عند سقوط بقداد بايدي المغول يقودهم هولاكو لم تكن آنذاك بغداد الشهيرة في التاريخ، عاصمة الدنيا فقد ازدانت لخمس مائة عاما وفي المائة الاخيرة كانت تعاني المرض خاصة بعد الحرب التي اشتعلت من قبل بين الاخوين الامين والمأمون فقد تنافسا على كرسي الخلافة وكانت ام الامين عربية وام المأمون فارسية واستمر الخلاف قائما بين العرب والفرس حنى ادى الى تدهور المملكة العباسية حتى غزاها المغول بقيادة (هولاكو خان) حفيد (جنكيزخان) وكانت في ايام انحطاطها الاخير. عندما اصبح الخليفة العوبة بايدي المماليك والسلاجقة الذين اصبحوا قواد عساكر. كان على رأس المهاجمين (هولاكو خان) ومساعده الصيني (كوا خان) و(مونكة خان) القواد الكبار. كان الجيش المغولي المهاجم من اكبر الجيوش المغولية عددا. طلب هولاكو من الخليفة من مركزة في همدان ان يستسلم له لكنه أبى وحذر المغول من الهجوم لان الله حافظه ولكنه لم يكن مهيا لمقوامة هذا الجيش الكبير ولم يحصن اسوار بغداد وليس هذا فحسب بل ان الخليفة استفز هولاكو كما قيل وكان (مونكة خان) قد امر اخيه بعدم التعرض للخليفة اذا وافق الانصياع لـ (الخانية المغولية). قبل محاصرة بغداد استطاع هولاكو تدمير قلعة الموت الخاصة بالاسماعليين الحشاشين في الشمال الغربي من ايران وبعد ذلك القوا القبض على رئيسهم وارسلوه الى منغوليا وهناك قتلوه بعد مذابح بالجملة قاموا بها قضوا فيها على الاسماعيليين.
من ايران اتجه (هولاكو خان) نحو بغداد. وعندما اقترب من المدينة قسم جيشه الى قسمين لكي يهددا الضفتين الشرقية والغربية من دجلة اما جيش الخليفة المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله بن منصور المستنصر (1213 - 1258) آخر خليفة عباسي في بغداد. ولد عام 609 هـ من أم تركية وعمل على إدخال العنصر التركي للحكم العباسي. حكم بين اعوام 1242 و 1258 بعد أبيه المستنصر بالله. في عام 1258، ألقى زمام الأمور بايدي الإمراء والقواد، واعتمد على وزيره مؤيد الدين بن العلقمي. يقال أن ابن العلقمى بعث لهولاكو يشير عليه باحتلال بغداد، فزحف هولاكو سنة 645 هـ وخرجت إليه عساكر المستعصم فلم تثبت طويلا، ودخل هولاكو بغداد. جمع ابن العلقمي سادات وعلماء بغداد إلى (هولاكو خان) حيث قتلهم جميعا والمعروف ان جنود (هولاكو خان) استمروا في القتل حتى بنوا اهرامات من جماجم اهل بغداد، اما الخليفة المستعصم فقد أبقوا عليه إلى أن دلهم على مواضع الأموال والذهب ثم قتلوه، وكان قتله على يد التتار سنة 656 هـ. وبموته سقطت دولة بني العباس كليا. فقد صد الهجوم من الجهة الغربية الا انه اندحر في الهجوم الثاني اذ خرب المغول بعض السدود مما اغرق الارض التي خلف الجيش المدافع فوقعوا في الفخ مما سبب ذبح الكثير من جنود الخليفة او غرقهم. اما الجيش الآخر الذي يقوده الصيني كوا خان فقد حاصر المدينة حصارا استمر من 29 كانون الثاني وفي 5 شباط استولوا على السور حاول الخليفة المستعصم التفاوض الا امه رقض طلبه. وفي 10 شباط 1258 استسلمت بغداد للمغول فحدثت فيها المجازر والنهب والاغتصاب والدمار. فدمروا مكتبة بغداد التي تضم الآلاف من المخطوطات في الفلك والطب والتاريخ و قيل آنذاك ان الكتب التي القيت في نهر دجلة جعلت الماء اسودا كما دمروا بيماراستانات مما ادى الى موت 200 مريض ومساجد وقصور، وبعض دارسي التاريخ الآن يقدرون عدد الناس الذين قتلوا كان بين 200 الف الى مليون. اما الناس الذين حاولوا الهروب فقد قتلهم الجند المغول. يقول الرحاله ماركو بولو ان هولاكو جوع الخليفة المعتصم حتى الموت. لكن الروايات تقول انهم لفوه في سجادة ورحوا يهبشون عليه حتى فارق الحياة كما قتلوا احد اولاده وبقي واحد على الحياة ولكنهم اخذوه الى منغوليا ولم يعد له اثر. ولكثرة الخراب انتقل المغول من بغداد الى خارجها، ومن عادة المغول ان يدمروا المدينة التي تقاوم اما المدن التي تستسلم من البداية فاهنا قد تسلم من التدمير. هاجموا سوريا فاستلوا على دمشق التي نجت من الدمار لانها استسلمت للمغول دون حصار بعد ان استولوا على حلب وقضوا على الايوبيين. اما مماليك مصر فقد اصروا على المقاومة فحدثت معركة (عين جالوت) في 1260 فاندحر فيها المغول اندحارا شنيعا، قيل ان هولاجو بلغه ان اخيه الخان العظيم (مانكو خان) في الصين قج مات فرجع الى ايران فقسم جيشه مما جعل جيشة المتوجه بقيادة ابن عمه (تيريك) الى مصر ضعيفا فاندحر في (عين جالوت). تقدموا في البداية ولكنهم اصابهم الفشل الذرع امام المماليك وغرق اكثر الجنود بالماء بعد ان كسرت حوافر ارجل الخيل طبقة الجليد التي كانت تغطي البحيرة. وكذلك بسبب قيام الموصل وبلاد الفرس بمقاوتهم.
