- رواية استبداد المماليك :
سنجد جرجي زيدان يسرد قصة عبد الرحمـــن وزوجته سالمة وابنه حسن وخادمه علي وما لقيته هذه الأسرة من معاناة وظلم وحيف وتشرد وغربة في ظل استبداد المماليك بمصر إبان علي بك الكبير وخلفه كذلك محمد بك أبو الذهب.
ويتقاطع في هذه الرواية الجانب التاريخي والجانب السردي الفني، فالجانب الأول يكمن في رغبة علي بك – شيخ المماليك – في الخروج عن طاعة الدولة العثمانية والاستقلال بمصر بمساعدة الجيش الروسي الذي دخل في حرب مع هذه الدولة الكبرى . وكان هم علي بك هو التحرر من الخلافة والانطلاق من القاهرة لتحرير الجزيرة كلها بمساعدة حاكم عكا الشيخ ظاهر الزيداني، بيد أن (محمد بك أبو الذهب) خليفة علي بك وصهره لما وصل بقواته الضخمة إلى سوريا، وقّّع على صلح و عهد بألا يكون مواليا إلا للدولة العثمانية وأن يحكم مصر بدلا من علي بك مما أوقعهما في حرب أدت بهما إلى حتفهما
انطلاقا من هذا الجو التاريخي والسياسي، يدين جرجي زيدان ظاهرة الاستبداد التي تفشت في مصر إبان المجتمع المملوكي من خلال ما لقيته أسرة عبد الرحمـــن باعتبارها نموذجا اجتماعيا فقط من بأس شديد لا قبل لها به. فاغتصبت أملاك عبد الرحمــن الذي يعد من أكبر التجار الصالحين بسبب الخنق على تجارته وإرهاقه بالضرائب غير المشروعة، كما أخذ الجنود الظالمون منه ابنه الوحيد وأرادوا إرساله إلى ساحة الحرب لمواجهة العثمانيين. ودفع أبوه الكثير لعلي بك ليفتديه. وعلى الرغم من ذلك فشلت كل محاولات الهروب من استبداده، مما أوقع الأسرة في مهب التشتت والغربة و الضياع، فافترق الأب عن زوجته وابنه و خادمه ولم يجمع الله شملهم إلا في عكا بعد عدة حوائل وبعد صبر ومعاناة وسفر وارتحال وحسن نية وعطاء و بذل الخير العميم والإحسان إلى الآخرين.