العلاقة بين المدرسة والتلاميذ
ما أجمل الإجازة في نظر التلاميذ، وما أحلى أيامها ولياليها. ونظرة سريعة في وجوه المتعلمين خلال فترات الإجازة تؤكد لنا أن المدرسة للأسف، هي من أبغض الأماكن إلى نفوس المتعلمين، وأن أيامها من أصعب اللحظات في حياتهم. والمنطق يقول لنا إن الأمر ينبغي ألا يكون كذلك لأسباب كثيرة، أهمها أن المدرسة تجمع التلميذ مع أصحابه الذين هم في عمره ويتقاسمون معه نفس الأهداف والمرامي. كما أن المدرسة مكان يتعلم فيه الإنسان الجديد، والإنسان مبرمج في عقليته على حب الجديد وكذلك ألفة من هم في عمره، ولكن بالرغم من كل هذه المتغيرات المهمة، ثمة سؤال يطرح نفسه: لماذا يكره التلاميذ مدارسهم؟
اعلانات
التعميم في هذه المسألة، لابد له من استثناء، فهناك بلا شك تلاميذ يحبون مدارسهم، وهناك من جانب آخر مدارس نجحت في أسر قلوب التلاميذ حتى أصبحت الإجازة لحظات تبعد التلميذ عن ما يحب، ولكن للأسف الشديد الأمر لا نستطيع تعميمه لأسباب كثيرة تؤدي بالتلميذ إلى عدم حب المدرسة. لعل السبب الأول في تصوري يكمن في الدافعية للتعلم، فقد فشلنا كأسر ومدارس في تربية الدافعية الذاتية لدى الأبناء تجاه العلم والمعرفة. وأصبح السؤال المؤرق دائماً، والذي يطرحه التلاميذ على الآباء والمعلمين لم نحن في المدرسة؟
الطفل الذي يعتقد أن العلم ليس له موقع في حياته، لأن كل متطلباته قد تحققت، أو يستطيع تحقيقها دون تعلم لم يتعلم! الأبناء يرون من حولهم أناساً وصلوا إلى مواقع مؤثرة، ولم يكن لهم نصيب من المعرفة والتعلم وفي المقابل يلاحظون من تعلم ودرس مازال يعيش شظفاً من العيش.
للأسف الشديد في مجتمعاتنا العربية والخليجية تحديداً وجدت مثل هذه المظاهر، وهي ترسل للتلاميذ رسالة مفادها أن تحقيق طموحاتك في الحياة ليس له علاقة بالمعرفة. دعوني أسوق لكم مثلاً من مجتمعنا، كم يجني لاعب كرة القدم الذي لم يتجاوز الثلاثين من عمره، وهو يلعب الكرة في أحد فرق الدرجة الأولى؟ وفي المقابل كم هو راتب الأستاذ الجامعي الذي قضى أكثر من ثلث عمره، وهو في المعرفة والتعلم؟ اللهم لا حسد ونتمنى للاعبي كرة القدم كل خير. ولكن ماهي الرسالة التي نرسلها كمجتمع لجيل المستقبل: هل نحثهم بهذا على العلم والمعرفة، أم على أن يقضي الوقت الأطول في غير ذلك؟
بعد الدافعية الذاتية تأتي حالة المدرسة من الناحية المادية والمعنوية، الإنسان يميل إلى المكان الذي ينال فيه حظه من التقدير، فهل المدرسة مكان لتقدير الذات لدى الطفل، أم لهدمها؟ للأسف مدارس اليوم أميل إلى تحطيم ذات المتعلم من كثرة الواجبات والمتطلبات والامتحانات وأساليب التعليم غير المناسبة، فالمعلم لم يُعد نفسه للتعليم كإعداده لتدريس مادة ما، بل إن الكثير من المعلمين ليست لديهم شهادات في الإعداد التربوي فماذا نتوقع منهم؟ ولكن لماذا يميل بعض المعلمين إلى تحطيم ذات المتعلمين؟ لسبب بسيط جداً أن هذا المعلم محطم في ذاته، ولا ينال القدر المناسب من التقدير... هذا ما خلصت إليه بعد ترجمة كتاب "أطعموا المعلمين قبل أن يأكلوا التلاميذ". فمن يرفع في مجتمعاتنا راية إصلاح هذه العلاقة؟
* نقلا عن صحيفة الاتحاد الاماراتية