الخلفاء يستعيدون السيطرة على بغداد (1136 - 1242)الجامعة المستنصرية في بغداد، والمسماة على اسم مؤسسها الخليفة المستنصر.
استطاع المقتفي لأمر الله أن يستقل بحكم بغداد وجوارها عن السلاجقة المستقلين بمحاربة بعضهم بعض، ودعم الأسرة الزنكية التي بلغت شأنًا عاليًا في محاربة الصليبيين واستطاعت استعادة الرها منهم؛ وعندما توفي عام 1170م بويع ابنه المستنجد بالله بالخلافة، فاستمر بسياسة والده الرامية إلى الحفاظ على استقلال بغداد وجوارها، وأرسى إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة، وكان في خلافته أن خطب للعباسيين في مصر على يد الدولة الزنكية بعد وفاة آخر الخلفاء الفاطميين العاضد لدين الله، وبذلك توحدت الخلافة الإسلامية مجددًا؛ كما شهدت خلافته قيام السلطنة الأيوبية بقيادة صلاح الدين الأيوبي الذي سيطر على بلاد الشام والحجاز واليمن ومصر وليبيا، واستطاع صلاح الدين في عهد الخليفة المستضيء بأمر الله استعادة القدس وعدد آخر من المدن التي كانت واقعة تحت سيطرة الصليبيين عام 1187م في أعقاب معركة حطين، وتصدى للحملة الصليبية الثالثة.
[49] وتلى المستضيء ابنه الناصر لدين الله، والذي استطاع كما فعل والده وجده، الحفاظ على الجزء الأكبر من العراق مستقلاً تحت إدارته الفعلية لا إدارة الوزراء أو الجيش، وقد دعا عدد من المؤرخين فترة هؤلاء الخلفاء الذين استقلو بالعراق اسم "فترة استعادة هيبة الخلافة"، وقد توفي الناصر لدين الله، والذي اشتهر بالحكمة والحنكة، بعد خلافة طويلة دامت خمسةً وأربعين عامًا في أكتوبر سنة 1225م.
[50]في الواقع، فإن وضع العراق خلال عهد الناصر لدين الله، كان أفضل بكثير عن سائر أمصار الدولة العباسية؛ فبعد وفاة صلاح الدين الأيوبي عام 1193م ودفنه في دمشق، اقتسم أولاده السبعة عشر سلطنته المترامية الأطراف، وكما فعل السلاجقة من قبلهم، تحارب الأمراء الأيوبيون وشكلوا أحلافًا ضد بعضهم البعض،
[51] واستوردوا قبائل تركية وشركسية دعيت لاحقًا باسم المماليك؛ أما أحوال أقصى المشرق الإسلامي، كبخارى وكابُل وجوارهما، فكانت سيئة هي الأخرى، بسبب تعرضهما للغزو والتخريب من قبل المغول بقيادة جنكيز خان. على أن ما وصل من أخبار ذلك العصر في العراق وسواه، لا تفيد بأوضاع ثقافية جيدة أو دعم للعلوم والفنون من قبل الخلفاء وحاشيتهم، كما كان الحال في عصر الدولة الذهبي.
تلى الناصر ابنه الظاهر بأمر الله، لكنه توفي بعد عام واحد فقط، وصارت البيعة لابنه المستنصر بالله عام 1226م وقد أسس الجامعة المستنصرية،
[52] ونقل المؤرخون أنه أسس دورًا لضيافة الفقراء وإعتاق الرقيق،
[53] وفي خلافته سيطر المغول على بلاد فارس محاذين بذلك العراق.
[عدل] خلافة المستعصم بالله ونهاية الدولة (1242 - 1258) مقالات تفصيلية :المستعصم بالله و سقوط بغداد (1258)
هولاكو يسجن الخليفة ويمنع عنه الطعام والشراب حتى موته في 20 فبراير سنة 1258م، وقد ترك هولاكو للخليفة صحون وأكواب الذهب التي كان يأكل بها فارغة أمامه في السجن.
توفي المستنصر في ديسمبر من سنة 1242م، وتلاه ابنه المستعصم بالله آخر العباسيين في بغداد؛ والذي شهدت خلافته نهاية محطات مهمة في تاريخ الخلافة العباسية؛ منها فشل الحملة الصليبية السابعة والثامنة وهما آخر الحملات الصليبية مما عجل في نهاية تلك الحقبة، وعمومًا فإنه باستثناء الحملة الصليبية الأولى والثالثة والرابعة التي توجهت إلى القسطنطينية لم تحقق أي حملة صليبية نصرًا هامًا وطويل الأمد في المناطق التي استولت عليها. وفي أعقاب الحملة الصليبية الثامنة، كانت أملاك الصليبيين الأساسية في المشرق تقتصر على أنطاكية وطرابلس وعكا كجزر متناثرة وغير متصلة جغرافيًا. كذلك فقد شهدت خلافته نهاية السلطنة الأيوبية عام 1250م بعد وفاة الملك الصالح أيوب واستلام شجرة الدر السلطنة مكانه ثمانين يومًا ليقوم جند زوجها بخلعها والسيطرة على الحكم بانقلاب سلمي. انتخب إثره عز الدين أيبك سلطانًا.