اما بغداد فبقيت مدمرة خالية من السكان لعدة قرون، ثم اخذت في الرجوع من جديد ولكن لم تبلغ علوها وازدهارها الاول ولم تعد بغداد، بغداد الاشراق وارض المعرفة والحضارة. وكما وصفها عبدالله واصف (اجتاح المدينة العقبان وانقضوا على الحمام والذئاب افترست قطعان الغنم واختلط الحابل بالنابل وانتشر القتل والارهاب... الاسرة والارائك المصنوعة من الذهب قطعوها بالسكاكين اربا اربا، اؤلئك الذين في بيوت الحريم اختطفوهن ورموهن في الشوارع والازقة وجعلوهن لعبا في ايديهم ومات السكان بايدي الغزاة) اورد هذه العبارات (ديفد مورغن) احد المتخصصين في هذه الشؤون. ويرى التاريخييو ان الوحش المغولي خرب قنوات الري فسبب الملوحة للاراض العراقية لعدة قرون، كما قتل الماهرون في الصناعات او هربوا ولم يعد هناك من ماهر يرعى شؤون الري او من رجال المهن، وهذه الفكرة اوردها المؤرخ (ستافوبلك سوجيك) في كتابة (تاريخ داخل آسيا) الصادر عام 2000 وايده كثيرون منهم (ستيفان دج). كما يرى آخرون ان ملوحة الارض كانت السبب في تدني الزراعة في العراق. قال المؤرخ (روفان اميتاي بريس) ان اعداء العباسيين ساعدوا هولاكو في حملته على بغداد بيد ان المؤرخ آلاخر (ديفد نيكول) يقول ان اعداء العباسيين الذي ساعدوا هولاكو فعلوا ذلك خوفا من البطش بهم. والواقع ان الذين استسلموا كالجنوب من ايران قد سمح لهم بالعيش وسمح المغول لجيوشهم ان يلتحقوا بجيش هولاكو كما التحقت القبائل التركية بالجيش المنغولى.
هولاكو هو حفيد (جنكيز خان) اما مؤسس الامبراطورية المنغولية، و (جنكيز خان) فهو الابن الثالث لمؤسس امبراطورية الخانات. قبل موت مؤسس الخانات عين الابن الثالث اثر موته في 1241، ظهر التصدع في المملكة بالتنافس بين احفاده فحسموا الامر بتعيين (اوكاداي) ارملة الرئيس واستمرت خمس سنوات، وبقي الخلاف قائما حتى حسم المنافسة (مونكه خان) واستمر من 1251 حتى 1259 واعتبر اخانا عظيما. ثم جاء (قوبلاي خان) من 1260 الى 1294 رغم انه اعتبر خانا عظيما الا انه لم يستطع حل الخلاف.
