الْحَمْدُ للَّهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَلا خِلافَ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِيْنَ فِي أنَّ النَّصَارَى (الْمَسِيْحِيينَ) كُفَّارٌ، وَأَعْنِي بِذَلِكَ الَّذِيْنَ لَمْ يُؤمِنُوا بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ بَعْدَ مَبْعَثِهِ، وَهَذَا الأَمْرُ مِنَ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّيْنِ بَالضَّرُوْرَةِ.
وَلَكِنْ خَرَجَ عَلَيْنَا فِي هَذَا الزَّمَانِ مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَى الإِسْلامِ وَيُخَالِفُ هَذِهِ العَقِيدَةَ الثَّابِتَةَ، فَمِنَ الوَاجِبِ عَلَيْنَا أَنَّ نُبَيِّنَ للنَّاسِ الْحَقَّ؛ فَقَدِ انْتَشَرَ الْجَّهِلُ بِالدِّيْنِ الإسْلامِيِّ بَيْنَ كَثِيْرٍ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ، فَإِلَيْكُمْ هَذَا الْبَيَان:
(( الأَدِلَّةُ مِنَ الْكِتَابِ والسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِيْنَ عَلَى كُفْرِ النَّصَارَى (الْمَسِيْحِيينَ) الضَّالِّيْنَ ))
مِنَ الْمَعْلُوْمِ أَنَّ النَّصَارَى قَدِ ارْتَكَبُوا عِدَّةَ أَنْوَاعٍ مِنَ الكُفْرِ، فَسَأَذْكُرُ مِنْهَا أَعْظَمَهَا وَأَخْطَرَهَا:
النَّوْعُ الأَوَّلُ: شَتْمُ وَسَبُّ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92)}[مريم:88-92].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((قَالَ اللَّهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي لَنْ أُعِيدَهُ كَمَا بَدَأْتُهُ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وَأَنَا الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُؤًا أَحَدٌ))([1]).
النَّوْعُ الثَّانِي: الإشْرَاكُ بِاللَّهِ؛ فَقَدِ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَسِيْحَ إِلَهٌ، وَكَذَلِكَ اعْتَقَدُوا أَنَّ رُوْحَ القُدُسِ إِلَهٌ:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)}[المائدة:72-76].
النَّوْعُ الثَّالِثُ: عَدَمُ الإيْمَانِ بِرِسَالةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ :
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151)}[النساء:150-151].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، أَنَّهُ قَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ))([2]).
قَالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: [وَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ أَنَّ مَنْ بَلَغَتْهُ رِسَالَةُ النَّبِيِّ فَلَمْ يُؤْمِنُ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ الاعْتِذَارُ بِالاجْتِهَادِ؛ لِظُهُورِ أَدِلَّةِ الرِّسَالَةِ وَأَعْلامِ النُّبُوَّةِ]([3]).
النَّوْعُ الرَّابِعُ: عَدَمُ إقَامَةِ مَا جَاءِ فِي الإنْجِيْلِ مِنْ الإيْمَانِ بِرِسَالةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ :
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[المائدة:68].
قَالَ الإمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): [فَأَمَّا أَهْلُ الكِتَابِ، فَالْمُرَادُ بِهِمْ: اليَهُودُ والنَّصَارَى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ} أَيْ: لَسْتُمْ عَلَى شَيءٍ مِنَ الدِّيْنِ الْحَقِّ حَتَّى تُقِيْمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيْلَ، وَإِقَامَتُهُمَا: العَمَلُ بِمَا فِيْهِمَا، وَمِنْ ذَلِكَ الإِيْمَانُ بِمُحَمَّدٍ ]([4]).
النَّوْعُ الْخَامِسُ: الْكُفْرُ بِالنَّعِيْمِ الْحِسِّي لِلْجَنَّةِ:
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي:
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا}[الكهف:103]: هُمُ الحَرُورِيَّةُ؟ قَالَ: (( لا هُمُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، أَمَّا اليَهُودُ فَكَذَّبُوا مُحَمَّدًا ، وَأَمَّا النَّصَارَى فَكَفَرُوا بِالْجَنَّةِ وَقَالُوا: لاَ طَعَامَ فِيهَا وَلاَ شَرَابَ، وَالْحَرُورِيَّةُ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ )). وَكَانَ سَعْدٌ يُسَمِّيهِمُ الفَاسِقِينَ([5]).
بَيَانُ الإجْمَاعِ عَلَى كُفْرِ النَّصَارَى، وَعَلَى كُفْرِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُمْ:
قَالَ الإمَامُ ابْنُ حَزْمٍ: [وَأخْبَرَ - تَعَالَى - عَنِ الْكفَّارِ، فَقَالَ:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[الزُّخرُف:87]، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أََنَّهُمْ يَعْرِفُونَ صِدْقَهُ وَلا يُكَذِّبُونَهُ، وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَهُمْ كُفَّارٌ بِلا خِلاف مِنْ أَحَدٍ مِنَ الأُمَّةِ، وَمَنْ أَنْكَرْ كُفْرَهُمْ فَلا خِلافَ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الأُمَّةِ فِي كُفْرِهِ وَخُرُوجِهِ عَنِ الإِسْلامِ]([6]).
وَقَالَ الإمَامُ ابْنُ حَزْمٍ أيْضًا: [وَاتَّفَقُوا عَلَى تَسْمِيَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كُفَّارًا]([7]).
وَقَالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: [وَمَنْ لَمْ يُحَرِّمْ التَّدَيُّنَ - بَعْدَ مَبْعَثِهِ - بِدِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، بَلْ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُمْ وَيُبْغِضْهُمْ فَلَيْسَ بِمُسْلِمِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ]([8]).
وَقَالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَيْضًا: [فَإِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى كُفَّارٌ كُفْرًا مَعْلُومًا بِالاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الإِسْلامِ]([9]).