جون لوك ............. هذا الفيلسوف الإنجليزي هو أول من أرسى مبادئ الديموقراطية الدستورية. و قد أثرت فلسفته في مؤسسي الولايات المتحدة و في كثير من فلاسفة الثورة الفرنسية.
ولد "جون لوك" سنة 1632م في مدينة "رنجتون" بانجلترا : تخرج في جامعة أكسفورد و حصل منها على الليسانس و الماجستير ، و كان شديد الاهتمام بالعلوم ، و في سن السادسة و الثلاثين اختير عضوا بالجمعية الملكية ، و أصبح صديقا للكيميائي الشهير "روبرت بويل" . ثم أصبح صديقا بعد ذلك للعالم الكبير "اسحق نيوتن" ، و كان مهتما بالطب و حصل على بكالوريوس الطب لكنه لم يمارس هذه المهنة إلا قليلا.
نقطة التحول في حياته كانت عند معرفته باللورد "شافتسري" فأصبح سكرتيره و طبيبه الخاص .
كان اللورد "شافتسري" متحرر الفكر و بسبب ذلك سجنه الملك "تشارلز" لكنه هرب إلى هولندا و بقي فيها حتى موته ، و هرب معه "جون لوك" بسبب صداقتهما و أفكارهما السياسية المتقاربة ، لكنه عاد سنة 1689م بعد قيام الثورة التي اسقطت "جيمس الثاني" خليفة "تشارلز".
أما الكتاب الذي جعل جون لوك فيلسوفا شهيرا فهو "مقال في الفهم الإنساني" و الذي درس فيه أصل و طبيعة و حدود المعرفة الإنسانية ، و كانت وجهات نظر "لوك" تجريبية عملية. و كان متأثرا في تفكيره باثنين من الفلاسفة : الفيلسوف الإنجليزي "فرانسيس بيكون" و الفيلسوف الفرنسي "رينيه ديكارت".
كما أن أفكار "لوك" قد أثرت في القس الإنجليزي "جورج باركلي" و الفيلسوف الإنجليزي "دافيد هيوم" و الفيلسوف الألماني "إيمانويل كنت" ، و على الرغم من أن "المقال" الذي أصدره "لوك" هو أكثر أعماله الفلسفية أصالة و من أشهر المؤلفات الفلسفية على الإطلاق ، فقد كان أقل أثرا في الأحداث و تطورها من أبحاثه السياسية الأخرى. ففي بحث له بعنوان "رسالة عن التسامح" ، رأى "لوك" أن الدولة يجب ألا تتدخل في حرية العقيدة. و لم يكن "لوك" أو إنجليزي ينادي بالتسامح الديني بين البروتستانت. غير أن الحجج الجديدة التي ساقها في تدعيم التسامح الديني كان لها أعظم الأثر في شعور الناس و مواقفهم السياسية ، بل إن "لوك" انتقل من التسامح بين المذاهب المختلفة في الدين الواحد إلى التسامح بين الأديان كلها ، و قال : يجب ألا نستبعد إنسانا ايا كان عمله أو وظيفته لأنه وثني أو مسلم او يهودي.
و من أخطر مؤلفاته الفلسفية كتابه "بحثان عن الحكومة" ، و في هذا الكتاب يرسي قواعده الأساسية للديموقراطية الدستورية ، و قد كان لهذا الكتاب اثره العميق في الشعوب الناطقة بالإنجليزية ، و هو يؤمن إيمانا قاطعا بأن كل إنسان له حقوق طبيعية ، و أن هذه الحقوق الطبيعية ليست في أن يعيش فقط. إنما في أن يكون حرا و أن تكون له ملكية خاصة ، و أعلن "لوك" أن وظيفة الحكومة هي حماية الإنسان و حياته و حريته و ممتلكاته ، و قد أطلق على هذه النظرية اسم "حكومة الحراسة الليلية للشعب".
و رفض الحق الإلهي للملوك ، و قال إن الحكومة كسبت شرعيتها من الذين تحكمهم. و كان "لوك" يؤمن بنظرية الفصل بين السلطات و كان يرى أنه لا توجد سلطة لها الحق في حكم الشعب إلا السلطة التي اختارها الشعب ، فهو الذي يعطي الشرعية للذين يحكمونه.
و هو الذي اهتدى إلى كل المبادئ التي حركت الثورة الأمريكية قبل وقوعها بمائة سنة ، و كان أثره على الرئيس الأمريكي "توماس جيفرسون" واضحا جدا.
و انتقلت أفكار "لوك" إلى فرنسا و الثورة الفرنسية و إلى "إعلان حقوق الإنسان" الذي أُقر بعد الثورة الفرنسية.
بقي أن نعلم أن "جون لوك" عاش حياته بدون زواج إلى أن توفي سنة 1704م.