Said Benssi New عضو ماسى
الدولة : المدينة : agadir الجنس : عدد المساهمات : 1453 نقاط : 8427 تاريخ التسجيل : 27/04/2012 الموقع : agadir - temsia
| موضوع: المفهوم الفلسفي للحرية الجمعة 15 مارس - 10:53:08 | |
|
المفهوم الفلسفي للحرية
الحريةبشكل عام: حال الكائن الحي الذي لا يخضع لقهر أو غلبة، ويفعل طبقا لطبيعته وإرادته،و تصدق على الكائنات الحية جميعها من نبات وحيوان وإنسان. من هنا يمكن القول بأن الحرية حق من الحقوق الطبيعية للإنسان، أي حريته في أن يفعل ما يريده هو، لا ما يريده الآخر منه. و تبدو له الحرية بهذا المعنى فعلا لا حدود لها، ورغبات لا بد أن تشبع. و يتصور أن كل منعلأفعاله، هو بمثابة أغلال أو جدار سجن كبير يجدان من حريته.لكن ما يطبع الحرية الإنسانية هو أنها حرية محدودة، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي لا يسير وفق نظام الطبيعة فقط، بل يخضع لحتميات وضرورات وإكراهات نفسية واجتماعية وسياسية...فالتصرف وفق الحقوق الطبيعية "الحريةالمطلقة مثلا" يعني تحول الحق إلى الفوضى إذا وضعنا في الحسبان أن كل واحد له الحق مثلنا.ثم إن القيم الأخلاقية تجعلنا نمتنع من تلقاء دواتنا عن ممارسة بعض الحريات حين لا تنسجم مع القوانين والقواعد والآداب، ثم إن المجتمع الذي يؤسس للحرية، قانونيا وإداريا يضع أيضا القوانين التي تحد من هذه الحريات ...وإذا علمنا بأن ظروفا تحيط بالإنسان وتحد من حريته المطلقة علمنا بأن الحرية ليست شيئا مطلقا بل تصطدم بمفاهيم مناقضة لها، وهذا ما يجعلنا نتساءل عن شروط إمكان الحرية...
فما معنى الحرية في ظل الضرورات والحتميات والإكراهات والقوانين والأخلاق؟
هل تعني الحرية أن نفعل ما نريد؟ ما هي حدود حرية الإنسان؟
وإلى أي حد يعتبر حرا؟ وما علاقة الحرية بالقانون؟
هل يعتبر القانون نفي لحرية الإنسان؟
المحور الأول: الحرية والحتمية
إذا كان الإنسان كائنا حرا وفي نفس الوقت كائن يخضع لإكراهات وضرورات وحتميات. هل هذا يعني أن الحرية تتعارض مع الحتمية؟ كيف يمكن تصور الحرية في ظل الحتمية؟ الواقع أن الحرية لا يمكن أن تفهم إلا في ضوء نقيضها، لأنها لو كانت مطلقة لأصبحت كلمة جوفاء لا تعني شيئا و لا تدل على أي شيء. حقا إن بعض الفلاسفة يأبى أن ننسب إلى الحرية مفهوما سلبيا لأنه لا يريد أن تكون الحرية مجرد إنكار للضرورة و لكن من المؤكد أن فهم الضرورة قد يساعدنا على تحديد معنى الحرية.لما اشتد الخلاف في الإسلام بين أنصار الحرية و خصومها ظهرت محاولات جديدة بقصد التوفيق بين القول بإرادة حرة و القول بالقضاء والقدر يقول ابن رشد (إن الله خلق لنا قوى نقدر بها أن نكتسب أشياء هي عبارة عن أضداد، ولكن اكتساب تلك الأشياء لا يتحقق لنا إلى بمواتاة أسباب سخرها الله لنا من خارج فالأفعال المشوبة إلينا تتم بالأمرين معا أعني بإرادتنا وبالأسباب الخارجية) حتى إن ابن رشد سلم بحرية إرادتنا لكنه لا ينكر وجود الضرورة أصلا يقول : إذا و رد علينا أمر مشتها من خارج اشتهيناه بالضرورة من غير اختيار و تحركنا إليه. تكون إرادتنا الباطنية معلولة للأسباب الخارجية ليس إلا توكيدا للنظرية القائلة بالقضاء.في إطار إشكال علاقة الحرية الإنسانية مع الحتمية و الضرورة ينفي اسبينوزا الحرية على الفعل الإنساني وعن كافة الأشياء الأخرى و يعتبر المخلوقات جميعها محددة بعلل خارجية بمعنى أنها خاضعة لمنطق الحتمية. وهو لا يعدم حجة يدافع بها عن رأيه : لنتصور مثلا حجرا متدحرجا بقوة خارجية يستمر بعدها هذا الحجر في حركته رغم توقف القوة الدافعة له و هذا الاستمرار هو فعل إكراه بسبب العلة الخارجية. وهب أن هذا الحجر قادر على التفكير ففي هذه الحالة سيعتقد أنه حر في إرادة التحرك لأنه لا يعي سوى الجهد الذي يبذله له ويجهل تماما العلل الخارجية التي تتحكم في فعله حقيقة يقول اسبينوزا : عن النفس لا تنطوي على أية إرادة حرة أو مطلقة بل هي مجبورة على أن تريد هذا أو ذاك بمقتضى علة هي أيضا مشروط بعلة أخرى، و هذه العلة محددة بدور علة أخرى و هكذا إلى مالا نهاية.
