أبطال المقاومة :
اولا:
الشهيد أحمد الحنصالي المقاوم الأول بمنطقة الأطلس المتوسط
يرجع
نسب احمد الحنصالي إلى أسرة شريفة، حيث كان جده سعيد الحنصالي من الشرفاء
الذين تقع زاويتهم شرق مدينة أزيلال، والده يسمى موحى ووالدته تسمى عائشة.
وقد إ ازداد الشهيد الحنصالي في العشرينات بزاوية أحنصال ، نشأ يتيم
الأبوين وهاجر في سن مبكرة إلى دوار ايت احبيبي بقيادة تاكزيرت إقليم بني
ملال حيت اشتغل راعيا ما يقارب من ثماني سنوات عند عند عائلة ايت زايد
اورحو، ثم خماسا بدوار ايت وودي، قبل أن يتوجه الى بونوال حيث كان يرعى
البقر عند المسمى موحى والعيد ثم اشتغل بعدها عاملا مداوما وكان مستقرا مع
المخزني اسعيد اوخلا الذي كان مكلفا بحراسة المركز الفرنسي على المنطقة
يعتبر
احمد الحنصالي المقاوم الأول بمنطقة الأطلس المتوسط الذي تحدى حاجز الصمت
والتردد وتخطى ظروف الحيرة والانتظار مزق مخانق التطويق الاستعماري العنيف.
فقد ابتدأ هذا الثائر القروي، والفلاح الصغير الفصل الأول من ثورته
الكبرى يوم 13 مايو 1951 حينما اعترض سيارة يركبها أربعة من الفرنسيين وهي
في طريقها بين سد بين الويدان وافورار وإقليم أزيلال فأطلق الرصاص عليهم
حيت أصيب تسوتينو وأمه بإصابة لقيا على إثرها مصرعهما وفي حين أصيب كون
وزوجته بجروح مختلفة وقد تمت الحادثة في واضح النهار وفي موقع جبل استولى
الثائر الحنصالي على سلاح الفرنسيين كغنيم أولى وكسلاح أول من أول عملية
ثورية قام بها، واستمر في أعماله الثورية والفدائية في أمكنة ومواقع مختلفة
متباعدة عن بعضها البعض من عشرة إلى مائة وخمسين كلم وخلال هذه الرحلة
الفدائية استطاع الشهيد قتل العديد من حراس الأمن والمتعاونين معهم ونتيجة
لذلك تدخلت السلطة الفرنسية للبحث عن الحنصالي ومطالبة متابعة خطواته
وعملياته في شعاب وغابات القصيبة وبني ملال وكتشاف مخابئه وفي يوم 23يوليوز
1951 تم القبض عليه بعد سنتين من انطلاق ثورته تقريبا في سد بين الويدان
حيث اعتقلت السلطات الفرنسية العديد من سكان المناطق الجبلية التي تنقل
فيها الثائر أحمد الحنصالي والتي باشر منها ثورته ممن اشتبه فيهم أمثال
سيدي موحا احساين المعروف بولد سميحة الذي كان يناهز عمره ستين سنة وفي يوم
الاثنين 16 فبراير 1953وبعد سنتين من السجن، أصدرت المحكمة العسكري في حق
هذا البطل المقاوم الأول ورفيقه الحكم بالإعدام، ونقلوه إلى زنزانة فردية
في انتظار التنفيذ، وفي اليوم الموعود، أخرجوه مكبلا إلى ساحة المعتقل,
وقال" يا أسي عبد الرحيم بوعبيد." إلى اللقاء عند الله" وفي يوم 26ونبر
1953م تنفيذ الحكم بالإعدام في في حق الشهيد رميا بالرصاص وكان بذلك أول
حكم ينفد في حق المقاوم المغربي بغية التخويف والترهيب والحد من نشاط
لمقاومة. }وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . فَرِحِينَ بِمَا
آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ .. } [ آل عمران:169،170].
رحم الله جميع المقاومين وأسكنهم فسيح جنانه
الشهيد علال بن عبد الله
الشهيد
علال بن عبد الله وهو يحاول اغتيال السلطان الدمية بن عرفة
الخائن...محاولة الشهيد هي الشرارة الاولى لانطلاق العمليات الفدائية ضد
الاستعمار في المغرب......رحم الله الشهيد البطل ...
