A.Lakdib المدير العام
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 2398 نقاط : 10959 تاريخ التسجيل : 17/12/2010
| موضوع: هكذا استطاع الحاجب السلطاني "أبا حماد" حُكْمَ المغرب الخميس 27 مارس - 23:30:03 | |
| هكذا استطاع الحاجب السلطاني "أبا حماد" حُكْمَ المغرب إسماعيل التزارني
لم يتجاوز عبد العزيز بن الحسن ربيعه الرابع عشر حتى وجد نفسه في أعلى سدة الحكم، والقبائل تبايعه سلطانا للبلاد. انتشلته وفاة والده المولى الحسن الأول من جو اللعب والمرح واللهو مع أقرانه من المراهقين، لتضعه في مجالس تحفها الهيبة والوقار، محاطا بالوزراء والعمال، وإلى جانبه حاجب داهية يدعى باحماد. هذا الأخير هو من كان وراء بيعته، ومن دفعه لتقلد الحكم، ليخلو له الجو بعد ذلك ويحكم ويمرر قراراته باسم السلطان الصغير، بل سيصفي حساباته مع الخصوم والمنافسين باسم السلطان أيضا.. كيف استطاع باحماد أن يجعل القبائل تبايع المولى عبد العزيز دون إخوته الأكبر منه؟ وكيف سحب البساط من النخب المخزنية؟خطة باحمادعرف عهد الحسن الأول بالثورات وحركات التمرد التي تقودها بعض القبائل، فلم يتوان السلطان في إخمادها والقيام بـ"حركات" إلى العديد من المناطق المشتعلة في البلاد، كانت آخرها منطقة تافيلالت، وهي "الحركة" الثامنة عشر للمولى الحسن، كما يشير إلى ذلك ابن زيدان في كتاب "الإتحاف".بعد ذلك عاد السلطان إلى مراكش التي كان ينتظر منه الإقامة فيها لبعض الوقت للاستراحة، لكنه لم يلبث أن قام متوجها نحو مدينة فاس، لتوافيه المنية بمنطقة تادلة سنة 1894 وهو في طريقه إلى فاس، بعد مرض ألم به في الطريق.ولغاية في نفسه، دبر الحاجب السلطاني أحمد بن موسى البخاري المعروف بـ"اباحماد" خطة محكمة، لمبايعة الابن الأصغر عبد العزيز وانتقال السلطة إليه بشكل سلس. إذ كتم خبر وفاة السلطان باتفاق مع رقية التركية، أم المولى عبد العزيز، وعندما وصلت المحال السلطانية إلى بلاد الشاوية، قرب مدينة سطات، جمع باحماد الهيأة المخزنية، المكونة من كبراء الأسرة الحاكمة والوزراء وقواد الجيش وأخبرهم بوفاة السلطان.ويشير علال الخديمي في كتابه "الحركة الحفيظية" إلى أن باحماد فضل كتمان الأمر، حتى لا تتعرض محلة السلطان لأي أذى وسط قبائل تادلة. وبعد إطلاعهم على خبر الوفاة أخبرهم أيضا بترشيح السلطان المتوفى لابنه الأصغر.السلطان يرشح المولى عبد العزيزقبيل وفاة السلطان وعند عودته من تافيلالت إلى مراكش عزل خليفته بالمدينة، ابنه المولى محمد. يقول لويس أرنو في كتاب "زمن المحلات السلطانية": "لما ثبت لديه من أفعال صدرت منه غير مرضية وأحوال استبدادية ومخالفته لأحكام شرعية.. وكان ابنه مولاي عمر حينئذ بفاس، وبعزل مولاي محمد قدم نجله الأعز لديه المولى عبد العزيز". وطبعا كان هذا الحادث هو سند الحاجب اباحماد للدعوة إلى مبايعة المولى عبد العزيز.لم يكن ينافسه في رغبته هاته غير أسرة آل الجامعي العريقة في دار المخزن تماما كأسرة آل موسى التي ينتمي إليها الحاجب باحماد، إذ كانت الضغائن والمنافسة داخل دار المخزن محتدمة بين العائلتين قبل وفاة الحسن الأول. ولأن هذا الأخير تربطه علاقة مصاهرة مع آل الجامعي، كان باحماد مقتنعا بأفضليتهم لديه لذلك كان يسايرهم. لكن مبايعة المولى عبد العزيز وموافقة غالبية القبائل على ذلك كانت بمثابة الضربة القاضية من باحماد لآل الجامعي.