النظرة المستقبلية
بعد أن نكون قد تمكنا من التغلب علي قضية توطين الوظائف فى الوقت الراهن،
فإنه سيكون فى مقدورنا النظر إلي ما يمكن أن نتخذه من إجراءات لضمان مستقبل
مسيرة توطين الوظائف بحيث تواكب متطلبات سوق العمل. ومن خلال هذا البُعد
سنقدم محاولة نري بأنها قد تساعدنا فى فهم أفضل لمدي ترابط القطاعات
والجهات الحكومية وغيرها ودور كل منها فى مسيرة عملية توطين الوظائف.
وسنحاول فى هذه السطور طرح رؤية نعتقد أنه لو تم تبنيها قد تساهم فى الحد
من مشكلة تفشى البطالة بين خريجى المؤسسات التعليمية فى جميع التخصصات فى
المملكة العربية السعودية مثل؛ المدارس الثانوية (تجارى، علمى، أدبى،
شريعة)، معاهد التدريب المهنى، الكليات المتوسطة، الكليات التقنية، كليات
التربية، الجامعات، الأقسام النسائية للمدارس، والمعاهد والكليات
والجامعات. هذه المقترحات تستند مبدئياً علي مفهوم نظرى مستمد من "نظرية
النظم" مفاده أن المنشآت (أرباب العمل) والمؤسسات التعليمية ومجلس الغرف
التجارية الصناعية السعودية يشكلون مكونات فى نظام مغلق؛ وأن خريجى
المؤسسات التعليمية (الباحثون عن الوظائف)، وإمكانية توفر الوظائف، ومراكز
التوظيف (القوي العاملة) فى الغرف التجارية الصناعية تمثل خصائص مكونات
النظام. بمعني آخر فإن المنشآت تتقدم بطرح لتقدير المدخلات، والمؤسسات
التعليمية تقوم بإفراز المخرجات المطلوبة تقديرياً، ومجلس الغرف التجارية
الصناعية السعودية هو الوسيط الناقل والمنسق. وهكذا تتم هذه العملية علي
فترات زمنية محددة ومتفق عليها مثل مرة فى السنة أو كل 4 سنوات؛ وهذه
المقترحات يمكن إيجازها علي النحو التالى:
\ أن يتولي مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية القيام بمهمة التنسيق
بين القطاع الخاص (أرباب العمل) والمؤسسات التعليمية، وذلك من خلال تشكيل
إدارة خاصة وليكن مسماها "مركز التوظيف" تعني بشؤون القوي العاملة مثل
التوظيف والتنقل بين الوظائف والشكاوي وفض النزاعات والاستقالة والتقاعد،
وما شابه. وأن تشمل هذه الإدارة قسماً للدراسات والأبحاث وبنكاً للمعلومات
يحتوى علي بيانات وإحصائيات وكل ما له علاقة بالقوي العاملة فى القطاع
الخاص داخل المملكة العربية السعودية.
\ أن يقوم مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية بتعميد جميع الغرف
التجارية الصناعية السعودية، بضرورة إنشاء مراكز توظيف مماثلة لمركز
التوظيف التابع لمجلس الغرف. وأن ترتبط جميع هذه المراكز ببعضها وبالمركز
الأم فى مجلس الغرف بشبكة حاسب آلى بحيث يمكن أن يتم تبادل المعلومات أو
إجراء أى تعديل أو تحديث للبيانات بصفة مستمرة ومتواصلة.
\ أن تقوم كل غرفة تجارية صناعية بعملية التنسيق والتشاور بين القطاع الخاص
(أرباب العمل) والمؤسسات التعليمية المتواجدة فى المدينة التى تتبع لها
الغرفة. والمفترض أن قسم الدراسات والأبحاث، التابع لمركز التوظيف فى
الغرفة التجارية، هو الجهة المسؤولة التى تتولي القيام بهذه المهمة. وذلك
من خلال تصميم استمارة استبيان الغرض منها جمع بيانات من مسؤولى إدارة شؤون
الموظفين لدي منشآت القطاع الخاص. ويتم توزيع نماذج استمارة الاستبيان علي
أكبر عدد ممكن من المنشآت (لا سيما الكبيرة والمتوسطة الحجم)، وبعد الحصول
علي الاستمارات المعبئة يتم تصنيفها وتنظيمها علي مجموعات حسب أنشطة
المنشآت. ويتم التأكد من صحة تعبئة البيانات وحذف الاستمارات الناقصة وغير
المتناسقة. ثم يتم إدخال وتخزين إجابات بنود بيانات الاستبيان، بموجب
المجموعات التى تم تصنيفها، فى جهاز الحاسب الآلى. ثم يجري تطبيق الطرق
الإحصائية التى من خلالها يمكن التوصل إلي النتائج المرجوة من إجراء البحث
مثل تقدير إجمالى حجم الطلب وتحديد أنواع المهارات المطلوبة لمجموعة
الوظائف المختلفة لكل مجموعة من نشاطات منشآت القطاع الخاص والمستوي
التعليمى المطلوب وعدد سنوات الخبرة المطلوبة والنسبة المئوية للمنشآت التى
تتوفر لديها مراكز تدريب وتأهيل وتطوير الموظفين. ثم يعد تقرير شامل يوضح
بالتفصيل النتائج التى توصلت إليها الدراسة بما فى ذلك التوصيات
والمقترحات.