و هكذا كل ما يحدث في الوجود يرجع في نهاية الأمر إلى تلك العلة الأخرى أي انه يصدر ضرورة عن طبيعة الله المطلقة بيد أن اسبينوزا يقول في موضع إن الإنسان الحر هو ذلك الذي يعمل وفقا لمناهج العقل، فلا يكون سلوكه ناجم عن الخوف من الموت، بل يكون مبعثه الرغبة في الخير رغبة مباشرة و معنى هذا إن اسبينوزا يقول بنوع من الجبرية الخلقية.
أما كانط فيعتبر الحرية خاضعة لنوع من أنواع السببية تقوم على القدرة على تأسيس حالة ما تأسيسا ذاتيا و هكذا تقوم الحرية على فكرة متعالية عن التجربة و إذا كان سبب الحرية لازما بنا فإن السبب الطبيعي حسب كانط يقوم على الترابط المنطقي بين السابق و اللاحق. وتجدر الإشارة عند كانط إلى أن الحرية بالمفهوم العلمي تعني الاستقلال في الحكم عن إكراهات ميول الحساسية.
حسب كانط إذن إننا خاضعون لقوانين الضرورة في جانبنا الذي يخضعللزمان و يتحقق في عالم التجربة و بذلك فإن أفعالنا مرتبطة ارتباطا ضروريا لما قد تقدمها. و في وسعنا أن نقرر أننا أحرار في طابعنا الخلقي حسنا كان أم رديئا، و نحن الذين نخلق بأنفسنا هذا الطابع الخلقي بفعل حر عال على الزمانبل قد تكون ذاتنا الحقيقية المعقولة هي التي تريد أن تكون خيرة أو شريرة بفعل لا زماني،فتجيء حياتنا الزمنية فتكون بمثابة تغير مرئي عن ذلك لاجتياز الأصلي الذي تحققه الذات المتعالية. و هكذا يقرر كانط أننا أحرار مجبرون فنحن أحرار إذا نضرنا إلى ذاتنا المتعالية على الزمان و نحن مجبرون إذا نظرنا إلى ذاتنا التي تتحقق في الزمان.
و في الفلسفة المعاصرة يرفض ميرلوبونتي فكرة الحرية المطلقة كما تصورها سارتر كما يرفض فكرة الحتميات الطبيعية و النفسية و الاجتماعية المعتمدة في العلوم الإنسانية . فالإنسان كائن موضوعي موجود في العالم ومع الآخرين ووجودهم معطى تلقائي محكوم بعوامل تاريخية و نفسية و اجتماعية لكنه في خضم هذه الإكراهات و العوامل المترابطة يستطيع تغيير اتجاه حياته،كما يستطيع أن يمنحها معنى بشكل حر و إرادي، إنها عوامل ليست ضرورة حتمية بل عرضية يمكنها أن تحدث أو لا تحدث.
تركيب:
من خلال ما سبق يمكن القول بأن الإنسان باعتباره كائنا معقدا يتأرجح بين الحرية والحتمية.