يعتبر
الشهيد علال بن عبد الله بن البشير الزروالي واحد من صفوة الشهداء الأبرار
الذين برهنوا بجهادهم وافتدائهم بالروح وبالدم عن سمو الروح الوطنية
والمقاصد النبيلة للاستماتة والتفاني في حب الوطن.
ورأى علال
بن عبد الله النور بجرسيف بقبيلة هوارة إقليم تازة فرقة أولاد صالح بدوار
أولاد صالح بربحية الكائن على بعد 4 كلومتر شرق مدينة جرسيف على الطريق
الرئيسية رقم 06 في إتجاه مدينة وجدة بعد تجاوز الجسر الحديدي المقام على
وادي ملوية مباشرة ، حوالي سنة1916 , واشتغل قبلامتهان حرفة الصباغة بمسقط
رأسه بمقهى كان قد اكتراها بوسط مدينة جرسيف والكائنة قبالة بلدية جرسيف
والتي كان يطلق عليها مقهى المواعييد قبل أن يغير صاحبها الحالي اسمها
ليصبح مقهى علال بن عبد الله بعدما زارت القناة المغربية الثانية المقهى في
إطار إعداد ربورتاج عن نشأة الشهيد ، بعدها سينتقل البطل بعد أن ضاق درعا
من استفزازات أحد المقدمين أعوان المستعمر إلى مدينة الرباط حيث استقر بحي
العكاري, واستطاع ربط علاقات مع عدد كبير من التجار بالمدينة ورجالاتها
ووطنييها لما عرف عنه من خصال حميدة وأخلاق حسنة وسجايا فاضلة وما تميز به
من غيرة عالية على وطنه وتشبث بالمقدسات الدينية والوطنية.
هكذا,
بادر هذا الوطني الغيور والمقاوم الجسور بروح الشهامة والجرأة والإقدام
وعلاقاته الطيبة مع رفاقه في العمل الوطني ومع صناع وحرفيي مدينة الرباط
إلى القيام بعمل بطولي وشجاع سيظل خالدا في ذاكرة التاريخ فداءا لملكه حيث
تصدى يوم الجمعة11 شتنبر1953 لموكب صنيعة الاستعمار "ابن عرفة" الذي كان
متوجها صوب مسجد أهل فاس لأداء صلاة الجمعة.
وانطلق الشهيد
علال بن عبد الله بسيارة من نوع "فورد" رمادية اللون بسرعة في اتجاه موكب
السلطان المفروض "ابن عرفة" وبيده سكين لطعنه به. غير أن ضابطا استعماريا
ارتمى عليه معترضا سبيله, وفي نفس اللحظة, أطلق النار مجموعة من رجال
البوليس السري كانوا متواجدين بنفس المكان على الشهيد علال بن عبد الله
رحمة الله عليه حيث سقط على الأرض مصابا بثماني رصاصات, خمس منها في الصدر
والجبين وثلاث في الظهر, فجسد بعمليته الاستشهادية روح النضال الوطني في
مواجهة الاحتلال, وقمة الروح الوطنية باسترخاص النفس وافتداء الروح التي هي
أعز ما عند الإنسان في سبيل المقدسات الدينية والوطنية.
وتلقى
المغاربة أصداء هذه العملية التاريخية بفرحة عارمة ألهبت الحماس الوطني
وأججت روح المقاومة لتتوالى فصولها عبر عمليات نضالية رائدة لمنظمات
وتشكيلات وخلايا الفداء التي كانت تستلهم قوتها من المواقف الشهمة للملك
المجاهد ويقينه بحتمية انتصار إرادة الوطن حيث قال عنها رضوان الله عليه
"وكان يقيننا راسخا في أن تلك المقاومة, وقد كنا أول من حمل مشعلها, ستظل
تستفحل يوما بعد يوم حتى تستأصل جذور الباطل".
وحرص المغفور له
محمد الخامس قدس الله روحه في السنة الموالية أثناء الاحتفال بذكرى ثورة
الملك والشعب إلا أن يشيد بالشهيد علال بن عبد الله قائلا "لقد أبينا إلا
أن نظهر اليوم عنايتنا بإزاحة الستار عن اللوحة التذكارية المقامة في
المكان الذي سقط فيه المغفور له علال بن عبد الله, ذلك البطل الصنديد الذي
برهن على أن العرش منبعث من صميم الشعب المغربي وأنه من كيانه وضمان وجوده
وسيادته, فهب يفتديه ويفتدي الأمة المجسمة فيه بروحه, حتى سقط في ميدان
الشرف صريعا, مخلفا للأجيال أعظم الأمثلة على التضحية والغيرة وحسن
الوفاء".
