موقعة الجمل
جزء من الفتنة الأولى |
التاريخ
10 جمادی الأولى سنة 36 هـ - يناير سنة 656 م |
الموقع
البصرة، العراق |
النتيجة
انتصار قوات أمیر المؤمنين علي بن أبي طالب، ومقتل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعودة عائشة لـلمدينة المنورة |
|
المتحاربون
جيش الخليفة علي | قوات طلحة والزبير |
القادة
علي بن أبي طالب الأشتر النخعي عبدالله بن عباس محمد بن أبي بکر | عائشة طلحة بن عبيد الله الزبير بن العوام |
القوى
20,000 مقاتل[1] | 30,000 مقاتل[1] |
الخسائر
5,000 قتيل[1] | 13,000 قتيل[1] |
موقعة الجمل هي معركة وقعت في البصرة عام 36 هـ بين قوات أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب والجيش الذي يقوده الصحابيان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام بالإضافة إلى أم المؤمنين عائشة التي قيل أنها ذهبت مع جيش المدينة في هودج من حديد على ظهر جمل، وسميت المعركة بالجمل نسبة إلى هذا الجمل.
محتويات
- 1 أسباب خروج الجيشين
- 1.1 سبب الخروج وفق منظور أهل السنة
- 1.2 سبب الخروج وفق منظور الشيعة
2 ما حدث في البصرة 2.1 من منظور السنة 2.2 من منظور الشيعة (الجمل الصغرى)
3 وصول علي إلى البصرة 3.1 اتفاق سلمي (وفق منظور أهل السنة) 3.2 انكار الصلح بوجود علي وانكار وجود طرف ثالث (وفق منظور الشيعة)
4 بدء القتال 4.1 وفق منظور أهل السنة
5 نتائج المعركة 5.1 رواية أهل السنة 5.2 رواية الشيعة
6 المصادر 7 الوصلات الخارجية
|
أسباب خروج الجيشينبعد حدوث الفتنة ومقتل عثمان بن عفان، بايع كبار الصحابة الإمام علي بن أبي طالب لخلافة المسلمين، وانتقل إلى الكوفة ونقل عاصمة الخلافة إلى هناك، وبعدها انتظر بعض الصحابة أن يقتص الإمام من قتلة عثمان، لكنه أجل هذا الأمر.
سبب الخروج وفق منظور أهل السنةيرى أهل السنة أن علي بن أبي طالب لم يكن قادراً على تنفيذ القصاص
في قتلة عثمان مع علمه بأعيانهم، وذلك لأنهم سيطروا على مقاليد الأمور في
المدينة النبوية، وشكلوا فئة قوية ومسلحة كان من الصعب القضاء عليها. لذلك
فضل الانتظار ليتحين الفرصة المناسبة للقصاص
[2]، ولكن بعض الصحابة وعلى رأسهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام رفضوا هذا التباطؤ في تنفيذ القصاص ولما مضت أربعة أشهر على بيعة علي دون أن ينفذ القصاص خرج طلحة والزبير إلى مكة، والتقوا أم المؤمنين عائشة التي كانت عائدة من أداء فريضة الحج، واتفق رأيهم على الخروج إلى البصرة ليلتقوا بمن فيها من الخيل والرجال، ليس لهم غرض في القتال، وذلك تمهيداً للقبض على قتلة عثمان، وإنفاذ القصاص فيهم
[3].
سبب الخروج وفق منظور الشيعةيرى الشيعة أن علي بن أبي طالب أجل الحكم بالقصاص لسببين:
- الانتظار حتى تهدأ الفتنة؛ لم يكن الإمام قادراً على تنفيذ القصاص في قتلة عثمان لعدم علمه بأعيانهم، لذلك فضل الانتظار لتبيان لقتله.
- أخذ البيعة من أهالي الأمصار وعزل الولاة وتعيين ولاة جدد وذلك
لتقليل سخط الناس على بعض الولاة حيث اتهم اهل الشام ومصر الولاة بالعمل
لمصالح شخصية على حساب مصالح الناس وعدم الحفاظ على سنة النبي، فأراد
الإمام بذلك احقاق الحق وتهدئة النفوس واعادة الامور إلى نصابها.