المحور الثاني: حرية الإرادة
تتحدد الحرية في مدلولها العام، بأنها الفعل الإنساني غير المقيد، أي أن الإنسانيفعلمايريددون قيد أو شرط. بهذا تكون الإرادة شرط للحرية .وفي هذا الصدد يقول "بوسوية " كلما بحثت في أعماق قلبي عن السبب الذي دفعني إلى الفعل لن أجد فيه غير إرادتي". من هذا المنطلق،هل الحرية هي أن نفعل ما نريد؟ هل الإرادة شرط للحرية ؟ بمعنى آخر هل أفعالنا نتاج لإرادتنا أم أننا ملزمون بها؟
في القرن 18 و في إطار علاقة الحرية بالإرادة في ظل مجتمع ديمقراطي نجد أليكسيس دوطوكفيل يعتبر أن حق الإنسان في الحرية كحقه في الحياة، فبقدر ما عنده من إرادة بقدر ما عنده من حرية وهذا ما نجده في كتابه "الديمقراطية في أمريكا "حيث أن المساواة تبعد الفرد عن العبودية ليتمتع بإرادة حرة وآمنة، فالإرادة هي التي تدفعه لممارسة حريته السياسية داخل المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بعيدا عن الضغوطات التي تفرض عليه من الخارج، و لذلك فإن أليكسيس يميز بين نوعين من الحرية :
الحرية النسبية : هو الخلاص من القسر و الإكراه الاجتماعي، و الحر هو الذي يأتمر بما أمره القانون، ويمتنع عمانهى عنه و الغرض في ذلك هو ضمان الاعتراف بحقوق الغير و احترام حرياتهم الإرادية، و هو الطريق الآمن والأطول نحو العبودية.
الحرية المطلقة: هو حق الفرد في الاستقلال عن الجماعة التي انخرطفيها، وقد يدفعه هذا الاستقلال نحو الفوضى و التجرد بشكل مفاجئ.
إذا انتقلنا إلى الفلسفة الوجودية، فإن الحرية قد احتلت مركز الصدارة في فلسفة جون بول سارتر، فهو يرى أن الإنسان ليس حرا فقط بل هو الحرية نفسها فالحرية ليست صفة تضاف إلى الطبيعة الإنسانية، و ليس خاصية من خصائصهابل هي نسيج الوجود الإنساني و في هذا السياق يقول :" ليس الوجود شيء يقدم إلي بل أنا أهب الوجود إلى نفسي". و يتأكد هذا الموقف من خلال نصه- الإرادة شرط للحرية-المقتطف من كتاب الوجود و العدم يرى أن الإنسان هو الذي يصنع ماهيته و صفاته بنفسه، فالفرد قادر على صنع ماهيته حسب إرادته الحرة، دون أن تكون لظروف خارجية أو لأي قوة تأثير على حريته، وسارتر أكد حرية الفرد و قدرته على اختيار أفعاله بنفسه، لان الوجود سابق على ماهيته.
لقد ارتبط مفهوم الحرية في الفكر الإسلامي بمسألة الجبر و الاختيار، و هذا ما نجده عند ابن باجة حيث يميز بين نوعين من الأفعال: أفعال اختيارية مرتبطة بالإنسان أيأن الفعل الإنساني هو فعل إرادي واختياري، و هو الذي يحدد بنيته الشخصية فيساعده ذلك على الرؤية والتفكير السليمين و الإصابة في الآراء و الأحكام و أخرى إصرارية مرتبطة بالحيوان أو ما يسميها ابن باجة بالأفعال البهيمية لأن الإنسان كائن عاقل وهذا ما يميزه عن باقي الكائنات أما إذا عدنا إلى الكتاب المقرر و ألقينا نظرة على نصه المقتطف من كتابه"تدبير المتوحد" يتضح أن الفعل الإنساني حسب ابن باجة هو فعل اختياري و هذه ميزة تميزه عن باقي الكائنات. والمقصود بالاختيار – الإرادة - الكائنة في نفسه فالحيوان يتقدمفعله عما يروج في نفسه من أفعال و لذلك فان ابن باجة يرى أن الإنسان يحمل في نفسه ميزتين أساسيتين :-
أفعال بهيمية : المتمثلة في اللاإرادية كهروبه من أمر مفزع. - أفعال إنسانية: و المتمثل في الأفعال التي تساهم في إبعاد الأذى عن الغير و هي إرادية.إن ما يميز الإنسان كونه كائن حر ومريد. و بهذا ترتبط ممارسة الحرية بالقيام بما نريد، إلا أن الحرية الإنسانية حرية محدودة ومقيدة بقوانين...فما علاقة الحرية بالقانون؟
المحور الثالث: الحرية و القانون:
الإشكال: ما علاقة الحرية بالقانون؟ هل هما منسجمان أم متعارضان؟ هل يمكن الحديث عن حرية في ظل قوانين ملزمة؟ كيف تتحقق الحرية في مجتمع تحكمه قوانين سياسية؟
