مطاردة استمرت 3539 يوماً
هكذا قتلت قوة أميركية خاصة أسامة بن لادن
المنزل الذي اختبأ فيه بن لادن في حي راقى بإحدى ضواحي اسلام اباد
عواصم ـ القبس ـ سي ان ان ـ الجزيرة نت والوكالات
مع اقتراب منتصف الليل وتحت جنح الظلام، اقتربت مروحيات أميركية من مجمع تحيط به أسوار شاهقة في منطقة «أبوت اباد»، شمالي إسلام أباد، في مهمة هدفها اعتقال أو قتل أخطر زعيم إرهابي طاردته الولايات المتحدة قرابة عشرة أعوام وبالتحديد «ثلاثة آلاف وخمسمئة وتسعة وثلاثين يوما».
وخلال أقل من 40 دقيقة غادرت قوة أميركية المجمع وبرفقتها جثمان زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، بعد مهمة وصفتها بـ «عملية جراحية خاطفة» وفاء لنذر قطع بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2001 على الولايات المتحدة.
ورفض المسؤولون الأميركيون الإفصاح عن عدد القوات التي شاركت فيها، من عناصر القوات الخاصة التابعة للبحرية «سيلز» SEALs، إلا أنهم قدموا للصحفيين وصفاً عاما لسيناريو المهمة التي بدأت بمتابعة ورصد أحد مراسلي بن لادن الموثوق بهم.
رصد دقيق
وأوضح المسؤولون في إيجاز صحافي في البيت الابيض انه في بداية سبتمبر الماضي بدأت وكالة الاستخبارات المركزية في العمل مع الرئيس باراك أوباما على تقييم معلومات تشير إلى احتمال تحديد مكان تواجد بن لادن في باكستان، وفي فبراير الماضي « توصلنا إلى أنه يوجد أسس استخبارية سليمة» لاتخاذ الإجراءات.
وقال المسؤولون انه منذ سنوات طويلة جمعت الـ «سي آي ايه» معلومات استخبارية حول الدائرة الداخلية المحيطة ببن لادن، وقد قدم الأشخاص الذين ألقي القبض عليهم بعد اعتداءات 11 سبتمبر معلومات حول أشخاص يعملون لتقديم دعم مباشر لبن لادن ومساعده أيمن الظواهري بعد هروبهما من أفغانستان.
الرسول المبين
و«أثار رسول واحد اهتمامنا باستمرار»، وقد قدم المعتقلون اسمه الحركي، وقالوا إنه كان يحظى بحماية خالد الشيخ محمد، العقل المدبر لاعتداءات 11 سبتمبر، وأنه أحد «الرسل القلة في تنظيم القاعدة الذين يثق بهم بن لادن»، وأشاروا إلى أن قد يكون يسكن مع زعيم القاعدة ويحميه.
أوضح المسؤولون أنه قبل 4 سنوات تمكنوا من تحديد هوية هذا الرسول، وبعدها بسنتين تم تحديد المناطق التي ينشط فيها مع أخيه في باكستان ولكن لم تتمكن الاستخبارات الأميركية من اكتشاف مكان سكنهما بسبب حرصهما الشديد، ما أكد أن الأميركيين على الطريق الصحيح.
وفي أغسطس 2010 « عثرنا على مكان إقامتهما، وهو مجمع في أبوت اباد في باكستان» وهي بلدة قريبة من إسلام اباد، يسكنها الكثير من العسكريين الباكستانيين المتقاعدين، وبعيدة عن الكوارث الطبيعية والهجمات الإرهابية التي أصابت مناطق أخرى في باكستان.
أسرار المجمع
وأضاف المسؤولون «حين رأينا المجمع الذي يقيم فيه الأخوان، ذهلنا لما رأيناه، فقد كان مجمعاً فريداً جداً»، وقد أقيم في منطقة كانت معزولة عند بنائه العام 2005 وهو أكبر بحوالي 8 مرات من المنازل الأخرى في المنطقة.
ولكن منازل أخرى قد شيدت على مقربة من المجمع خلال السنوات الستّ الأخيرة.
وقد أحيط المجمع بأسوار يصل ارتفاعها إلى ما بين 12 و18 قدما وأسلاك شائكة وجدران داخلية، وبوابتين أمنيتين.
ويحرق سكان المجمع نفاياتهم على عكس بقية السكان في الجوار الذين يضعون نفاياتهم في الخارج ليجمعها عمال القمامة.
والمبنى الأساسي من المجمع مؤلف من ثلاث طبقات ونوافذ قليلة تطل إلى الخارج، وقدرت قيمة المنزل بحوالي مليون دولار، ولكن لا تصل إليه خدمات الهاتف والانترنت، ولم يكن لدى الأخوين أي مصدر لتبرير ثروتهما.