ويفسر الشيعة خروج طلحة والزبير بأنهما بايعا الإمام طمعا في منصب وهو مالم ينالاه لذلك خرجا عليه واتخذا من القصاص لمقتل عثمان حجة لعزله عن الخلافة
أو قتله، اما أم المؤمنين عائشة فهي من حرض الناس على قتل عثمان فهي من
قالت: "اقتلوا نعثلاً (عثمان) فقد كفر"، وهي التي أثارت الحرب وحرضت طلحة والزبير وأخبرتهم بأن الإمام علي هو من قتله أو سهل مقتله
[4].
مواقف كل من ادعى الطلب بدم عثمان وبان لا عداوة له مع علي بن ابي طالب:
- أولا: طلحة بن عبيد الله: روي ابن أبي الحديد المادئني في شرحه لكتاب نهج البلاغة
أن طلحة الذي انحاز لعثمان واختاره للخلافه هو اليوم يحرض الناس على قتل
عثمان ورفض طلب علي أن يمنع الناس عنه، وعندما أتى البعض بجثة عثمان لدفنه
أقعد لهم ناس يرمونهم بالحجارة فلم يستطيعوا دفنه في مقابر المسلمين، فدفن في (حش كوكب) كانت اليهود تدفن اليهود فيه موتاهم.[5]
- ثانيا: الزبير بن العوام: كان للزبير بن عوام ما لطلحة من ذكر في خصوص هذه المعركة وقتال علي بن ابي طالب [6]، وحول موقفه من حصار عثمان ففي شرح الأخبار للقاضي الإسماعيلي النعمان المغربي:1/344 (أنه روي عن الزبير أنه قيل له إن عثمان محصور وإنه قد منع الماء ! فقال:﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ﴾«34:54»)[7]. فحين وصل علي إلى البصره خاطب جيش طلحة والزبير وعائشة بأن أرسل لهم مرسالا حاملا للقرآن لحفظ دماء المسلمين الا انهم رفضوا ذلك وقتلوا من حمل اليهم القرآن ويذكر الذهبي قائلا :«إنَّ أوَّل قتيل كان يومئذٍ مسلم الجُهني، أمره عليٌّ فحمل مصحفاً، فطاف به على القوم يدعوهم إلى كتاب الله، فقُتل [8]»، ويذكر الطبري
بأنه بعد هذه الحادثه نادى علي بن أبي طالب الزبير بن عوام وذكره قائلا "
يا زبير أتذكر يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني غنم فنظر
إلي فضحك وضحكت إليه، فقلت:لا يدع ابن أبي طالب زهوه ،فقال لك رسول الله : صه ،إنه ليس به زهو ولتقاتلنه وأنت ظالم له"[9].
- ويروي ابن أبي الحديد في شرحه لكتاب نهج البلاغة أن علي بن ابي طالب دعي على الزبير بن العوام في إحدي خطبه قائلا: «اللهم إن الزبير قطع رحمى، ونكث بيعتى، وظاهر على عدوى، فاكفنيه اليوم بما شئت.[10]»
- ما قاله الامام علي عند مقابلته للزبير في ساحة المعركة: "أتطلب مني دم عثمان وانت قاتله" [11].
طلحة والزبير معا: ويقول عالم الدين محمد باقر المحمودي في مؤلفه نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة أن الإمام علي بن أبي طالب ذكر الأسباب الحقيقيه لانقلاب طلحة والزبير عليه، فيقول:«كان
طلحة يرجو اليمن، والزبير يرجو العراق، فلما علما اني غير موليهما
استأذناني للعمرة يريدان الغدر، فأتيا عائشة واستخفاها مع كل شي في نفسها
علـيُّ،..... وقادهما عبد الله بن عامر إلى البصره، وضمن لهما الأموال
والرجال،.... واعانهم عليُّ يعلى بن منبه بأصوع الدنانير،... ثم أتو البصره
وأهلها مجتمعون على بيعتي وطاعتي وبها شيعتي [12]»
ثالثا: عائشة بنت أبي بكر: يرى قسم من الشيعة في أن حرب عائشه ضد الامام علي هي نتيجه كرهها له لعدة أسباب على رأسها موقف الامام علي منها يوم حادثة الإفك حيث أشار على الرسول بطلاقها [13].