وأضاف أكرم الله مثواه "إننا نقف اليوم لنؤدي التحية
لأول بطل مغربي استرخص حياته في سبيل عزة بلاده وملكه, وإن علال بن عبد
الله الذي يعرف اسمه الصغير والكبير في هذه البلاد, كان يعلم يوم قام
بمحاولته أنه سيموت ولكنه لم يكن متيقنا من نجاحها. إن قصة علال بن عبد
الله قصة بسيطة ولكن مغزاها عظيم ومهم, يجب أن يبقى كدرس للوطنية الحقة,
لقد كنا في كورسيكا واليوم يوم جمعة11 شتنبر1953 وسمعنا تلك القنبلة التي
زعزعت أركان الاستعمار, وما زادت تضحيات علال بن عبد الله في قلب جلالة
الملك إلا إيمانا بقضية الوطن وثقة بالمغاربة".
وكان لهذه
العملية البطولية والجريئة للشهيد علال بن عبد الله أثرها البالغ في زعزعة
كيان الاستعمار وتلقى المغاربة أصداء هذه المعلمة التاريخية باستبشار وفرح
عارم اندلعت على إثرها المقاومة المغربية وتوالت فصولها من خلال عمليات
نضالية رائدة بمباركة من الملك المجاهد الذي كان يؤمن بحتمية انتصار الثورة
على الظلم والطغيان.
وتوالت العمليات الفدائية, وانطلقت شرارة
جيش التحرير بشمال المملكة في فاتح أكتوبر1955 وتكاملت هذه الطلائع من
خلايا المقاومين والفداء في العمل من أجل عودة الشرعية, وتكلل الجهاد
بانتصار إرادة الأمة المغربية وعودة ملكها الشرعي وأسرته الكريمة إلى أرض
الوطن.
من أبطال المقاومة الأمازيغية: موحا أو حمو الزياني
تمهيـــد:
يعد
موحا أوحمو الزياني من أهم أبطال المقاومة الأمازيغية في التاريخ المغربي
الحديث والمعاصر إلى جانب محمد الشريف أمزيان وعبد الكريم الخطابي وعسو
أبسلام ؛ لما أظهره من بسالة بادية للعيان في تاريخ القرن العشرين، وشجاعة
قل نظيرها في العديد من الحروب الحامية الوطيس و المعارك المظفرة التي سحق
فيها العداة سحقا شديدا وأذاقهم فيها هزائم نكراء.
وقد اشتهر موحا أو
حمو الزياني بنضاله المستميت في المعركة الشهيرة التي أباد فيها الكثير من
قوات الجيش الفرنسي في الأطلس المتوسط قرب مدينة خنيفرة، وتسمى هذه الواقعة
بمعركة لهري التي وقعت سنة 1914م ، بعد أن حاصر الفرنسيون مخيم قائد قبائل
زيان من جميع النواحي قصد القضاء عليه بصفة نهائية. وقد سببت مناوشات موحا
أوحمو وحروبه المتتالية ضد الغزاة في تأخير غزو الأطلس المتوسط والجنوب
الشرقي لسنوات عدة إلى غاية استشهاد الزعيم في سنة 1921م.
هذا، وقد سبب
موحا أوحمو الزياني لفرنسا المحتلة خسائر فادحة في العتاد والأرواح لمدة ست
سنوات من المعارك والحروب التي أبلى فيها الزيانيون البلاء الحسن بفضل
حنكة وخبرة البطل المجاهد الأمازيغي موحا أوحمو الزياني.
إذا، من هو
موحا أو حمو الزياني؟ وماهي أهم التطورات التي مرت منها مقاومته الباسلة في
تحدي المستعمر الأجنبي الفرنسي؟ وماهي الخطوات التي انبنى عليها سيناريو
معركة لهري ونتائجها المباشرة وغير المباشرة ؟ وما مصير مقاومة موحا أو حمو
الزياني؟
1- من هو موحا أو حمو الزياني؟
من المعلوم أن موحا
أو حمو من مواليد سنة 1877م، وكان قائدا مخزنيا على قبائل زيان منذ1887م
بمدينة خنيفرة التي اتخذها مقرا لمقاومته الشرسة ضد العدو الفرنسي منذ سنة
1914م. وعمل جاهدا على توحيد كلمة الأمازيغيين بالأطلس المتوسط، و جمع شمل
الزيانيين ، وكون جيشا مدربا على المقاتلة والتحدي والصمود والوقوف في وجه
الأعداء العتاة من الغزاة الأجانب، وتحالف مع القبائل الأمازيغية المجاورة
في الأطلسين: الكبير والصغير للوقوف في وجه القوات الفرنسية التي أرادت
إخضاع الأطلس المتوسط للتحكم في طرق المواصلات واستنزاف خيرات المنطقة
وتطويقها لفرض الأمن قصد استكمال مسلسل الاحتلال واستعمار باقي المناطق
المغربية التي لم يتم احتلالها بعد.