الحاجب يعتقل المنافسينبعد طقوس البيعة التي تمت في الرباط كانت أسرة آل الجامعي، التي ينتمي إليها الصدر الأعظم المعطي الجامعي ووزير الحربية محمد الصغير الجامعي، تطمح إلى انتقال السلطان إلى مدينة فاس معقل آل الجامعي.لكن الحاجب باحماد، لدهائه ولقربه من المولى عبد العزيز، حال دون ذلك وأقنع السلطان الصغير بالتوجه إلى مكناس، حيث توجد قوة تقليدية من جيش البخاري الذي يعود أصل باحماد إليه. بعد ذلك التحق الصدر الأعظم المعطي الجامعي وأخوه وزير الحربية بالسلطان بمكناس، ليعتقلهما الحاجب باحماد هناك ويصادر أموالهما، بتهمة التآمر ضد السلطان المولى عبد الحفيظ لصالح أخيه المولى محمد.وباعتقال الصدر الأعظم وأخيه، سيخلو الجو للحاجب ليتمكن من السيطرة على ناصية الحكم، واحتلال منصب الصدارة العظمى، وتصدر واجهة الدولة باسم السلطان، والاستبداد بالحكم لمدة ست سنوات. وحتى يحافظ على موقعه ولا يثير الضغائن كان دائما يظهر علامات الولاء والتقدير الواجبة للسلطان، ويمرر قراراته دائما باسم السلطان حتى لا تجد من يعارضها.وخلال هذه المدة التي كان فيها باحماد هو الحاكم الفعلي للبلاد، مهد الطريق لعائلته ومقربيه وسمح لهم بالدخول لدار المخزن، بعد أن أخذ هو مكان الصدر الأعظم، عن طريق تعيينهم في مناصب وزارية هامة. هكذا تولى أخوه سعيد بن موسى وزارة الحربية، وأخوه ادريس بن موسى الحجابة، وابن عمه المختار بن عبد الله منصب الكاتب في الصدارة العظمى، ناهيك عن بعض المناصب التي وضع فيها بعض أصدقائه. أما وزارة الخارجية فقد احتفظ فيها ب "المفضل غريط"، لكنه استبد دونه بالنظر في شؤونها وأصبح هو وزير الخارجية الفعلي بتعامله مباشرة مع النائب السلطاني بطنجة محمد الطريس.باحماد من أثرياء البلاداستطاعت أسرة آل باحماد أن تحافظ على موقعها داخل دار المخزن لمدة قرن كامل، لكن في عهد المولى عبد العزيز سيصل نفوذ الأسرة أوجه، لأن باحماد وجد كل الظروف مواتية لذلك، فاستغل دهاءه وخبرته في شؤون الحكم.ورغم أن باحماد استطاع أن يؤدي التعويضات المترتبة عن حرب تطوان للإسبان، وأن يبعد ما أمكن الأطماع الاستعمارية أو على الأقل تأجيلها بحفظ التوازن في علاقات المغرب بالدول الكبرى، إلا أن عهده عرف ضغطا جبائيا اشتكت منه جل القبائل، الأمر الذي أثر سلبا على علاقات المخزن بهذه القبائل.اهتمامات اباحماد السياسية لم تشغله عن تكوين ثروة كان يضرب بها المثل، ومن أبرز مؤشرات هذه الثروة ما أنفقه على توسيع بعض أروقة قصره الشهير "الباهية" بمراكش، إذ بدد حوالي مليون ونصف من الفرنكات الذهبية في غضون ثلاثة عشر شهرا فقط.لما توفي أحمد بن موسى البخاري حل مكانه في الصدارة العظمى المختار بن عبد الله الذي لم يكمل فيها أكثر من سنة واحدة، لأنه كبير السن فلم يحظ برضى السلطان الشاب الذي أحاط نفسه بأشخاص أقرب إلى جيله وأكثر تفهما لميولاته، لينتهي بعد ذلك عهد باحماد ويبدأ الحكم الفعلي للسلطان المولى عبد العزيز، لكن السلطان الشاب سيجد نفسه في مواجهة الأطماع الاستعمارية الأوربية وتمردات القبائل من جديد. |
|