كإجابة على الإشكالات المطروحة قدم عبد الله العروي تصورا خاصا قام فيه برصده تمظهرات الحرية في تجربتها الواقعية الأولى باعتبارها تجربة الإمكان والاستطاعة بالمعنى المادي، أي القدرة على فعل ما نرغب فيه.بيد أن هذه الاستطاعة تمسي داخل المجتمع مطالبة بأن تقنن بواسطة القانون فيصبح معنى الحرية ها هنا هو السماح للفردبالقيام بما يسمح به القانون، أي ما لا يعرضه للعقاب.هكذا تعني الحرية حسب العروي "مجموع الحقوق المعترف بها للفرد ومجموع القدرات التي يتمتع بها ". ومعنى هذا أن الحرية تقترن بالقانون، وأي محاولة لتجاوز حدود هذا الأخير تؤدي إلى الدخول في صراع مع ممثلي القانون ، مما يسفر عن اتساع حرية الفرد أو تقلصها.لذلك يؤكد العروي على ارتباط مستوى الحرية بمستوى الجماعة والطبقة التي ينتمي إليها الفرد، كما يبين صاحب النص أنه من الصعب تحديد معيار لدرجة الحرية داخل المجتمع، لذلك يصبح مفهوم الحرية أكثر زئبقية عندما يدخل مضمار الحياة المجتمعية والسياسية.لذلك فحضور الدولة مهم لتنظيم العلاقات داخل المجتمع. ولابد من التأكيد على أن مفهوم الحرية عند العروي يرتبط بمفهومي الدولة والعقل، فوجود الحرية يفترض بالضرورة وجود الدولة التي تحتكم إلى القوانين الموضوعة بطريقة عقلانية، ويستوحي العروي تصوره هذا من الفلسفة السياسية عند هيجل عندما يتحدث هذا الأخير عن علاقة الفرد بالدولة حيث تنصهر حرية الفرد في قوانين الدولة وتأسس هذهالأخيرة كضمان للحرية. في هذا ألإطار أي علاقة الحرية بالقانون يطالعنا نص الفيلسوفة الألمانية حنا أراندت المقتطف من كتاب" أزمة الثقافة " الذي تتناول فيه مفهوم الحرية من خلال ربطه بالمجال السياسي، وبالضبط من خلال ممارسة الفرد لحريتهبشكل فعلي داخل الحياة اليومية، آنذاك فقط يمكن للفرد أن يشعر بحريته من خلال احتكاكه بالعالم الخارجي ودخوله في علاقات مع أفراد المجتمع هذا الأخير الذي تحكمه القوانين، ولا يمكن لشعور الفرد الداخلي بالحرية أن يمكنه من لمس المعنى الحقيقي للحرية، فهذه الأخيرة لا تتحقق إلا داخل الحياة العامة المنظمة سياسيا. كما تؤكد أراندت على أن الحرية لا تتحقق داخل المجتمعات الاستبدادية لأنها تمنع ظهور الحياة العامة والتي تعتبرها أراندت شرط أساسي لتحقيق الحرية التي يمارسها الأفراد على مستوى الواقع. فلوجود الحرية لابد من وجود نظام سياسي تحكمه قوانين تعمل علىتنظيم الحياة العامة. هذا الموقف دافع عنه من قبل مونتسكيو حين قال بالنظام السياسي الديمقراطي الذي يسمح للأفراد بالقيام بمايريدون في ظل شروط يضعها القانون، فالقوانين هي التي تنظم العلاقات داخل المجتمع وتضمن الحريات، وهذا النمط من الحرية يوجد داخل الحكومات المعتدلة التي تقوم على مبدأ الجمهورية، هذه الأخيرة تقوم بدورها على الفضيلة، فغايتها هي ضمان الخير الأسمى للمجتمع، وهذا هو الشكل الذي من شأنه حسب مونتسكيو أن يضمن لنا الحرية، إلى جانب تنظيم السلط كي لا تتجاوز أي سلطة القوانين، بمعنى الحد من تعسف سلطة بسلطة أخرى من خلال تقسيم السلطات إلى: سلطة تشريعية تراقب السلطة التنفيذية ،هذه الأخيرة التي تملك حق انتقاد السلطة التشريعية، وهناك السلطة القضائية التي يجب أن تنفصل نهائيا عن السلطة التنفيذية. هكذا حسب مونتسكيو يمكن للدولة أن تضمن الحرية للأفراد ويمكن للأفراد ممارسة حريتهم في ظل القانون.
خلاصـــــــــــــــــــة
تشكل الحرية قيمة يطمح إليها الإنسان، إلا أن المفهوم جد ملتبس. لارتباطه بمفاهيم الضرورة الحتمية، و بإشكالات دينية وفلسفية، وارتباطه في المجال المعرفي والأخلاقي بمفهوم الإرادة. إن الحرية باعتبارها من الحقوق الطبيعة للإنسان تستدعي وجود قوة خارج عنه، إنها حق من الحقوق التي تضمنها القوانين، خاصة وأن الحرية تجربة تعاش في جميع المجالات: السياسي على الخصوص.
|
|