تونس- التأمت بمركز الجامعة العربية بتونس
الندوة السنوية التى دأب على تنظيمها المركز منذ ست سنوات تحت عنوان
"المغرب العربى فى مفترق الشراكات".
وقد حاول المشاركون فى هذه الندوة التطرق إلى أربعة محاور هامة أبرزها كيف
نحقق التكامل والاندماج المغاربى وما هو دور الإتحاد المغاربى لرجال
الأعمال فى تحقيق شراكات هامة وفاعلة إقليميا ودوليا.
وتعتبر الشراكات المطروحة اليوم على هذه المنطقة المغاربية متعددة، ابتداء
من محيطها العربى أو الإفريقى مرورا بالمحيط الأورو- متوسطى وهو ما يضع
هياكل الإتحاد المغاربى فى تحد ومسؤولية لتهيئة أرضية متناسقة وموحدة
وفاعلة، كما أكد السفير العمانى على بن أحمد العيساوى مبينا أن المغرب
العربى يتطلب اليوم وقفة متبصرة تسمح بتجاوز الصعوبات التى تحول دون
استكمال بناءه وتفعيل هياكله ومؤسساته لتعزيز منزلته على الساحة الدولية
معتبرا أن مؤشرات هذه الوقفة بدأت تلوح من خلال بعث مصرف مغاربى للاستثمار
والتجارة الخارجية فى حين تطرق الشاذلى النفاتى رئيس مركز جامعة الدول
العربية إلى أهمية التكامل الاقتصادى معتبرا إياه الداعم الرئيسي لنمو دول
المغرب العربى ومؤسساتها فهذا العنصر من شأنه أن يساهم فى تنشيط وزيادة
حجم مبادلاتها التجارية وقدرتها التصديرية وتوسيع قاعدة المصالح المشتركة
والنفع المتبادل بينها. مبرزا –بنبرة تفاؤلية- بعض نتائج العمل المغاربى
الموحد أهمها اتفاقية أغادير لمنطقة التبادل الحر كركيزة أساسية نحو إقامة
منطقة للتبادل الحر الأورو متوسطية فى أفق 2010.
وفى نفس الإطار، دعا حاتم بن سالم كاتب الدولة التونسى المكلف بالشؤون
الأوروبية -من خلال الكلمة التى ألقاها نيابة عن عبد الوهاب عبد الله
الوزير التونسى للشؤون الخارجية- الدول المغاربية والمتوسطية إلى تنسيق
مواقفها بشأن اقتراح الرئيس الفرنسى الجديد نيكولاى ساركوزى بشأن إقامة
"اتحاد متوسطي" مؤكدا أن دعوته تلك تستدعى من منظورنا تنسيق المواقف بين
الدول المغاربية والمتوسطية لبلورة تصور واضح فى هذا الاتجاه.
وأبرز بن سالم الرهان الملقى على عاتق الاتحاد المغاربى –خاصة فى ظل تعدد
الشراكات والمبادرات الإقليمية والدولية على المنطقة- وهو ما يتطلب مواصلة
دعم وتطوير الشراكة المغاربية الأوروبية متعددة الجوانب والأبعاد، وهذا
بالمقابل كعثرة مسيرة الإتحاد إلى ما وصفه بالظروف الموضوعية والتى جعلت
المشروع المغاربى يراوح مكانه معللا ذلك ببعض الإحصائيات أبرزها نسبة
إجمالى المبادلات مع الخارج والتى لا تتعدى 4% أى حوالى 137 مليار دولار.