الواقع ان اندفاع هولاكو نحو الهجوم على بغداد حدث بسبب تأثره بالافكار الفارسية التي كانت تكمن العداء للعرب، ويقال ان هولاكو كان يستعين بمستشارين من الفرس وكانوا يريدون الانتقام من الدولة العباسية وكانت حركاتهم وثوراتهم كبيرة ضد حكام بغداد لان العباسيين كانوا قد سيطروا على بلاد فارس. وقبيل الهجوم على بغداد ارسل هولاكو الى الخليفة المستعصم رسالة قائلا له (عندما اقود جيشي نحو بغداد بغضب وان اختفيت انت في الجنة او الارض، سآتي بك الى اسفل من السماء الدوارة، والعب بك في الهواء كالاسد، ولن ادع واحدا حيا في خيالك، ساحرق مدينتك وارضك واحرقك انت اذا رغبت في الحفاظ على نفسك وعائلتك، فانصع لنصيحتي باذن صاغية واذا لن تنصع فسترى ما حسم الله في امرك). كان هولاكو دائما يحسب حساب احتلال بغداد وكانت الفكرة قائمة في ذهنه لمدة عشر سنوات لكن اخوه الخان كان يقول له كن رحيما بالذين يستسلمون فقط. وجرت حرب بين (هولاكو خان) و (بيركة خان) العشائري الالخاني على جبال قاوقاسيا في عقد الستينات 1260 بعد تخريب بغداد، فمما سبب تفكك امبراطورية الخانات وقيام (بيركة خان) بالحاق العراق لامبراكورية المغول، ثم تقدم نحو سوريا وفلسطين وبدأ بشن الحرب على مماليك مصر وكان يجمع الاسلاب لتزويد جيشه بالمال، في وقت غزى ابن عمه (نوكاي خان) بولندة في اوربا في عام 1259 واستولى على كراكاو وساندوميرز وبعدها عقد بيركة اتفاقية مع المماليك الذين كانوا سلاطين مصر. الحرب بين (هولاكو خان) و (بيركة خان) اثارت حربا اهلية بينهم. كان المنغوليون رعات بقر وفرسان خيول اصيلة الى درجة انهم لايستطيعون المشي على ارجلهم كما ان اعداد راكبي الخيول لاعد لهم وقد وصفتهم المخطوطات الروسية حين وصلوا اسوار كييف (كانت ضجة عرباتهم ونهيق الجمال والبقر والخيل عالية مما يسبب صعوبة سماع احاديث الناس) ولهذا فانهم عندما يشننون هجمات يجعلونا في الربيع حيث تتكاثر الحشائش عل الارض. يقول احد المؤرخين انهم استخدموا اساليب الارهاب في حروبهم اعتمادا على قوتهم الجسمية ووجوههم القبيحة فهم يملكون خواصر ضيقة وارجل صغيرة ورؤوس كبيرة وهم فوق كل ذلك يذبحون الحيوانات ويشربون دمائها كما يحتفلون بشرب (الكوميس) وهو حليب الفرس عند انتصاراتهم. كما كانوا يأكلون جذور النباتات والكلاب والفيران. وهم انفسهم يعتقدون بانهم مخلوقات من رؤوس كلاب ولحم انسان.
وعندما مات جنكيز خان في 1227 كانت امبراطوريتهم قد امتدت من نهر الفولغا حتى المحيط الهادئ وشملت ممتلكاتهم الصين والهند وافغانستان وبلاد فارس وتركستان وروسيا، دمروا خلالها الكثير من المدن وقتلوا اكثر من 18 مليون شخص في الصين وحدها، اما المدن العراقية التي استولوا عليها بالاظافة الى بغداد فهي الموصل وكربلا وتكريت. قيل عن (جنكيز خان) انه كان له خمسة آلاف زوجة وجارية، حيث كان الضباط يختارون الاسيرات الجميلات ويرسلوهن الى الرؤساء الاعلى، وكانت حصص (جنكيز خان) الاعلاهن جمالا. قام الدكتور (تايلر سمث) الاخصائي في الوراثيات وآخرون من الصين، بفحوص نماذج من دماء لسكان الاقطار التي جاورت الامبراطورية المنغولية، للتحري عن الكروموسوم Y اي الحقيبة الوراثية، فوجدوا ارثا من الا جداد مما يقارب الف سنة، فخرجوا بحقيقة انهم يحملون سلالة (جنكيز خان) وهو الارث القائم منذ القرن الحادي عشر بنسبة 8% اي تواجد نفس الكروموسوم Y في 16 مليون رجل اي نصف بالمائة من سكان العالم ويعني ذلك تواجد 32 مليون رجل في العالم يحملون مورثات من (جنكيز خان). الذي واجهه جيش هولاكو هو الطاعون والجوع مما ادي الى تشرذم المنغول. وفي الموصل رغم استسلامها للمغول، فقد جرى توحد بين الكورد والعرب والقبائل فتمردوا على الامير المعين من المغول فتحصنوا خلف السور مما ادي الى حصار فتسلق المغول السور واستولوا على المدينة فامسكوا بالامير الذي عينوه بانسهم ووضعوه في جلد خروف تحت الشمس حتى اكلته الحشرات فمات شر موته.
قيل عن (هولاكو خان) انه كان مصابا بالصرع وازداد الصرع فيه عندما شاخ وقيل عنه انه ازداد قلقا عندما رأى في السماء نيزكا ساقطا، فازداد قلقا وعندما مات ضحوا بنساء جميلات لدفنهن معه في القبر.ولم تنتهي مأساة بغداد بموت (هولاكو خان) اذ ظهر رئيس شرس آخر وهو (تيمور لنك) الذي دمر ممالكا وبلدانا كثيرة وفي 1393 وطأ بغداد دون مقاومة الا انهم في 1401 تمردوا على (تيمور لنك) التركي الاصل فغضب وراح يدمر بغداد من جديد في كل ما ابقاه (هولاكو خان) ما بعد الخراب الاول فسقطت بغداد الى التراب وغدت مآوي للغربان. وفي عصرنا هذا ليس بيننا (هولاكو خان) واحد ولا (تيمور لنك) واحد بل مئات منهم وهم يدمرون الآن العراق باكثر مما فعله (هولاكو خان) ثم (تيمور لنك).