تلوث التربة بالكادميوم
بدأ تأثير الانسان على البيئة منذ ظهوره على سطح الارض , و كان هذا التأثير على شكل صراع للانسان مع البيئة من اجل البقاء , مثل إحداث الحرائق في الغابات كوسيلة للصيد و إكراه الحيوانات على الفرار مما يسهل اسرها . إلا ان مشكلات تلوث البيئة اصبحت تشكل منعطفاً خطيراً منذ الثورة الصناعية , التي على الرغم من انها استطاعت تحرير العالم من الفقر و البؤس , إلا انها كانت سبباً رئيساً في التدهور السريع للبيئة الطبيعية .
و تعد المعادن الثقيلة من بين مجموعة كبيرة من الملوثات التي احدثت تغيرات كبيرة في الوسط البيئي و لعل عنصر الكادميوم من اخطرها سمية على الانسان و الحيوان
*مصادر التلوث بالكادميوم
يوجد الكادميوم في جميع الترب الطبيعية بتراكيز منخفضة جداً لا تتعدى في حدها الاقصى الجزء بالمليون , و قد ادى التطور الصناعي الى تلوث التربة و المياه و الهواء و النباتات بهذا العنصر , و من اهم مصادر التلوث بالكادميوم:
1- تلوث صناعي : و ينتج عن صناعات مختلفة تلقي مخلفاتها الى الوسط المحيط دون معالجة مثل الدباغات - الصناعات البلاستيكية و المطاطية - صناعة الاصبغة و الدهانات - محطات الوقود - مصافي البترول - الصناعات الكهربائية و الالكترونية - الطباعة - مصانع الأسمدة و خاصة الاسمدة الفوسفاتية - و مصانع البطاريات الجافة .
2- تلوث زراعي : و ينتج عن استخدام أسمدة كيميائية او عضوية المنشأ تحوي على تركيز مرتفع من الكادميوم .
* الاضرار الصحية
و البيئية للكادميوم
تبين الدراسات إرتفاع تركيز الكادميوم في الترب القريبة من المنشأت الصناعية التي تطرح هذا العنصر الى الوسط الخارجي , سواء تم ذلك من خلال فوهات المداخن على شكل غازات او أغبرة , او عن طريق المياه التي يتم إستخدامها لاحقاً في الزراعة .و سواء تم تلوث التربة او النبات او كليهما , فإن ذلك سوف يؤدي الى تسمم الانسان و الحيوان الذي يتغذى على نباتات ملوثة . و يكمن الخطر لهذا العنصر على جسم الانسان في انه يتميز بخاصية التراكم في مراكز حيوية هامة في جسم الانسان و ان عملية طرحه يمكن ان تكون معدوماً تقريباً . فالكادميوم يتحد مع بعض انواع البروتينات و يتراكم في الكبد و الطحال و الكلى , كما يمكن للكادميوم ان يحل محل عنصر الزنك في بعض الانزيمات في جسم الانسان و التي تقوم بوظائف حيوية هامة و بالتالي تفقد هذه الانزيمات قدرتها الحيوية , وبسبب ان الكادميوم يتشابه مع الكالسيوم , فإنه يترسب معه في العظام على شكل ثلاثي فوسفات الكادميوم و هذا بدوره يؤدي الى هشاشة العظام و حدوث اضرار بالغة على العمود الفقري .
* معالجة تلوث التربة بالكادميوم
تختلف الطرائق المتبعة لمعالجة هذا النوع من التلوث و من اهم الطرائق المستخدمة:
إجراء عملية غسيل للتربة الملوثة بهذا العنصر بمياه ينخفض فيها تركيز الكادميوم , و هذا يتطلب إيجاد نظام صرف مترافق مع عملية الغسيل حتى لا يحصل تلوث للماء الجوفي و من الطرائق المتبعة ايضاً « جرف الطبقة السطحية للتربة الملوثة بالكادميوم و استبدالها بطبقة زراعية اخرى و هذا ما حدث باليابان في الاعوام الاخيرة من القرن الماضي حيث ادى استخدام مياه ملوثة بالكادميوم في ري حقول الارز الى ارتفاع تركيز هذا العنصر في التربة لآلاف الهيكتارات , و نجم عن هذا الارتفاع تراكم الكادميوم في الارز و ظهور مرض عرف بمرض ITAI _ ITAI ) ) نتيجة لتناول الارز الملوث بالكادميوم و كذلك مرض البروتيناريا ( البول البروتيني ) , و قد تمثل ذلك بظهور قصور كلوي وظيفي و إضطرابات عظمية .
إن معالجة التلوث بالكادميوم عملية ليست بسيطة على الاطلاق و يجب ان تبدأ من المصدر و ذلك عن طريق مرشحات على فوهات مداخن المصانع , و اتباع مبدأ الدورة المغلقة للمياه في المنشأت الصناعية , و هذا بالطبع مكلف جداً , و الأكثر كلفة هو معالجة تلوث التربة , فاستصلاح آلاف الهيكتارات في اليابان من ارض ملوثة بالكادميوم كلّف حوالي 185000 دولار للهيكتار الواحد عن طريق جرف الطبقة السطحية للتربة بعمق 25 سم و استبدالها بطبقة زراعية .
إن تركز عدد كبير من الصناعات في محافظة حمص و التي تطرح مخلفاتها الى الوسط المحيط بشكل مباشر او غير مباشر على شكل أدخنة او غبار , او تصرف مباشرة الى مياه الري , يجعل من الضروري التحري
عن هذا العنصر في التربة المجاورة و في النباتات المزروعة و ايضاً في مياه الآبار و هذا يتطلب تضافر جهود كبيرة من المختصين و الجهات الرسمية , علماً بأن الكادميوم موجود في الفوسفات السوري و في المشتقات النفطية . و من ناحية اخرى فإن التحريات التي اجريت حول تلوث التربة و المياه و النبات بهذا العنصر لا تزال حتى الان بين التأييد و النفي للتلوث بالكادميوم ...
و في جميع الاحوال فإن صحة الانسان تبقى فوق كل غال و نفيس