كرهها لعلي بن أبي طالب وفرحها بوفاته حيث انها لما سمعت بموت علي بن ابي طالب سجدت شكرا لله [14].
ويروي ابن أبي الحديد في شرحه لكتاب نهج البلاغة أن عائشة كانت من أشد المحرضين علي عثمان والداعين إلي قتله[4]، فيذكر ابن أبي الحديد قائلا :« جائت عائشة وحفصة ودخلتا على عثمان أيام خلافته وطلبتا منه ان يقسم لهما ارثهما من رسول الله (ص)وكان عثمان
متكئاً فاستوى جالسا وقال لعائشة: أنت وهذه الجالسة جئتما بأعرابي يتطهر
ببوله وشهدتما أن رسول الله (ص) قال : نحن معشر الانبياء لا نورث فاذا كان
الرسول حقيقه لا يورث فماذا تطلبان بعد هذا؟ واذا كان الرسول يورث لماذا
منعتم فاطمة حقها؟ فخرجت من عنده غاضبة وقالت :اقتلوا نعثلا فقد كفر.[15]»
- رابعا: معاوية بن أبي سفيان: ويذكر محمد باقر المحمودي في نهج السعادة أن لمعاوية الدور في تشجيع أهل الجمل على مقاتلة علي بن أبي طالب رغبتا في الملك والجاه وينقل رسالة معاوية التي خاطب بها الزبير بن العوام قائلا :«فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب، فدونك الكوفة والبصرة، لا يسبقك إليها ابن أبي طالب، فإنه لا شي بعد هذين المصريين، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك، فأظهرا الطلب بدم عثمان، واعدوا الناس إلى ذلك، وليكن منكما الجد والتشمير، أظفركما الله وخذل مناوئكما[16]»
ما حدث في البصرة من منظور السنةوصل أصحاب الجمل إلى البصرة، ولم يكن لهم غرض في القتال، بل أرادوا جمع الكلمة والقصاص من قتلة عثمان بن عفان، والاتفاق مع علي بن أبي طالب في الكيفية التي يمكن بها تنفيذ القصاص، في مكان بعيد عن المدينة المنورة التي صارت في تلك الأيام معقلاً لقتلة عثمان وأنصارهم. وكان في البصرة نفر من دعاة الفتنة، الذين خرجوا على عثمان بن عفان. فعمل هؤلاء النفر من دعاة الفتنة على التحريض ضد أصحاب الجمل. فقرر عثمان بن حنيف (والي البصرة من قبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب)، أن يمنع أصحاب الجمل من دخول البصرة. وأرسل إليهم حكيم بن جبلة العبدي (أحد قتلة أمير المؤمنين عثمان بن عفان) من أجل ذلك. فقام طلحة ثم الزبير يخطبان في أنصار المعسكرين، فأيدهما أصحاب الجمل، ورفضهما أصحاب عثمان بن حنيف، ثم قامت أم المؤمنين عائشة تخطب في المعسكرين، فثبت معها أصحاب الجمل، وإنحازت إليها فرقة من أصحاب عثمان بن حنيف، وبقيت فرقة أخرى مع ابن جبلة. وإختلف الفريقان وكثر بينهما اللغط، ثم تراموا بالحجارة. ثم قام حكيم بن جبلة العبدي، بتأجيج الفتنة والدعوة إلى القتال، وقام بسب أم المؤمنين عائشة، وقتل كل من أنكر عليه ذلك، هذا ودعاة أصحاب الجمل يدعون إلى الكف عن القتال. فلما لم يستجب حكيم بن جبلة العبدي وأنصاره لدعوى الكف عن القتال، كر عليهم أصحاب الجمل، فقتل حكيم بن جبلة العبدي. ثم إصطلح أصحاب الجمل مع عثمان بن حنيف على أن تكون دار الإمارة والمسجد الجامع وبيت المال في يد ابن حنيف، وينزل أصحاب الجمل في أي مكان يريدونه من البصرة. وقيل أن حكيم بن جبلة العبدي قتل بعد هذا الصلح لما أظهر المعارضة
[17][18].
