الجزء الأول:
كان يا ما كان ملك وملكة وابنتهم الأميرة يعيشون في رغد، وكان يمكن لحياتهم في القصر أن تكون جميلة وهادئة لولا أن الملك كان يغضب من كل شيء: من صوت الحشرات أو خفيف الشجر أو عطسة وحتى من أي همسة.
وعندما يغضب الملك كان الحراس والمستشارون وأفراد الرعية المتواجدون بالقصر، والملكة بجلالها يطأطئون الرأس، ولم يكن إلا بمقدور شخص واحد أن يقلل من غضب الملك ويهدئ من روعه هي الأميرة ابنته، وقد كان للأميرة صوت جميل وصاف كمياه النبع وناعم كأوراق زهرة السوسن الحمراء، كانت الأميرة تجلس عند قدميه تمسك بكفة يده وتنشد بصوتها الجميل.
ولكن الحال أخذ يتدهور لكثرة المرات التي كان الحراس يتراكضون فيها لإحضار الأميرة لتهدئة الملك، وكانت الأميرة مرهقة جداً من الركض والإنشاد دون توقف تقريباً.
وفي أحد الأيام كان القصر الملكي يعج بالحركة، حيث جاء الوزراء لتقديم تقاريرهم، وزار القصر ملوك آخرون للحديث مع الملك، باختصار كان الجو مشحونا. و فجأة بدأ الملك يغضب- و انتصب شعره وانتفخت وجنتاه وأغلق يديه آه...., لقد كان ذلك مخيفاً، آه...، إنه أمر رهيب وفجأة قال أحدهم: "بسرعة .. احضروا الأميرة.."
وبعد لحظة قصيرة وقفت الأميرة أمام والدها الغاضب وأرادت أن تفتح فمها لتنشد، همس الأب الملك: "سكوت" وتخيلت الأميرة أنها لم تسمع، ومرة أخرى "سكوت" كان الجميع صامتين، ثم ضجت القاعة الكبيرة : "سكوت".
"هذا هو" ضرب الملك برجليه على الأرض وصاح "من اليوم فصاعداً لن يتكلم أحد في مملكتي، أريد سكوتاً تاماً، لا أريد من أحد أن يتكلم حتى ابنتي الصغيرة وزوجتي المحترمة".
توجه الملك بهذه الكلمات لزوجته التي دخلت القاعة لتوها ولا تدري ما يحصل.
أصدر الملك أمراً ملكياً كتب فيه بوضوح" يمنع الجمهور بكافة أفراده كباراً وصغاراً والصمت، وإذا تفوه أحد ما فسيرى...".
ولقد كان التهديد كبيراً وكان الخوف أكبر، وسرى هدوء كبير في المملكة ولم يتكلم الناس ولم يضحكوا، ولم يناقشوا، ولم..... أي شيء. فقد قاموا بأعمالهم بهدوء تام. لقد كان الهدوء شاملاً حتى أن الناموس، والنحل، والحشرات، خافت من إصدار صوتها وكانت تطير بهدوء دون إصدار أي صوت. والأميرة التي لم تعد تضطر للركض والإنشاد طول اليوم كانت تجلس على ضفاف البحيرة صامتة هي أيضاً، ورغم حبها للغناء فقد حبست أنفاسها بداخلها وكانت تنظر بهدوء وحزن إلى الطيور التي طارت بهدوء حول البحيرة.
الجزء الثاني:
في يوم من الأيام ظهر شاب على أبواب المدينة وكان من الصعب على الناس أن لا يضحكوا لمنظره حين تفاجأ لبقرة لا خوار لها أو من تفاجئه لحركات الأيدي الصامتة لتجار السوق.
نظر الفتى إلى اليمين والشمال وشعر بغرابة الموقف حتى العصفورة التي رافقته إلى هذا المكان ضمت جناحيها بهدوء وتوقفت عن الزقزقة.
"ماذا حصل هنا" تساءل الفتى، وبدا صوته غريباً ومزعجاً في أجواء المدينة الهادئة، فقفزت إليه فتاة صغيرة واضعة إصبعها على فمها مشيرة إليه أن يصمت وأِشارت بيدها نحو القصر، وفي نفس اللحظة حاولت العصفورة أن تقوده نحو القصر، بدأ الفتى بالمسير ولأنه لم يتعود على أجواء الهدوء أصدر حذاؤه، أصواتاً ملأت أجواء الساحة أصواتاً.