ومن المعروف تاريخيا أن زوجته يطو
هي التي حولت زوجها موحا أوحمو من خاضع للقوات الفرنسية إلى بطل مقاوم شهم
يدافع عن حرمات قبائل زيان باستماتة استشهادية ونبل كبير منقطع النظير.
هذا،
وقد استمرت مقاومة موحا أوحمو الزياني مدة ست سنوات من 1914م إلى 1920م،
ليستشهد البطل المقاوم في معركة "أزلاغن تزمورت" ضد الجنرال "بوميرو" يوم
27 مارس 1921م، ويدفن بعد ذلك في مقابر " تاملاكت".
وقد اشتهر موحا أو
حمو الزياني بمعركة لهري الشهيرة التي أذاق فيها العدو الفرنسي شر هزيمة،
وسحق فيها معظم قواته المحنكة بفنون الحرب وقواده المعروفين بدراية التخطيط
العسكري. ومن ثم، سيصبح موحا أو حمو الزياني دائما من أهم أبطال المقاومة
الأمازيغية، ومن أهم الرجال الشجعان والمجاهدين البواسل الذين يفتخر بهم
التاريخ المغربي الحديث والمعاصر، وسيبقى علما منتصبا في صفحات البطولة
والمقاومة يتذكره الماضي والحاضر والمستقبل .
2- تطور مقاومة موحا أو حمو الزياني؟
لم
تظهر مقاومة موحا أو حمو الزياني بشكل جلي إلا في سنوات العقد الأول من
القرن العشرين الميلادي قبل فرض الحماية الفرنسية على المغرب سنة 1912م.
وبدقة أكثر، لم تتأجج ميدانيا إلا مع محاولة الفرنسيين التغلغل في السهول
المغربية استعدادا لغزو جبال الأطلس الشامخة لتطويق رجال المقاومة الأمازيغ
الذين عرفوا بشراسة المعارك وقوة الشكيمة و الرغبة العارمة في الاستشهاد
والدفاع عن الحرمات والأعراض. وهكذا، نجد موحا أوحمو يصطدم مع الفرنسيين
منذ وقت مبكر حينما أرسل بعض قواته للدفاع عن الشاوية منذ سنة 1908م، كما
ساهمت قواته في الدفاع عن القصيبة سنة 1913م. وتبقى أهم معركة سيخوضها موحا
أوحمو الزياني هي معركة لهري سنة 1914م، ومعركة الاستشهاد في 27 مارس
1921م بتاوجكالت.
كما قلنا سابقا: إن مقاومة موحا أوحمو انطلقت شرارتها
الأولى منذ وقت مبكر قبل فرض الحماية ميدانيا وعمليا، عندما حاول الكولونيل
مانجان احتلال تادلا تمهيدا لاحتلال الأطلس المتوسط للقضاء على قبائل زيان
ومقاومتهم العتيدة. لذا ، وحّد موحا أوحمو وموحا أوسعيد جهودهما لمواجهة
القوات الفرنسية الغازية، بيد أن انبساط السهول في منطقة تادلا وتفوق فرنسا
عسكريا ونقص الذخيرة عند المقاومين الأمازيغيين سهل الأمر على الفرنسيين
الدخول إليها في أبريل 1913م.
وعلى الرغم من هذا الاحتلال، فقد ألحق
قائدا المقاومة الأمازيغية بالفرنسيين خسائر فادحة في الأرواح والبشر في
معركة القصيبة التي دامت ثلاثة أيام متواصلة، والتي أدت بالكولونيل مانجان
إلى التراجع إلى منطقة تادلا، ولم يدخل الفرنسيون قصبة بني ملال إلا في صيف
سنة 1916م، في حين لم تخضع القوات الفرنسية القصيبة إلا في أبريل 1922م ،
بعد أن جهزت لذلك قوة ضخمة من الرجال والعتاد.