من منظور الشيعة (الجمل الصغرى)ويذكر ضامن بن شدقم بن علي الحسيني المدني في كتابه موقعة الجمل قائلا: «
لقد
أصر الناكثون على التمادي في غيهم، حتى صار النكث والغدر سجية ملازمة لهم
اينما حلوا، وشعارا يجمعون حوله الانتهازيين والسفهاء وأصحاب السوء، فهم لم
يكتفوا بخيانة امير المؤمنين حتي غروا بعثمان بن حنيف، وقد كان الأخيرة قد
وقع اتفاقا للصلح بينهم على شروط اتفقوا عليها.... فخرج طلحة والزبير
وأصحابهما حتى أتوا دار الامارة وعثمان بن حنيف غافل عنهم، وعلى الباب
السبابجة يحرسون بيوت الاموال وكانوا قوما من الزط قد استبصروا وأئتمنهم
عثمان على بيت المال ودار الامارة، فأكب عليهم القوم وأخذوهم من اربع
جوانبهم ووضعوا فيهم السيف فقتلوا منهم اربعين رجلا صبرا ! يتولى منهم ذلك
الزبير خاصة، ثم هجموا على عثمان فأوثقوه رباطا وعمدوا إلى لحيته ـ وكان
شيخا كثّ اللحية ـ فنتفوها حتى لم يبق منها شيء، وقال طلحة : عذبوا الفاسق
وانتفوا شعر حاجبيه واشفار عينيه واوثقوه بالحديد[19]»
وقال الشيخ المفيد :
اصيب من عبد القيس – يوم الجمل الصغرى- خمسمائة شيخ مخضوب من شيعة أمير
المؤمنين، سوى من أصيب من سائر الناس وقتلوا كذلك أربعين رجلا من السبابجة
صبرا ،يتولى منهم ذلك الزبير خاصة.
[20] والسبابجة هم حراس بيت مال المسلمين في البصره وهم قوم من السند
ويذكر محمد باقر المحمودي في نهج السعادة أن علي قال عن أصحاب الجمل: «
نكثوا بيعتي، واخرجو ابن حنيف عاملي بعد الضرب المبرح والعقوبة الشديده، وقتلوا السبابجة ومثلوا بحكيم بن جبلة العبدي،
وقتلوا رجالاً صالحين، ثم تتبعوا منهم من نجا يأخذونهم في كل حائط وتحت كل
رابية، ثم يأتون بهم فيضربون رقابهم صبرا، مالهم قاتلهم الله أنّى يؤفكون.[21]»
ويذكر أيضا أن عليا دعى على اصحاب الجمل قائلا :«
اللهم اقتلهم بمن قتلوا من شيعتي، وعجل لهم النقمة، وبما صنعوا بخليفتي[22]»
وصول علي إلى البصرة اتفاق سلمي (وفق منظور أهل السنة)بعد أن وصل علي بن أبي طالب إلى البصرة، مكث فيها ثلاثة أيام والرسل بينه وبين طلحة والزبير وعائشة، فأرسل القعقاع بن عمرو اليهم فقال للسيدة عائشة :"أي أماه، ما أقدمك هذا البلد؟" فقالت:"أي بني الإصلاح بين الناس". فسعى القعقاع بن عمرو بين الفريقين بالصلح، وإستقر الأمر على ذلك. وقرر الفريقان الكف عن القتال والتشاور في أمر قتلة عثمان بن عفان. وقرر علي بن أبي طالب أن يرحل في اليوم الذي يليه على ألا يرتحل معه أحد من قتلة عثمان. فاجتمع رؤوس السبئية
ومثيرو الفتنة، وشعروا أن هذا الصلح سينتهي بتوقيع القصاص عليهم. فخافوا
على أنفسهم، وقرروا أن ينشبوا الحرب بين الجيشين، ويثيروا الناس ويوقعوا
القتال بينهما فيفلتوا بهذا بفعلتهم
[18].
