمة لم يحتجا بذلك على أحقيته فى الخلافة ولكنه تعلل بأنه الأقرب نسبا الى الرسول وهذا فى رأيي ليس سببا وجيها لتولى أمور الحكم.
(الثانية) لقد تولى ابوبكر الأمر بما يستلزمه من ديموقراطية ذلك الزمان حيث تم ببيعة خاصة فى السقيفة تلتها بيعة عامة فى المسجد، ولو أن البعض اعترض على هذه البيعة فذلك من قبيل الحقوق المشروعة، على أن ابوبكر وعمر سعيا للضغط الشديد على المخالفين رغبة فى وحدة الأمة حتى بايع على وبايع الآخرين ولم يتبقى بدون بيعة الا نفر قليل منهم سعد بن عبادة الذى ظل لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع معهم ويحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم وآثر بعد وفاة ابى بكران يعتزل بقرية تسمى حوارين بالشام، وهناك رواية أن عمرا أرسل فى إثره رجلا اسمه "محمد بن مسلمة الأنصارى" فرماه بسيف فقتله وقالوا أن الجن قتلته.
(الثالثة) تبقى مسألة تخلف ابوبكر وعمر وابوعبيدة عن المشاركة فى غسل وتجهيز الرسول وإسراعهم بالذهاب الى السقيفة لحسم مسألة الخلافة، ويحمل الشيعة كثيرا على موقف الرجلين، ولكن كنظرة موضوعية على ماحدث فإننا يجب أن نقرّأنه ما إن علم ابوبكر وعمر بالحادث حتى هرعا ومعهم ابو عبيدة الى السقيفة لتدارك ما يحدث خوفا من عواقب ما يحدث، فلو أحدث الأنصار بيعة لا يرضى عنها المهاجرون، فإما أن يبايعوا على ما لا يرضون، وإما أن يرفضوا البيعة، وفي هذا فساد، فلا بد أن يسرعوا قبل أن يكتمل الأمر، ويتفرق الأنصار من سقيفة بني ساعدة
خلاصة القول ان ما جرى عقب وفاة الرسول كان صراعا سياسيا بحتا لم يستخدم فيه الدين الا بشكل هامشى وللتدليل على أحقية البعض من غيره للحكم، كما ان الأمر لم يخلو من إستخدام القوة وإستعراضها" حدث فى صبيحة اليوم التالى أن اقبلت قبيلة اسلم بخيلها ورجالها وسيوفها لتملأ أزقة المدينة فى عرض عسكرى للقوة تأييدا لأبوبكر" وهذا ما فتح الباب فيما بعد للتلاعب بمسألة البيعة كما حدث من معاوية فى غصبه للخلافة وإنفاذ البيعة ليزيد بالقوة والعنف.