وحظى هذا المحور بزخم هام من المعطيات والبحوث المتعمقة نظرا للإشكالية
المحورية التى يطرحها ودور هذين المصطلحين فى تفعيل هياكل ومؤسسات اتحاد
المغرب العربي والتى اعتبرها البعض شبه جامدة. ومن هنا حاول عبد القادر
ولد محمد( باحث قانوني موريتانى وكاتب دولة سابقا) مكلف باتحاد المغرب
العربى مساءلة مقومات التكامل والاندماج المغاربى مبرزا الفجوة التى تفصل
بين الطموح المعلن وبين الواقع المعاش موضحا أن تشكيل كيان اقتصادى
اجتماعى طبقا لأهداف التكامل والاندماج يتطلب تنسيقا للبرامج الاقتصادية
وانسجاما للسياسات الضريبية الجمركية والإدارية ولكن أزمة التكامل
والاندماج بين دول المغرب العربى تعكس معضلة التنمية اللامتكافئة على
المستوى الاقتصادى والاجتماعى مما يتركب عليه إلزامية مساءلة المنطلق
المتبع في هذا المجال سواء على الصعيد النظرى -تحديد المفاهيم- أو على
الصعيد التطبيقي -ملاءمة المخطوط النظرى مع الواقع-.
وترتيب الأولويات على حد وصف الباحث القانونى يجعلنا نسلم بالممكن من
اتحاد المغرب العربى ولا نطالب بالمستحيل على حد قوله فإعداد وتنفيذ
مشاريع تتماشى مع مقتضيات الاندماج الاقتصادى كالمصرف المغاربي. الطريق
السيارة، شركة خطوط جوية، أولويات تتناسب مع ما ينتظره المغاربيون.
وبالتالى فالتكامل والاندماج الإقليمى يعتبر حلا مفيدا يفرض ذاته كمطلب
إقليمي كملية ضرورة الوحدة فى وجه تحولات النظام العالمي.
وختم ولد محمد قوله بضرورة توحيد الموقف المغاربى فى وجه الآخرين خاصة أن
دول الاتحاد تواجه تحديات عولمة شرسة، تلك العولمة التى تغدى عدم الأمن
وتفرض الهجرة وتبتلع الاقتصاديات الضعيفة وتؤدى إلى عدم التفاهم لذلك كان
من الضرورى على الدول المغاربية مواجهة الأمر بخطوات منجمة خلال المفاوضات
الشراكية عن مصالحها الواضحة والبينة والتى تعتبر فى نهاية المطاف مصالح
مشتركة للمغرب العربي.
وفى نفس المحور "كيف نحقق التكامل والاندماج المغاربي" لخصت مداخلة مصطفى
الصالحين الهونى أبرز مقومات التكامل والاندماج المغاربى وأهم التحديات
والمعوقات.
فهذه المداخلة عبارة عن بحث أكاديمى مفصل حاول من خلاله الباحث وضع الإصبع
على مواطن الداء فى الصرح المغاربى فى ظل ما يشهده العالم اليوم من تكتلات
اقتصادية مهيمنة. مبرزا المفهوم الصحيح للتكامل الاقتصادى والذى يتلاءم مع
خصائص أقطار المغرب العربى وأهم المقومات.
وفى هذا الإطار، بين الهونى أن مقومات التكامل الاقتصادي تعين العوامل
التى تحفز على إقامة هذه العلاقة بين الأقطار، وإن كان فى الماضى كان يتم
التركيز على الجوانب الجغرافية والثقافية إلا أن التطورات الدولية أظهرت
عوامل أخرى. ويمكن أن نوجز أهم المقومات فى التالى :
• اتساع الأسواق : حيث يسمح بالحصول على مزايا ومنافع الأحجام الكبيرة فى
العمليات الإنتاجية خاصة بعد تقدم وانتشار نشاطات الشركات المتعددة
الجنسية والاقتصاديات الضخمة.
• المقومات المالية والتى تتجاوز القدرات القطرية المحدودة خاصة إذا تم
خلق مؤسسات مالية مؤهلة وكفؤة للقيام بدورها فى تشجيع وتسهيل الاستثمارات
اللازمة على مستوى المنطقة المتكاملة.