\ أن تقوم الغرف التجارية الصناعية السعودية باستخلاص تقارير خاصة من نتائج
الدراسة الأصلية وإرسال نسخ من هذه التقارير التى أعدتها إلي مركز التوظيف
بمجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية، ثم يتولي المسؤولون هناك القيام
بدورهم بتخزين جميع التقارير التى قد تم استلامها من كافة الغرف التجارية
الصناعية وحفظها بشبكة الحاسب الآلى.
\ أن يتولي المسؤولون فى مركز التوظيف بمجلس الغرف التجارية الصناعية
السعودية مهمة توزيع نسخ من هذه التقارير إلي الجهات الرسمية والمعنية
بالمؤسسات التعليمية مثل وزارة المعارف أو وزارة التعليم العالى أو الرئاسة
العامة لتعليم البنات أو المؤسسة العامة للتعليم الفنى والتدريب المهنى،
بحيث يحتوى كل تقرير توضيحاً شاملاً بالمعلومات الخاصة عن الوظائف المطلوب
إعدادها وتحضيرها من كل مؤسسة تعليمية خلال الفترة الزمنية المحددة خلال
السنوات القادمة.
\ أن تقوم كل مؤسسة تعليمية بإعداد دراسة شاملة ومستفيضة بحيث تتطرق إلي
جميع المعلومات والبيانات عن الوظائف المطلوبة والتى تكون المؤسسة
التعليمية المسوؤلة عن توفيرها. وأن تختتم الدراسة بتقرير يشمل معلومات
وبيانات تتعلق بنوع وعدد الوظائف والمهارات المطلوبة وغيرها والتى لها صلة
بمهمة ومسؤولية المؤسسات التعليمية لإعداد وتحضير هذه الوظائف. بعد ذلك
تتولي المؤسسة التعليمية مهمة توزيع نسخ من هذه التقارير إلي الوحدات
التعليمية التابعة لها (مثل المدارس الثانوية للبنين والبنات أو معاهد
التعليم الفني والتدريب المهنى، أو الكليات المتوسطة، أو كليات التربية، أو
الجامعات) فى جميع المدن السعودية.
\ أن تسعي كل مؤسسة تعليمية بتعميد الوحدات التعليمية التابعة لها بضرورة
تأسيس مركز للتوظيف. وأن تكون مهمة كل مركز توفير معلومات شاملة عن فرص
الوظائف الشاغرة للخريجين والباحثين عن وظائف فى جميع أنحاء المملكة
العربية السعودية؛ بحيث تتضمن المعلومات أهم البيانات عن الوظيفة مثل مسمي
الوظيفة، جهة التوظيف، إسم المدينة التابعة لها جهة التوظيف، المؤهلات
المطلوبة، الراتب والمميزات، وعدد الموظفين المطلوبين.
\ أن يحرص مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية، وبصفة مستمرة، علي ضرورة
تحديث المعلومات والبيانات التى تصل إلي الوحدات التعليمية وذلك من خلال
الاستمرار بمهمة التنسيق بين القطاع الخاص (أرباب العمل) والمؤسسات
التعليمية. كما باستطاعة مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية التنسيق مع
وزارة الإعلام لاستخدام وسيلة "التيلى تيكست" عبر التليفزيون لنشر معلومات
عن الوظائف الشاغرة فى القطاع الخاص فى جميع أنحاء المملكة العربية
السعودية.
إن محصلة كل هذه الإجراءات ستمكِّننا من الوصول إلي فكرة عن العدد التقريبى
لاحتياجات المملكة العربية السعودية، علي مدي فترة زمنية محددة فى شتي
المناطق، من القوي العاملة فى جميع الاختصاصات المتنوعة والمختلفة
والمتفرعة داخل التخصصات، مما سيسهل بالتالى من مهمة المؤسسات التعليمية فى
تحضير وإعداد وتهيئة الكوادر المطلوبة كماً وكيفاً.