وتوصل عملاء الاستخبارات إلى تحليل يفيد أن المعسكر أنشئ حسب الطلب لإخفاء شخص بالغ الأهمية، وقال المسؤولون « عرفنا أن أشخاصاً آخرين يعيشون في المجمع غير الأخوين وعائلتيهما، فعائلة ثالثة أقامت هناك، وعددها وقوامها يلائم أفراد عائلة بن لادن الذين اعتقدنا أنهم يرافقونه»، وأشاروا إلى أنه استناداً إلى معلومات استخبارية أفيد أن بن لادن يقيم في المجمع مع أفراد من عائلته بينهم زوجته الأصغر سناً.
وقالوا إن كل ما رأوه كان يتطابق مع الفكرة التي وضعتها الاستخبارات حول شكل ملجأ بن لادن، ولم يتلاءم أي مرشح آخر مع تلك المواصفات.
أوباما أمر بالانطلاق
وأوضح المسؤولون ان الرئيس باراك أوباما منح يوم الجمعة الماضي الإذن بشن العملية التي نفذها فريق صغير من الأميركيين صباح الأحد بتوقيت باكستان. ووجهت الأوامر للفريق بقتل بن لادن لا اعتقاله، كما صرح مسؤول عن الأمن القومي، الذي اشار إلى أنها «كانت مهمة قتل»، موضحا انه لم تكن هناك رغبة في اعتقال بن لادن حيا.
وقد شنت مروحية أميركية غارة على المجمع، ثم نفذ فريق صغير العملية التي شددت على تفادي وقوع أضرار جانبية لتفادي وقوع ضحايا في صفوف الأشخاص غير المقاتلين في المجمع والمدنيين الباكستانيين المدنيين في الجوار.
وقال المسؤولون «بقي فريقنا في المجمع لأقل من 40 دقيقة ولم يلتق أي سلطات محلية فيما نفذ المداهمة»، وقد قتل في العملية بن لادن بطلق ناري في رأسه، إلى جانب 3 رجال يعتقد أنهم المراسلان وأحد أبناء زعيم القاعدة، وقد قتلت امرأة حين استخدمها أحد المقاتلين كدرع بشرية وأصيبت امرأتان بجروح.
وخلال العملية تعرضت مروحية لعطل ميكانيكي فدمرها الفريق وغادر على متن المروحية الأخرى، وقال المسؤولون إن كل الأشخاص غير المقاتلين أبعدوا عن المجمع قبل تفجير المروحية.
وشدد المسؤولون على ان الولايات المتحدة لم تتشارك المعلومات الاستخبارية حول المجمع مع أي دولة أخرى بما فيها باكستان لدواع أمنية، مشيرين الى أن عدداً صغيراً فقط ضمن الحكومة الأميركية علم عن العملية.
إلى ذلك، أظهرت مقاطع فيديو عرضتها قناة «جيو» الباكستانية ألسنة اللهب تتصاعد من المجمع.
تقنيات التعرف
واستخدمت تقنية التعرف على الوجه، بالإضافة إلى تقنيات أخرى، لتأكيد هوية بن لادن، وأكدت جميعها أن الجثة تعود إلى زعيم تنطيم القاعدة.
ورغم أن إدارة واشنطن جزمت بأن العملية السرية لم يعلم بها سوى قلة من المسؤولين الأميركيين إلا أن باكستان قالت إن عناصر من جهاز الاستخبارات القومي كانت حاضرة أثناء العملية.
تسريبات المخابرات
من ناحية أخرى، سرب معهد «ستراتفور» للدراسات الاستخباراتية المعروف بقربه من المخابرات الأميركية بعض التفاصيل عن العملية التي استهدفت زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
وقال في تقرير مقتضب إن بن لادن قتل في عملية نفذتها قوات أميركية خاصة وسط معلومات عن تعاون استخباراتي باكستاني في تقديم المعلومات الخاصة بالعملية.
وبحسب ستراتفور، كان بن لادن يختبئ في مبنى جديد لا يزيد عمر بنائه على خمس سنوات مما يعني أنه أعد أصلا كمخبأ لبن لادن.
وبحسب شهود عيان في المدينة، شاركت طائرات هليكوبتر أميركية وسقطت إحداها في العملية التي تمت بين الساعة الواحدة والثانية بعد منتصف ليل الأحد بتوقيت غرينتش، مشيرا إلى أن المعلومات الأولية ذكرت أن بن لادن وأحد أبنائه كانا مختبئين في منزل تحت حراسة مشددة لكن دون أي اتصالات لحظة وقوع العملية.
اللافت للنظر في تقرير ستراتفور قوله إن الاستخبارات الباكستانية قدمت عونا معلوماتيا لكن الحكومة الباكستانية لم تعرف بتفاصيل العملية مسبقا، مما يشير إلى أن الخطة بقيت طي الكتمان حتى لحظة تنفيذها.
وذكرت مصادر إعلامية أخرى أن مدير المخابرات المركزية الأميركية ليون بانيتا -المرشح لتولي منصب وزير الدفاع خلفا لروبرت غيتس- استدعي إلى الكونغرس في وقت مبكر من صباح الاثنين للإدلاء بتفاصيل العملية.
المخطط الذي صممه خبراء {سي آي إيه} للمجمع الذي كان يسكنه بن لادن قبل الغارة الأميركية عليه (أ. ب)