موقف نعيم بن مسعود المشهود في غزوة الأحزاب
خرجت غطفان من نجد بعدتها وعديدها بقيادة عيينة بن حصن الغطفاني وكان في طليعة رجال غطفان نعيم بن مسعود
وفى أرض المعركة تسلل نعيم بن مسعود من معسكر قومه تحت جنح الظلام ومضى يحث الخطى إلى رسول الله, فلما رآه الرسول ماثلاً أمامه قال: "
نعيم بن مسعود
"، قال: نعم, قال: "
ما الذي جاء بك
", قال: جئت لأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبد الله ورسوله، وأن ما جئت به الحق.
وبعد إسلامه كان له موقف مشرف سوف يظل التاريخ يذكره لهذا الصحابي الجليل في غزوة الأحزاب، وكان هذا الموقف أحد أسباب النصر على قريش وحلفائها فنعيم بن مسعود الغطفاني أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم. وقال: إن قومي لم يعلموا بإسلامي, فمرني بما شئت يا رسول الله. قال: "إنما أنت فينا رجل واحد فاخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة".
فأتى قريظة -وكان نديمًا لهم في الجاهلية- فقال لهم: قد عرفتم ودي إياكم. قالوا: صدقت. قال: إن قريشًا وغطفان ليسوا كأنتم, البلد بلدكم, بها أموالكم وأولادكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره, وإن قريشًا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه, وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره, فليسوا كأنتم, فإن رأوا نهزة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم, وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم, فلا طاقة لكم به إن خلا بكم, فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنًا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدًا حتى تناجزوه فقالوا: لقد أشرت بالرأي.
ثم خرج حتى أتى قريشًا, فقال لأبي سفيان ومن معه: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدًا وإنه قد بلغني أمر قد رأيت عليَّ حقًّا أن أبلغكموه نصحًا لكم فاكتموه عليّ. قالوا: نفعل. قال: تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد, وأرسلوا إليه أنا قد ندمنا على ما فعلنا, فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين قريش وغطفان رجلاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم, ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم. فأرسل إليهم: نعم. فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون رهنًا منكم من رجالكم فلا تفعلوا.
ثم خرج فأتى غطفان فقال: يا معشر غطفان أنتم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني. قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم, قال: فاكتموا عني. قالوا: نفعل. ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم.
فلما كانت ليلة السبت من شوال, وكان من صنع الله لرسوله أنه أرسل أبو سفيان ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان, فقالوا: إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز محمد. فأرسلوا إليهم: أن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئًا, وقد كان بعضنا أحدث فيه حدثًا فأصابه ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدًا حتى تعطونا رهنًا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدًا, فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك.
فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة, قالت قريش وغطفان: والله لقد حدثكم نعيم بن مسعود بحق. فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله ما ندفع إليكم رجلاً من رجالنا فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا.
فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم لحق, ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوه. وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم. فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنًا. فأبوا عليهم. وخذل الله بينهم.