3- سيناريو معركة الهري:
تعتبر
معركة لهري الملحمية من أهم المعارك التي خاضها الزيانيون الأمازيغيون ضد
المحتل الفرنسي الذي استهدف إذلال الأطلسيين وتركيعهم، واستنزاف خيراتهم
واغتصاب ممتلكاتهم، والتصرف في مواردهم وأرزاقهم،والتحكم في رقابهم
وحرياتهم التي عاشوا من أجلها.
ولايمكن الحديث في الحقيقة عن المقاوم
البطل موحا أوحمو الزياني إلا في ارتباط وثيق مع هذه المعركة التي سجلت
معالم وجوده بدماء حمراء في صفحات التاريخ الحديث و المعاصر في القرن
العشرين الميلادي.
أ- دوافــــع معركة لهري:
قرر المحتل
الفرنسي إخضاع جبال الأطلس الكبير والمتوسط والصغير قصد تطويق المقاومة
الأمازيغية ومحاصرتها برا وجوا وبحرا من أجل فرض الأمن واستتباب الطمأنينة
في نفوس المعمرين الأجانب لاستغلال المغرب واستنزاف خيراته الاقتصادية. لكن
احتلال المغرب ضمن أبعاد فرنسا الاستعمارية ونواياها المبيتة لن يكون في
صالح الحكومة الحامية إلا بالاستيلاء على الأطلس المتوسط باعتباره ممرا
إستراتيجيا يفصل الشمال عن الجنوب، ويفصل أيضا الغرب عن الشرق، ويهدد كذلك
وجود فرنسا بالجزائر ومدينة وجدة والمغرب الشرقي الجنوبي ، ويهدد كل
المناطق المتاخمة للحدود الجزائرية.
كما يكتسي الأطلس المتوسط أهمية
جغرافية واقتصادية على المستوى المائي والفلاحي والغابوي؛ لكونه منبعا
لكثير من الأنهار والمصبات بفضل كثرة الثلوج المتساقطة على المنطقة ، والتي
تتحول إلى مجار وينابيع وعيون مائية تنساب في الكثير من الأنهار كنهر أم
الربيع ونهر ملوية ووادي العبيد. وبالتالي، تساهم هذه الأنهار والأودية في
إنشاء السدود وتوليد الطاقة الكهربائية، فضلا عن توفر الأطلس المتوسط على
خط المواصلات المباشر الذي يربط بين مراكش وفاس عبر أم الربيع وخنيفرة.
وقد
دفع هذا الوضع الإستراتيجي الإقامة الفرنسية بالرباط إلى التفكير في
احتلال الأطلس المتوسط لفتح الطرق والممرات البرية لتسهيل التواصل بين فاس
ومراكش وتسخير خيرات الجبال لصالح فرنسا التي كانت تخوض حربا كونية ضد دول
المحور التي كانت تتزعمها الإمبراطورية الألمانية بقيادة بسمارك. كما أن
أغلب المقاومين الذين كانوا يحاربون فرنسا كانوا يحتمون بجبال الأطلس
المتوسط ولاسيما المقاومين الزيانيين .
و قد أثبت ليوطي المقيم العام
بالمغرب في 2 ماي 1914م دوافع احتلال الأطلس المتوسط حينما صرح قائلا:" إن
بلاد زيان تصلح كسند لكل العصاة بالمغرب الأوسط، وإن إصرار هذه المجموعة
الهامة في منطقة احتلالنا، وعلاقتها المستمرة مع القبائل الخاضعة، يكون
خطرا فعليا على وجودنا، فالعصاة المتمردون والقراصنة مطمئنون لوجود ملجإ
وعتاد وموارد، وقربها من خطوط محطات الجيش ومناطق الاحتلال جعل منها تهديدا
دائما لمواقعنا، فكان من الواجب أن يكون هدف سياستنا، هو إبعاد كل
الزيانيين بالضفة اليمنى لأم الربيع".
ونفهم من خلال هذا التصريح أن
خوض المعركة ضد الزيانيين بجبال الأطلس المتوسط فرضته دوافع إستراتيجية
تتمثل في محاصرة المقاومة الأمازيغية التي كانت تساعد القبائل المجاورة
والسهول المحتلة من قبل على التحرر والانعتاق من قبضة المحتل الفرنسي الذي
بذل مجهودات جبارة من أجل السيطرة عليها وتطويعها.