• تطوير البنية الأساسية لكافة الأطراف اللازمة، ومما لا شك فيه أن توفر
البنية الأساسية الحالية هى أحد مقومات خلق التكامل، إلا أن تطويرها
الدائم بما يتناسب مع المتغيرات والأدوار الجديدة للمناطق المؤهلة للتكامل
سيكون أحد الدوافع الهامة لتفعيل التكامل.
• إمكانية التخصص بين الأطراف المساهمة بناء على المزايا والموارد
المتوفرة لكل طرف وبالتالى يتم تقسيم العمل بين هياكلها الإنتاجية
والخدمية.
• التشريعات واللوائح الملائمة وذلك لخلق الأرضية القانونية بما يسمح بالمرونة اللازمة لتحقيق التكامل.
• حرية انتقال عناصر الإنتاج ويعنى ذلك تيسير انتقال عناصر الإنتاج من يد
عاملة ورأس مال وما يتبع ذلك من حرية التملك والتصرف والتنقل.
• القدرة التفاوضية المستقبلية وتعتبر من الأسس التى يتم الاتفاق بشأنها
بين الأطراف المساهمة بحيث لا يمكن لكل طرف على حدة "قطر" التفاوض بفعالية
فى عالم اليوم والذى تقوم فيه التكتلات الاقتصادية على كافة المستويات
بالتفاوض للحصول على المزايا والمنافع من عمليات التبادل الاقتصادي.
• الاختناقات الاقتصادية للأقطار المساهمة وطرق معالجتها بأساليب وطرق
حديثة ومتطورة، مما يجعل دور التكامل مفيدا لكافة الأطراف، ولعل مشكلات
الغذاء والماء والبطال وغيرها تأتى فى مقدمة هذه الاختناقات.
كما تحدث الهونى عن آفاق التكامل الاقتصادى فى ظل التحديات التى تواجه دول
المغرب العربى منها تحديات داخلية الناتجة عن الإمكانيات والموارد
والسياسات المطبقة وأخرى خارجية.
أما التحديات الداخلية، فأكد أن أهمها الفجوة الغذائية والزراعية وتتمثل
فى زيادة حجم الواردات من هذه المواد عن حجم الصادرات وهو ما يعتبر تحديا
مستقبليا يواجه الأقطار منفردة ويتوجب بالتالى التفكير لضخ الاستثمارات
ورفع التبادل التجارى لهذه المواد على مستوى المنطقة.
التحدى الثانى هو الإنتاجية وذلك بسبب الاعتماد على القطاعات التقليدية
وضعف التأهيل والتكوين وغياب نظم العمل المتطورة. معتبرا البطالة تحديا
صارخا لمقومات التكامل الاقتصادى ووصفها "سأم المشكلات" وأخطر التحديات
لأن آثارها تتعدى الجوانب الاقتصادية لتشمل كل الجوانب الاجتماعية
والسياسية.
أما التحديات الخارجية فلخصها الخبير الاقتصادى الليبى فى أربع أهمها العولمة بما تشمله من تكتلات اقتصادية.
وفى الختام اعتبر الهونى أن التكامل الاقتصادى الدولى يعتبر خيارا
استراتيجيا لتحقيق النمو والتقدم للأقطار المساهمة. وتتضح أهمية التكامل
فى توسيع آفاق مجالات التنمية عن طريق تعزيز القدرات الإنتاجية ورفع
الكفاءة الاقتصادية للهياكل القطرية كذلك فتح قنوات التبادل بين الإطراف
المتكاملة وفى موقعها المتميز فى القدرة التفاوضية ورفع التنافسية فى
مواجهة التطورات العالمية.موضحا أن هذه الدراسة استعرضت البعض من
الإمكانات المتاحة حاليا لأقطار المغرب العربى والسمات العامة
لاقتصادياتها كذلك تناولت التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها.
وتمثل هذه التحديات دافعا وحافزا لتحقيق مسيرة التكامل الاقتصادى لمجموعة
أقطار المغرب العربي.
