مذابح الأرمن
بدأت قضية مذابح الأرمن في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، إذ قالت الدولة العثمانية أن روسيا قامت بإثارة الأرمن الروس القاطنين قرب الحدود الروسية العثمانية، فبدأت بتحريضهم وإمدادهم بالمال والسلاح والقيام بتدريبهم في أراضيها وتشكيل الجمعيات المسلحة من أمثال خنجاق وطشناق. وقدمت بريطانيا دعماً قوياً لتلك المنظمات لأنها كانت تريد تفتيت الدولة العثمانية. حتى أن الزعيم المصري مصطفى كامل يقول في كتابه المسألة الشرقية: "فالذين ماتوا من الأرمن في الحوادث الأرمنية إنما ماتوا فريسة الدسائس الإنكليزية"[2]..
وكان قبول الدولة العثمانية إقامة دولة أرمنية في مركزها (في الولايات الستة في شرقي الأناضول) وفي مناطق يشكل المسلمون
فيها الأكثرية بمثابة عملية انتحارية للدولة العثمانية. إذ كان عدد الأرمن
– حسب الإحصائيات العثمانية والأجنبية كذلك – يتراوح بين مليون ومئتي ألف
إلى مليون ونصف مليون في جميع أراضي الدولة العثمانية. لذا لم يعبأ السلطان
بالضغوطات الخارجية ولا بتهديد انكلترا وقيامها بإرسال أسطولها إلى جنق قلعة.
وحاولت تلك المنظمات المسلحة اغتيال السلطان عام 1905 بتفجير عربة عند
خروجه من المسجد. ولكن السلطان نجا، وألقي القبض على الجاني، ولكن السلطان
عفا عنه[2].
[عدل] علاقاته مع اليهود
لما عقد اليهود مؤتمرهم الصهيوني الأول في (بازل) بسويسرا عام 1315هـ، 1897م، برئاسة ثيودور هرتزل (1860م-1904م) رئيس الجمعية الصهيونية، اتفقوا على تأسيس وطن قومي لهم يكون مقرًا لأبناء عقيدتهم، وأصر هرتزل على أن تكون فلسطين هي الوطن القومي لهم، فنشأت فكرة الصهيونية، وقد اتصل هرتزل بالسلطان عبد الحميد مرارًا ليسمح لليهود بالانتقال إلى فلسطين، ولكن السلطان كان يرفض، ثم قام هرتزل
بتوسيط كثير من أصدقائه الأجانب الذين كانت لهم صلة بالسلطان أو ببعض
أصحاب النفوذ في الدولة، كما قام بتوسيط بعض الزعماء العثمانيين، لكنه لم
يفلح، وأخيرًا زار السلطان عبد الحميد بصحبة الحاخام (موسى ليفي)و(عمانيول
قره صو)، رئيس الجالية اليهودية في سلانيك، وبعد مقدمات مفعمة بالرياء
والخداع، أفصحوا عن مطالبهم، وقدَّموا له الإغراءات المتمثلة في إقراض
الخزينة العثمانية أموالاً طائلة مع تقديم هدية خاصة للسلطان مقدارها خمسة
ملايين ليرة ذهبية، وتحالف سياسي يُوقفون بموجبه حملات الدعاية السيئة التي
ذاعت ضده في صحف أوروبا وأمريكا. لكن السلطان رفض بشدة وطردهم من مجلسه وقال: ((إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهبا فلن أقبل، إن أرض فلسطين ليست ملكى إنما هي ملك الأمة الإسلامية، وما حصل عليه المسلمون بدمائهم لا يمكن أن يباع وربما إذا تفتت إمبراطوريتي يوما، يمكنكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل))، ثم أصدر أمرًا بمنع هجرة اليهود إلى فلسطين.
عندئذ أدرك خصومه أنهم أمام رجل قوي وعنيد، وأنه ليس من السهولة بمكان
استمالته إلى صفها، ولا إغراؤه بالمال، وأنه مادام على عرش الخلافة فإنه لا
يمكن للصهيونية العالمية أن تحقق أطماعها في فلسطين، ولن يمكن للدولة الأوروبية أن تحقق أطماعها أيضًا في تقسيم الدولة العثمانية والسيطرة على أملاكها، وإقامة دويلات لليهود والأرمن واليونان.
لذا قرروا الإطاحة به وإبعاده عن الحكم، فاستعانوا بالقوى المختلفة التي نذرت نفسها لتمزيق ديار الإسلام، أهمها الماسونية، والدونمة، والجمعيات السرية (الاتحاد والترقي)، والدعوة للقومية التركية (الطورانية)، ولعب يهود الدونمة دورًا رئيسًا في إشعال نار الفتن ضد السلطان.