قال ابن كثير في ]:
«(فرجع
إلى علي فأخبره، فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه،
ورضيه من رضيه، وأرسلت عائشة إلى علي تعلمه أنها إنما جاءت للصلح، ففرح
هؤلاء وهؤلاء، وقام علي في الناس خطيباً، فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها، وذكر الإسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة، وأن الله جمعهم بعد نبيه صلى الله عليه وسلم على الخليفة أبي بكر الصديق، ثم بعده على عمر بن الخطاب،
ثم على عثمان، ثم حدث هذا الحدث الذي جرى على الأمة، أقوام طلبوا الدنيا
وحسدوا من أنعم الله عليه بها، وعلى الفضيلة التي منَّ الله بها، وأرادوا
رد الإسلام
والأشياء على أدبارها، والله بالغ أمره، ثم قال: ألا إني مرتحل غدا
فارتحلوا، ولا يرتحل معي أحد أعان على قتل عثمان بشيء من أمور الناس، فلما
قال هذا اجتمع من رؤوسهم جماعة كـالأشتر النخعي، وشريح بن أوفى، وعبد الله بن سبأ
المعروف بابن السوداء... وغيرهم في ألفين وخمسمائة، وليس فيهم صحابي ولله
الحمد، فقالوا: ما هذا الرأي؟ وعلي والله أعلم بكتاب الله ممن يطلب قتلة
عثمان، وأقرب إلى العمل بذلك، وقد قال ما سمعتم، غداً يجمع عليكم الناس،
وإنما يريد القوم كلهم أنتم، فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم.
فقال الأشتر: قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه
إلا اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم، فإنما اصطلح على دمائنا... ثم قال ابن
السوداء قبحه الله: يا قوم إن عيركم في خلطة الناس، فإذا التقى الناس
فانشبوا الحرب والقتال بين الناس، ولا تدعوهم يجتمعون...).[23] » – ابن كثير، البداية والنهاية
و جاء في تاريخ الطبري : (لمّا تم الصلح بين علي وطلحة والزبير وعائشة رضوان الله عليهم أجمعين خطب علي رضوان الله عليه عشية ذلك اليوم في الناس وذكر الإسلام
وسعادة أهله بالألفة والجماعة وأن الله جمعهم بعد نبيه صلى الله عليه وآله
وصحبه وسلم على الخليفة أبا بكر ثم بعده عمر بن الخطاب ثم على عثمان ثم
حدث هذا الحدث الذي جرّه قتلة عثمان وقال: " ألا وإني راحلٌ غداً فارتحلوا
ولايرتحلنّ غداً أحدٌ أعان على عثمان بشيءٍ في شيءٍ من أمور الناس وليُغْن
السفهاء عني أنفسهم) "
[24].