المقترحات
هناك عدة مقترحات لوضع عملية توطين الوظائف فى نصابها الصحيح والتى نري
بأنها لو تم أخذها بعين الاعتبار فإنها قد تساهم فى تفعيل وتنشيط مسيرة
توطين الوظائف، والتى يمكن إيجازها علي النحو التالى:
$ ضرورة زيادة التنسيق والتعاون بين المؤسسات التعليمية والجهات ذات
الاختصاص بسوق العمل مثل وزارة التخطيط ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية
ومجلس القوي العاملة ومجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية وأرباب العمل
فى القطاع الخاص.
$ بالنسبة لعملية وتوطين الوظائف الدنيا (ذات رواتب منخفضة) والتى يلاحظ
عزوف المواطنين السعوديين لا سيما الشباب عنها وعدم رضاهم بقبول العمل
فيها، فإنها عملية معقدة ومتعددة الجوانب وتحتاج إلي تضافر جهود أجهزة
الدولة ومؤسسات المجتمع بحيث تلعب المؤسسات الإعلامية دوراً لا يقل أهمية
عن دور المؤسسات التعليمية، وكذلك الأمر بالنسبة لقادة الرأى والفكر فى
المجتمع وأئمة المساجد وعلماء الدين، فجميع هؤلاء لهم دور كبير فى تغيير
قيم واتجاهات أفراد المجتمع بالنسبة للمهن الدنيا وتصحيح مفاهيمهم تجاهها.
$ تعتبر نسبة مشاركة المرأة فى سوق العمل السعودية من أدني النسب فى
العالم، بالرغم من أن عدد الخريجات من المؤسسات التعليمية كبير. ولذلك كان
من الضرورى إتاحة فرص عمل أكبر لترتفع نسبة مشاركتها فى سوق العمل، هذا
بالإضافة إلي أن أمامها سوق عمل مفتوحة يكفلها لها الدين الإسلامى الحنيف،
كما أن قرارات مجلس القوي العاملة قد فتحت لها آفاق عمل جديدة تتناسب مع
تكوينها وطبيعتها وتتوافق مع الشريعة الإسلامية. وهنا لا بد من مساهمة
الجمعيات الخيرية النسائية فى جميع أنحاء المملكة العربية السعودية فى
توعية المرأة عن فرص العمل المتاحة لها.
$ لابد من تطوير المناهج وأساليب التدريس وتقويم الأداء بالمرحلة الثانوية
حتي يستطيع هذا التعليم إعداد الطالب بالكفاءة التى تؤهلهم لاستكمال
دراساتهم الجامعية.
$ زيادة الإمكانيات للكليات الجامعية ذات التخصصات المطلوبة فى سوق العمل
وإرشاد الطلاب والطالبات نحو هذه التخصصات وذلك حسب متطلبات سوق العمل.
$ أن تقوم سياسات القبول بالجامعات علي أساس أن التعليم ليس حقاً اجتماعياً
للفرد تضمنه الجامعة بل ميزة يحصل عليها فقط ذوى الاستعدادات. ولتعزيز هذا
التوجه ربما قد تلجأ وزارة التعليم العالى إلي رفع نسب القبول بالجامعات
بحيث تجعل أقل نسبة هى 80%. أما خريجو الثانوية العامة أو ما يعادلها الذين
يحصلون علي نسب أقل فلابد من توجيههم نحو مجالات اختيارية أخري، والتى
ربما يتفوقون فيها ويستطيعون تحقيق مستقبل أفضل. أما بالنسبة لمجالات
التحصيل غير الجامعى فهى متوفرة بكثرة فى المملكة العربية السعودية.
والجدير بالذكر هنا، أن الجامعات فى بريطانيا تقبل كل عام حوالى 25%-30% من
خريجى الثانوية العامة (أو ما يعادلها)، والباقون يتوجهون إلي مجالات
اختيارية أخري.
$ ضرورة توجيه الطلاب والطالبات خريجى الثانوية العامة وإرشادهم نحو
التخصصات ذات الطلب العالى فى سوق العمل؛ وبهذا الخصوص لابد من تشكيل إدارة
لهذا الغرض وأيضاً لغرض الاهتمام بالخريجين ومساعدتهم علي إيجاد فرص
وظيفية فى سوق العمل.
$ يجب علي جميع الجامعات السعودية أن تتبع نهج جامعة الملك فهد للبترول
والمعادن والتى قامت بتطبيق نظام التعليم التعاونى والذى يعتبر مزيج من
التعليم النظرى بالتدريب العلمى، لذا فإن هناك إقبال شديد من مؤسسات القطاع
الخاص علي توظيف خريجى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
$ المدير العام - الدار العالمية للاستشارات الإدارية - محافظة جدة.