كان يبدو أن المكان مألوف للعصفورة حيث تجاوزت الباب الكبير الذي يحرسه حراس مسلحون، وقادت الفتى إلى بوابة جانبية مغطاة بأعشاب برية، وكان على الفتى أن يحبو على ركبتيه حتى يعبر السياج، دخل الفتى مباشرة إلى حديقة القصر وكان الهواء عطراً منعشاً من روائح أشجار الزينة الكثيرة وحين نظر رأى بحيرة مياه كبيرة وشاهد شبح فتاة يجلس هادئاً على ضفتها، طارت العصفورة باتجاه الفتاة وتوقفت على كتفيها، سار الفتى يتبع العصفورة وشاهد أمامه فتاة شاحبة الوجه وعيناها حزينتان، فهم الفتى أن الفتاة لم تبتسم منذ زمن طويل وأراد أن يكتشف سر الناس الصامتين وسر الفتاة الحزينة، انحنى الفتى أمام الفتاة وسألها: "ما بك أيتها الأميرة الحزينة؟". تفاجأت الفتاة لسماعها صوت إنسان ونظرت إليه تتعجب ثم أدارت رأسها للخلف، وفجأة رأى مجموعة من الناس الصامتين يسيرون باتجاههم، كان أحدهم على ما يبدو طيباً، لأنه أعطى أوامر وإرشادات صامتة بشكل مستمر لخادمين جلسوا قرب الأميرة وأخذوا يسقونها أدوية مختلفة، نظر الفتى لمجموعة الأشخاص وبالأميرة والعصفورة ثم قال "أيها الناس الطيبون قولوا لي من هذا المتوحش المخيف الذي فرض هذه اللعنة المخيفة على هذا المكان" من هذا الذي جعل الناس تعيش خرساء! أين يعيش المتوحش الذي أفقد الأميرة بسمتها وملأ عينيها دمعاً؟ أجيبوني وسأذهب لمحاربته حتى تزول اللعنة المخيفة التي سقطت على مملكتكم حالاً".
وفجأة هجم عليه اثنان من المجموعة، ربطوا يديه بالقيود وبدأوا بجره نحو القصر.
الجزء الثالث:
كان الملك قلقاً جداً على ابنته لأن الأطباء لم ينجحوا بعلاجها وكان بعضهم قد ترك للملك أوراقاً كتب عليها بأن الفتاة تسير في طريقها للموت، سار الملك في غرفته من جهة إلى أخرى وهو حائر يفكر ماذا يفعل؟ ولماذا أصلاً مرضت الأميرة؟ وفجأة سمع أصوات صراخ وتمتمات، تفاجأ الملك لسماع صوت في قصره وتسمر في مكانه، عندها فتح الباب بقوة ودخل الغرفة حراسه يجرون فتى حاول أن يتحرر من قيوده رمى الحراس بالفتى أمام الملك وعندما حاول الحراس أن يشرحوا للملك ما حدث، بدأ الملك يغضب لأنه لم يقدر أن يفهم شيئا من لغة الإشارات التي استعملها حراسه. لقد كانت للملك مشكلة مع بسطاء الشعب الذين احتاجوا للغة الإشارات لنقل المشاكل وشرحها.
في هذه الأثناء نجح الفتى بالوقوف على رجليه، فتوجه للملك قائلا: "سيدي الملك: اسمح لي أن أقدم نفسي، أنا أمير المملكة الجنوبية ووصلت إلى مملكتك وأنا أتعقب عصفوراً جاء إلى مملكتي وهمس لي سراً عن أميرة حزينة توقفت عن الابتسامة، لقد طلبت مني العصفورة أن آتي خلفها وأنقذ الفتاة، واليوم عندما دخلت مملكتك رأيتها غارقة في هدوئها، حتى الحيوانات لم تسمع أصواتاً، وأخيراً عندما التقيت بالأميرة فهمت أن وحشاً مخيفاً قد ألقى على مملكتك لعنة، وعندما طلبت من هؤلاء الناس أن يكشفوا لي أين أجد ذلك الوحش كي أذهب إليه وأحاربه، هجموا علي بقوة، وربطوا يدي بقيود حديدية واقتادوني إلى هنا وكأني مجرم شرير. هل لك يا مولاي الملك أن تخبرني بجلالتك ما يحدث هنا؟".
وسرى الهدوء ثانية بالغرفة. نظر الملك بتمعن إلى الأمير وبعد دقائق رفع يده وبدأ يحك جبينه في المكان الذي وضع عليه التاج، توجه نحو الشباك ونظر إلى الخارج، وفجأة بدأت أكتاف الملك بالاهتزاز وسمع صوت ضحكة كبيرة بالغرفة- ضحك الملك بشدة.
ضحك الملك، ضحك حتى اهتزت الحيطان لهزات ضحكه، ثم انتقل الضحك للحراس الذين تفجروا أيضاً لكثرة الضحك، وبدأت أصوات الضحك تمتد في غرف القصر لتمتد إلى جميعها. وفي النهاية سمعت ضحكة من حديقة القصر، ذهب الأمير ونظر من شباك فرأى الأميرة تتدحرج على العشب ولا تتوقف عن الضحك. بعد مرور ساعات طويلة هدأ الجميع، عندها توجه الملك إلى الأمير وقال "يا أميري العزيز أنا هو المتوحش المخيف الذي لشدة غبائه فرض الهدوء على الجميع، أنا فرضت السكوت والخرس على مملكتي، وها أنت اليوم قد أزلت هذه اللعنة".
في تلك اللحظة سمع صوت ذبابة مرت فجأة قرب أنف الملك، عندها أمر الملك بجمع موظفي القصر وأمرهم بنشر الإعلان المهم في أنحاء المملكة:" الحديث، أيها الناس، والكلام عاد إلى مملكتنا، الكلام مسموح، الغناء مسموح، الدندنة والتمتمة مسموحة، باختصار يا سادتي ضجوا واصرخوا".
حاول الملك العجوز أن لا يغضب مرة أخرى وعندما لم يستطع أن يتحكم بأعصابه نتيجة الضجة، قام من عرشه وذهب إلى غرفته واستراح، هكذا بكل بساطة وبعد أيام عقد زفاف كبير للأميرة والأمير، وخلاله أنشدت الأميرة بصوتها الجميل وأسمعت كلماتها كل من حضر الحفل.
النهاية