إن الدراسة تبنت منهاجا عمليا للتكامل على أساس اقتراح استراتيجيات تتمثل
فى خطوات متدرجة يتم من خلالها وضع آليات جديدة بالإضافة إلى تحديث وتطوير
الآليات القطرية الحالية. والدراسة ترى أن التكامل الاقتصادى لا يقتصر على
الجانب التجاري والتسويقى بل يبنى على أسس الاستثمار والإنتاج الإقليمى
بمواكبة الأنشطة التسويقية، وينبغى أن يتم التكامل بناء على معايير تحقيق
المنفعة المتوازنة لكافة الأطراف كذلك من الضرورى تفعيل دور القطاع الخاص
لتحقيق التكامل وخلق ثقافة ايجابية بين مواطنى أقطار العربى تواكب الإرادة
السياسية خاصة وأن البنية التشريعية قد تم تحقيقها من خلال معاهدة اتحاد
المغرب العربي.
وركز المحور الثانى على دور الاتحاد المغاربى لرجال الأعمال فى تفعيل الفضاء الاقتصادي.
وقد أبرز الهادى الجيلانى رئيس الاتحاد المغاربى لرجال الأعمال أن منطقة
المغرب العربى تعيش اليوم مرحلة حاسمة على مستوى العلاقات البيئية
والإقليمية والدولية معتبرا تانمى الشراكة من أهم الدوافع لتنشيط
الاستثمار ودعم التبادل التجاري والنهوض بالتشغيل.
وبين رئيس الاتحاد المغاربى لرجال الأعمال أن بعث هذا الاتحاد يمثل عنصرا
هاما في مسيرة تحقيق الوحدة الاقتصادية والمساهمة فى إرساء علاقات دولية
واعدة.
وأكد الجيلانى أن المرحلة الحالية تحتم تكثيف العمل المشترك فإن عمل
الاتحاد فى الفترة المقبلة سيرتكز أساسا حول دعم القدرة التنظيمية
الهيكلية للمؤسسة المغاربية بما يضمن لها المزيد من النجاعة والخروج
بالتالى من محيطها المحلى إلى المحيط الدولى وكذلك العمل على تكريس
الاندماج الاقتصادى المغاربي لإكسابه مزيدا من الجدوى والنجاعة التى لن
تتحقق بدون تنسيق السياسات التجاري وتوحيد التصنيفات الجمركية وصياغة
مقاربة مشتركة لجلب الاستثمارات الخارجية.
وبعد التطرق إلى دور المصارف المغاربية فى الاندماج المصرفى والمالى
وأهمية وضع إستراتيجية للتنمية المغاربية، تمحور النقاش حول ضرورة وضع
تشريعات وقوانين موحدة تضمن تفعيل الفضاء الاقتصادى وتحقق له شراكات فاعلة
وناجعة على المستوى الإقليمي والدولي.
أما استشرافية الجلسة الختامية، فكانت بمثابة حصيلة للعمل المغاربى
المشترك حاول من خلالها الأمين العام لاتحاد المغرب العربى الحبيب بن يحيى
التطرق إلى آفاق تنشيط العمل المغاربى واستجلاء مستقبله مؤكدا ضرورة إعطاء
التكامل الاقتصادى قدرا متزايدا من الاهتمام مع ترشيد آلياته، حيث تتركز
الجهود المغاربية على تنشيط التجارة والبينية، لتحتل مرتبة متميزة فى سلم
الأولويات الاتحادية، لا سيما وأن هذه التجارة لا تتعدى اليوم نسبتها 3%
من المبادلات الخارجية لدول الاتحاد، باستثناء المبادلات التونسية
الليبية. وتتنزل فى هذا الإطار المساعى لإبرام اتفاقية مغاربية للتبادل
الحر، وكذلك النظر فى إنشاء مجموعة اقتصادية مغاربية، يتولى البنك
الإفريقى للتنمية حاليا، تمويل دراسة خاصة بها.
(جيهان لغمارى السنوسي -العرب أونلاين)