الضمير المستتر

جلس على رصيف يتفحص مجموعة من محافظ النقود،واحدة تلو الأخرى،وكلما انتهى من واحدة
يرميها بجنون:
" ما هذا لم أجد فيها شيئا ،لا تحمل إلا بطائق هوية،وأوراق عليها أرقام تليفونات،ما هذا رباه،يا لحظي التعس،
لماذا أنا هكذا؟ يعاكسني الحظ كل مرة "
يقف ثم يسير على الرصيف نفسه:
" لقد سدت كل الأبواب في وجهي،لم أر منفذا للرزق،رباه أمعائي تتقطع جوعا"
ينظر إلى المارة عله يرى شيئا ينتشله،فجأة يقف أمامه شخص كأنه يعرفه ،يسأله:
" ما بك أيها الفتى؟"
" لاشيء ، ابتعد عني لا أريد أن أتحدث مع أحد"
" لماذا ؟ ماذا حل بك؟ "
" أنني أموت جوعا،وعروقي كادت أن تجف "
" إنك تائه في دروب لا متناهية ، ما تبحث عنه لن يغني جوع روحك "
" لم أفهم قصدك "
" من أنت ؟ وما هويتك؟
" آه يسمونني سعيد ، وما أنا بسعيد،تخرجت من المدرسة الابتدائية بميزة مطرود،أدخلوني السجن
بتهمة فقير إبن فقير، وهناك على يد أساتذة أكفاء في فن الانتشال والسرقة بميزة مشرف جدا،
ومنذ ذاك الحين وأنا أعيش على ذا الحال "
" أين موطنك؟"
" ههههههههههه أنا بلا عنوان ولا وطن، أنا ضائع في عالم يؤمن بالمادة ويمقت كل جميل ،
أنا وليد بلا أم "
" أين اهلك ؟ "
" كل الناس أهلي، ولم أجد أحدا ينقذني مما أنا فيه،ينظرون إلي وكلهم حذر.... لكن
قل لي ماذا فعلت لي حتى حكيت لك قصة حياتي؟ من أنت؟ إني لم أراك من قبل "
" أنا هو أنت، أنا النقاء فيك،أنا الطهارة فيك يا فتى... فابعد عنك هذا العمل السيئ...
" ماذا تقول؟ ابتعد أنت أحسن،فلسفتك لا تسمن ولا تغني من جوع "
" لا لا لا إني لم أمت بعد، أنا حي،ولن أبرح مكاني فيك حتى أنقذك مما أنت فيه "
" لقد أخرتني عن عملي،كم من فرصة ضاعت مني بسببك أيها الغبي ... أرأيت
ذلك الرجل ذو المعطف الأسود،إنه يحمل جريدة،وبجيبه محفظة فيها من النقود ما يكفيني سبع ليال
كاملة، سأتبعه.."
" لا تفعل ، إني احبك "
" دعني وشأني "
" إلى متى؟"
" إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها "
" تبا لهذا الزمان وتبا لأهله الغافلين "
الفتى يراقب الرجل، يقترب منه،دخل إلى ساحة غاصة بالمارة،اخترق الجموع ،ليصل أخيرا إلى فريسته
يمد يده إلى جيب الضحية... لكن ماذا حدث؟ يد قوية تمنعه... يرتعد... لم يستطع أن ينفذ خطته...
توارى الرجل ذو المعطف الأسود بين الجموع...
" ماذا تريد مني أيها اللعين؟ ومن أنت؟ "
" ألا تعرفني ؟"
" لا أعرفك ولا يشرفني أن أتعرف على أغبياء مثلك "
" أنا ضميرك الذي لم يرتح أبدا،ولن يرتاح أبدا ما دمت تقدم على هذا الفعل الشنيع"
واغرورقت عين الشاب فأذرف دمعة باردة...