انكار الصلح بوجود علي وانكار وجود طرف ثالث (وفق منظور الشيعة)ينكر الشيعة وجود طرف ثالث كمثل قتلة عثمان ونحوهم في اثارة الحرب، ولهم
مصادرهم ولهم مآخذ كثيره على قدوم اهل الجمل، وكتأكيد على عدم وجود طرف
ثالث في الحرب فيروى انه بعد معركة الجمل بفترة سأل أحد الرجال علي بن أبي
طالب في مسجد الكوفة قائلا : يا أمير المؤمنين أرأيت القتلى حول عائشة
وطلحة والزبير علام قتلوا ؟ فأجاب علي بن أبي طالب قائلا : قتلوا بما قتلوا
شيعتي وعمالي، وقتلوا أخا ربيعة العبدي
في عصابة من المسلمين، فقالوا : انا لا ننكث كما نكثتم، ولا نغدر كما
غدرتم، فوثبوا عليهم فقتلوهم، فسألتهم أن يدفعوا لي قتلة اخواني أقتلهم
بهم، ثم كتاب الله حكم بيني وبينهم، فأبوا عليّ، وقاتلوني-وفي اعناقهم
بيعتي ودماء قريب من ألف رجل من شيعتي
[25]وكذلك يروى عن علي بن أبي طالب في حديث له عما فعله اصحاب الجمل بأهالي البصرة
قائلا : فقدموا – طلحة والزبير وعائشة- على عمالي وخزان بيت مال المسلمين
الذي في يدي، وعلى أهل مصر كلهم في طاعتي وعلى بيعتي، فشتتوا كلمتهم
وأفسدوا علي جماعتهم، ووثبوا على شيعتي، فقتلوا طائفة منهم غدرا، طائفة
منهم عضوا على أسيافهم، فضاربوا بها حتى لقو الله صادقين
[26]فوالله لو لم يصيبوا منهم الا رجلا واحدا متعمدين لقتله لحل لي به قتل
ذلك الجيش بأسره، فدع ما أنهم قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا
بيها عليهم، وقد أدال الله منهم، فبعداً للقوم الظالمين
[27] بدء القتال وفق منظور أهل السنةبات كلا الفريقين فرحين بالاتفاق السلمي الذي تم، وفي اليوم التالي ومع طلوع الفجر، نفذ السبئية خطتهم، وفي هذا قال ابن كثير في البداية والنهاية:
(وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشر ليلة، وباتوا يتشاورن،
وأجمعوا على أن يثيروا الحرب من الغلس، فنهضوا من قبل طلوع الفجر، وهم قريب
من ألفي رجل، فانصرف كل فريق إلى قراباتهم، فهجموا عليهم بالسيوف، فثارت
كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم، وقام الناس من منامهم إلى السلاح، فقالوا:
طرقتنا أهل الكوفة ليلاً، وبيتونا وغدروا بنا، وظنوا أن هذا عن ملأ من
أصحاب علي، فبلغ الأمر علياً فقال: ما للناس؟ فقالوا: بيتنا أهل البصرة،
فثار كل فريق إلى سلاحه، ولبسوا اللأمة، وركبوا الخيول، ولا يشعر أحد منهم
بما وقع الأمر عليه في نفس الأمر، وكان أمر الله قدراً مقدراً، وقامت على
الحرب على ساق وقدم، وتبارز الفرسان، وجالت الشجعان، فنشبت الحرب، وتواقف
الفريقان، وقد اجتمع مع علي عشرون ألفاً، والتف على عائشة ومن معها نحوا من
ثلاثين ألفاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ومنادي علي ينادي: ألا كفوا ألا
كفوا، فلا يسمع أحد...)
و كان الإمام علي يتألم كثيراً مما يحدث من إراقة دماء المسلمين فروى ابن ابي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن الحسن بن علي
قال: "لقد رأيته - يعني علياً - حين اشتد القتال يلوذ بي ويقول: يا حسن،
لوددت أني مت قبل هذا بعشرين حجة أو سنة". وكان علي يتوجّع على قتلى
الفريقين ويقول: " ياليتني متّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة"
[28].وروى ابن ابي شيبة بإسناده إلى حبيب بن أبي ثابت أن عليّاً قال يوم الجمل : " اللهم ليس هذا أردتُ اللهم ليس هذا أردتُ"
[29].
نتائج المعركة رواية أهل السنةإنتهى القتال وقد قتل طلحة بن عبيد الله
بعد أن أصابه سهم في ركبته - وقيل في نحره -، ولا يعترف السنة بالروايات
التي ذكرت أن مروان بن الحكم هو قاتل طلحة، لأنها روايات باطلة لم يصح بها
إسناد
[30].