[54]مخطوطة تصور الحصار المغولي لبغداد عام 1258، قبل اقتحامها في 10 فبراير سنة 1258م، ويظهر في الصورة نهر دجلة.
أما الحدث الثالث، فتمثل بسقوط بغداد حاضرة الخلافة على يد المغول بقيادة هولاكو خان التتري، حيث سار هولاكو على رأس جيش ضخم بأمر من إمبراطور المغول منكو خان الذي أمر ان يخرج معه كل ذكر قادر على حمل السلاح في الإمبراطورية، ثم انضم للجيش قبائل أرمنية وجورجية وتركية وفارسية.
[55][56] ويرى المؤرخ آلان دمورجيه أن الجيش الصليبي المرابط في أنطاكية وطرابلس كان أيضًا من المشاركين في الهجوم.
[57]طالب هولاكو الخليفة المستعصم بالله بالاستسلام، ولكن الخليفة رفض
محذرًا المغول من العقاب الألهي الذي سيحلّ بهم في حال هاجموا الخلافة؛
يشير الكثير من المؤرخين بأن أحد أسباب نجاح الهجوم المغولي هو حالة الجيش
العباسي الضعيفة وتسريح عدد كبير من جنده لتقليص النفقات خلال تولي ابن العلقمي
شؤون الوزارة، فضلاً عن ضعف استحكامات المدينة وعدم تقوية أسوارها؛ يقول
ديفيد نيكول بأن الخليفة بالإضافة لفشله بتجهيز آلية الدفاع عن المدينة
بشكل جيد، فقد أساء كثيرًا لهولاكو بتهديده إياه، إضافة إلى وثوقه المبالغ
فيه لوزيره ابن العلقمي، ما ساهم على تدمير المدينة والخلافة، مع أن مونكو خان أمر أخاه هولاكو بالمحافظة على الخلافة إن وافق الخليفة الخضوع لسلطة المغول.
[58]قبل التوجه إلى بغداد، دمر هولاكو قبائل اللور ومن ثم حصّل استسلام الإسماعيليين والمعروفين أيضًا باسم الحشاشين بعد أن حاصر حاضرتهم قلعة ألموت في شمال إيران على شواطئ بحر قزوين، ورغم ذلك فقد قتل هولاكو الكثير منهم باستثناء نصير الدين الطوسي وأتباعه والذين لحقوا بجيش هولاكو المتوجه لمحاصرة بغداد منذ عام 1256م. قسم هولاكو جيشه إلى قسمين، وضرب حصارًا حول بغداد بدءًا من يوم 29 يناير سنة 1258م؛
دمر المغول السدود وقنوات الري ما ساهم في تدمير الزراعة وإفاضة المياه
داخل المدينة، ثم إن قصف المقالع والمناجيق سهلت سقوط استحكامات العباسيين
الواحدة تلو الأخرى حتى أحاط المغول بالمدينة من كل جانب يوم 5 فبراير
1258م / 30 محرم 656هـ؛ حاول المستعصم أن يفاوض المحاصرين لكن هولاكو رفض،
واقتحم بغداد يوم 10 فبراير 1258 م / 4 صفر 656هـ، مرتكبين مذابحًا
بحق أبنائها، وبحسب بعض المصادر بلغ عدد القتلى من الجند والمدنيين مليوني
شخص بل حتى من حاول من الأهالي الفرار عمد المعول إلى قتله،
[59] ويذكر أن هولاكو أمر بنقل مقر المخيم بسبب روائح الموت المنبعثة؛ كما
بدؤوا عمليات سلب ونهب ثم إحراق، فتلفت المكتبات وما تحويها وقيل أن مياه نهر دجلة تحولت إلى اللون الأسود لكثرة ما رمي فيها من أوراق محترقة،
[60] وكذلك حال المساجد والقصور والجامعات.
[61] أما الخليفة فقد أمر هولاكو بحبسه ثم منع عنه الطعام والشراب حتى مات في 20 فبراير 1258م، لتزول بذلك الخلافة العباسية في بغداد.
[62]