وقد حزن أمير المؤمنين علي كثيراً لمقتله فحين رآه مقتولاً جعل يمسح
التراب عن وجهه ويقول: " عزيزٌ عليّ أبا محمد أن أراك مجندلاً تحت نجوم
السماء ثم قال: " إلى الله أشكوا عُجري وبُجري وبكى عليه هو وأصحابُه "
[31]و قتل الزبير بن العوام
ولمّا جاء قاتل الزبير لعله يجدُ حظْوةً ومعه سيفه الذي سلبه منه ليُقدّمه
هديّة لأمير المؤمنين حزن عليه حُزْناً شديداً وأمسك السيف بيده وقال: "
طالما جلّى به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال :بشر قاتل
بن صفية النار ولم يأذن له بالدخول عليه"
[32]أما عن السيدة عائشة فقد قال رسول الله لعلي: ((سيكون بينك وبين عائشة
أمر، قال عليّ فأنا أشقاهم يا رسول الله، قال: لا ولكن إذا كان ذلك فاردها
إلى مأمنها))
[33]، قال الإمام أبوبكر بن العربي المالكي: ولما ظهر علي، جاء إلى أم المؤمنين، فقال: (غفر الله لك) قالت: (ولك، ما أردتُ إلا الإصلاح). ثم أنزلها دار عبد الله بن خلف وهي أعظم دار في البصرة على سنية بنت الحارث أم طلحة الطلحات، وزارها ورحبت به وبايعته وجلس عندها. فقال رجل: يا أمير المؤمنين إن بالباب رجلين ينالان من عائشة، فأمر القعقاع بن عمرو أن يجلد كل منهما مئة جلدة وأن يجردهما من ثيابهما ففعل
[34]. ثم ردها إلى المدينة معززة مكرمة كما أمر الرسول.
[35] رواية الشيعةروى أبو مخنف أن من قتل من الطرفين سبعة عشر الفاً
[36].
انتهت المعركة بهزيمة أصحاب الجمل ومقتل الزبير، وطلحة (الذي قتله مروان
بن الحكم بان ضربه بسهم رغم أنهما يقاتلان في صف واحد ضد علي بن أبي طالب)
[37][38]،
وأعطى علي بن ابي طالب الأمان ولم يؤذ احدا ممن ألقى السلاح، وعند قدوم
بعض الرجال مطالبين بالغنيمه (اي عائشة) فأجابهم قائلا من يقبل أن يسبي
أمه!! وذلك حيث ان كل زوجات الرسول هن أمهات للمؤمنين. وقد قال أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب لعائشة (يالله ما أنصفوك، خدّروا حرائرهم وأبرزوك
وأنت عرض رسول الله) فأمر بتجهيز كل حاجتها من دواب للركوب والزاد والمتاع
وسير معها كل من نجى من القتل من الذين قدموا معها وارسل معها 40 امرأة من
نساء البصرة المعروفات وسير معها اخاها محمد بن أبي بكر.
[39]ويرى الشيعة أن هذه الحرب حملت الكثير من النتائج السلبية على المسلمين فيتحدث الأستاذ محمد جواد مغنية عن آثار التي ترتبت على حرب الجمل قائلا:
«لولا
حرب الجمل لما كانت حرب صفّين والنهروان، ولا مذبحة كربلاء، ووقعة الحرّة،
ولا رُميت الكعبة المكرَّمة بالمنجنيق أكثر من مرَّة، ولا كانت الحرب بين
الزبيريّين والأُمويّين، ولا بين الأُمويّين والعباسيّين، ولما افترق
المسلمون إلى سُنَّة وشيعة، ولما وجد بينهم جواسيس وعملاء يعملون على
التفريق والشتات، ولما صارت الخلافة الإسلامية ملكاً يتوارثها الصبيان،
ويتلاعب بها الخدم والنسوان.
لقد جمعت حرب الجمل جميع الرذائل والنقائص، لأنَّها السبب لضعف المسلمين
وإذلالهم، واستعبادهم وغصب بلادهم، فلقد كانت أوَّل فتنةٍ ألقت بأس
المسلمين بينهم، يقتل بعضهم بعضاً، بعد أن كانوا قوَّةً على أعدائهم، كما
فسحت المجال لما تلاها من الفتن والحروب الداخلية التي أودت بكيان المسلمين
ووحدتهم، ومهَّدت لحكم الترك والديلم والصليبيِّين وغيرهم. وباختصار لولا
فتنة الجمل لاجتمع أهل الأرض على الإسلام [40]»
.
المصادر